الأحد 2021/06/13

آخر تحديث: 10:18 (بيروت)

روسيا تحاول عبر "البروباغندا"..فرض التطبيع السعودي مع الأسد

روسيا تحاول عبر "البروباغندا"..فرض التطبيع السعودي مع الأسد
increase حجم الخط decrease
تلقفت وسائل إعلام روسية الأنباء المتداولة في وسائل إعلام عربية حول اتصالات بين الرياض والنظام السوري، ووجدت فيها فرصة للمضي فيما تبدو وكأنها حملة ممنهجة عبر أدوات "البروباغاندا" الرسمية الروسية، لتصوير التطبيع العربي الشامل مع نظام الأسد، وكأنه أمر واقع، أو على الأقل تحصيل حاصل، بات قاب قوسين أوأدنى.
ولا ينفصل هذا الترويج عن المساعي الروسية في إعادة تأهيل نظام الأسد عربيأً ودولياً، وهي خطوة يبدو أنها على سلم أولويات الكرملين، الذي يسعى إلى جني "الثمار السياسية" و"الحصاد الاقتصادي" لما يقول إنها "انتصارات عسكرية" حققها في سوريا لصالح نظام الأسد. وإذ لا يمكن تجاهل حقيقة التغيرات في مواقف عدد من الدول العربية نحو النظام السوري، إلا أنه لا يمكن في الوقت ذاته الحديث عن تطبيع وفق الصورة التي يعرضها بعض الإعلام الروسي.
وكان موقع صحيفة "غازيتا.رو" الإخبارية الروسية، المقربة في سياستها التحريرية من الإعلام الرسمي، نشر تقريراً تحت عنوان: "الأسد لن يذهب إلى أي مكان"، أشارت في مستهله إلى خبر قالت إنه نقلا عن "الجزيرة" وجاء فيه أن ولي العهد السعودي يريد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في أقرب وقت.
وأضافت أن هذا الخبر جاء بالتزامن مع أنباء حول احتمال إعادة العضوية لسوريا في جامعة الدول العربية قريباً. وجزمت بأن "القادة العرب مستعدون مجدداً للحديث مع بشار الأسد على قدم المساواة"، لتعرض بعد ذلك وجهة نظر الخبير السياسي أندريه تشوبريغين، كبير المحاضرين في كلية الدراسات الشرقية بالمدرسة العليا للاقتصاد الذي يشير إلى إن السعودية "تحاول تحسين العلاقات مع دمشق لكسر الحزام الشيعي، وللحد من نفوذ إيران في المنطقة".
ويذهب تشوبريغين إلى التأكيد بأن "عملية التطبيع جارية" ليكشف بعد ذلك عن هدف بعيد تسعى روسيا إلى تحقيقة ويقول إن "إقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا والسعودية سيعطي إشارة قوية لأوروبا والولايات المتحدة بضرورة إعادة النظر في موقفهما الغريب تجاه نظام الأسد، الموقف الذي يمكن وصفه بلا سلام، ولا حرب".
ويرسم الخبير السياسي للقراء مشهداً متخيلاً من الناحية السياسية، يقوم على جهل بواقع الأمر حول المواقف العربية من النظام السوري. إذ يصنف مصر ضمن الدول التي لا تزال تعارض بشدة التطبيع مع النظام السوري، ويقول إن الإمارات والسعودية ستضغطان عليها لتغيير موقفها. وبالنسبة لقطر يقول إن روسيا ستضغط عليها في هذا الملف. في هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن مصر منذ تسلم عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، كانت من أوائل الدول العربية التي بدأت عملية انفتاح تدريجي على النظام السوري.
وبالنسبة لقطر فإنها لا تزال متمسكة بموقفها، الذي لم يتأثر بأي شكل بالموقف الروسي، رغم التقارب الكبير بين البلدين في الآونة الأخيرة. وكان وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أعلن بوضوح مؤخراً، عن موقف بلاده، وقال في حوار على قناة تلفزيون "العربي": "لم نرَ أي أفق لحل سياسي يرتضيه الشعب السوري حتى الآن.. لم نر أي تقدم في ذلك. هناك استمرار في نفس النهج والسلوك (...) لا يوجد لدينا أي دافع لعودة العلاقات في الوقت الحالي مع النظام السوري (...) النظام السوري يرتكب جرائم بحق شعبه".
أما السعودية فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مؤشرات انفتاح محدود من جانبها على النظام السوري، في ظل ارتباكها إزاء كيفية الحد من الهيمنة الإيرانية، على خلفية عدم وضوح في الموقف الأميركي بهذا الصدد. إلا أن الأمر لم يصل حد الانفتاح على المستوى السياسي، واقتصر، وفق ما هو مُعلن رسمياً على "استضافة وفود سورية للمشاركة في فعاليات دولية"،  منها استقبال وفد من اتحاد الصحافيين لدى النظام السوري للمشاركة في اجتماع اتحاد الصحافيين العرب نهاية عام 2017. وفي نهاية أيار/مايو، استقبلت الرياض لأول مرة منذ عشر سنوات وزيراً من حكومة النظام السوري، هو  وزير السياحة الذي وصل الرياض على رأس وفد (سياحي) للمشاركة في اجتماع منظمة السياحة العالمية.
هذه الزيارات، فتحت شهية بعض وسائل الإعلام الروسية لنشر أخبار، تخلّف في مجملها انطباعاً لا يتوافق مع الواقع، ويصل حد التعاطي مع "التطبيع بين دمشق والرياض" على أنه واقع وقائم. مثال على ذلك نقلت وكالة "سبوتنيك" عام 2018 تصريحات نائب لبناني، زعم أن ولي العهد السعودي أرسل للأسد رسالة قدم له فيها عرضا سخيا بأن يبقى في السلطة مدى الحياة، وأن السعودية لا تريد إصلاحاً دستورياً وتتعهد بإعادة إعمار سوريا، مقابل أن يقطع الأسد علاقاته بطهران وحزب الله.
وكانت هناك تسريبات كثيرة حول اتصالات سعودية مع شخصيات من النظام السوري، سارعت الرياض إلى نفيها، وبينها خبر نشرته صحيفة تابعة للنظام السوري قالت فيه إن مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة دعا مندوب النظام بشار الجعفري إلى حفل في منزله الخاص. ونفى المندوب السعودي هذا الخبر. وكذلك الأمر بالنسبة لما يجري تداوله حاليا حول زيارة وفد أمني سعودي إلى دمشق، وأنه بحث مع كبار المسؤولين السوريين مسألة إعادة فتح السفارة والعلاقات بين البلدين. وهو ما نفته السعودية رسميا وأكدت أن موقفها من الوضع السوري لا يزال على حاله وأنها متمسكة بالتسوية السياسية وفق قرارات الشرعية الدولية.
رغم كل تلك "التسريبات"، و"الرسائل الإيجابية" المزعومة لم تقم السعودية حتى الآن بخطوة واضحة ولم يصدر عنها موقف رسمي يدلان على استعدادها التطبيع مع النظام السوري، أو تخلّيها عن شرط التسوية السياسية التي تلبي تطلعات السوريين للموافقة على عودته إلى الجامعة العربية.
إلا أن روسيا التي ترى أنها نجحت في "إبقاء النظام" وتراقب عجز المعارضة السورية، وغياب موقف دولي موحد إزاء دمشق، وتدرك في خلفية هذا كله قلق السعودية من توسع النفوذ الإيراني، تحاول على ما يبدو خلق أجواء تساعد على دفع الرياض لتكون التالية بعد الإمارات في التقارب مع دمشق. ومن غير المستبعد أن الترويج الإعلامي لهذا الأمر، جزء من خطة "لتشجيع" السعودية على الخطوة التي تشمل توجيهات للنظام السوري باعتماد لهجة معتدلة في تصريحاته عن المملكة، ل"تميهد الطريق" أمامها. إذ كان لافتاً أن وصف سفير النظام في لبنان السعودية "دولة شقيقة وعزيزة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها