الجمعة 2021/05/21

آخر تحديث: 12:21 (بيروت)

السيناتور بيرني ساندرز..الذي يقرأ فلسطين في كتاب الاخلاقيات

الجمعة 2021/05/21
السيناتور بيرني ساندرز..الذي يقرأ فلسطين في كتاب الاخلاقيات
© Getty
increase حجم الخط decrease
في كلمته الأربعاء، قرّع السيناتور بيرني ساندرز زميله الجمهوري ريك سكوت الذي كان تقدم بمشروع قرار على شكل رسالة حب لإسرائيل. وافقه ساندرز أن مقتل 12 إسرائيلياً أمر مأساوي، ثم تابع منفعلاً كعادته، مردداً عدد الضحايا الفلسطينيين، الأطفال منهم ضمناً. وسأل زميله الذي لم يرد في مشروع قراره حرف عن الضحايا في غزة: هل حياة الفلسطينيين غير مهمة؟
ليس أن السياسي الإشتراكي كان ينتظر جواباً من مشرّع لم يعد واضحاً إذا كان سياسياً جمهورياً، أو مشجعاً ترامبياً. مشروع القرار الذي عطل ساندرز طرحه للتداول في مجلس الشيوخ، يتميز بلغة خشبية يعجز عنها كبار كتبة البيانات في البلاد العربية. القرار يطالب الكونغرس بإدانة هجوم حماس على إسرائيل، والتعزية بضحايا حماس من الإسرائيليين، ودعم إسرائيل، ثم المزيد من دعم إسرائيل، والمزيد..
مع مثل هذه التركة الثقيلة لدونالد ترمب في الحزب الجمهوري، يتعامل بيرني ساندرز. وللرئيس السابق ملائكته الحاضرة لترجمة وصاياه التي يطلقها بصوت خافت جداً في منصة موقعه الإلكتروني، أو هي توافقه أصلاً في هذا الهيام اللامتناهي بإسرائيل.
في معرض تقريعه لزميله وما يمثل، خاض ساندرز في تفاصيل العدوان الإسرائيلي الحالي وآثاره الكارثية على الفلسطينيين، غير أنه عاد أيضاً إلى الوضع الاجتماعي للقطاع المحاصر، ولسياسات بينامين نتنياهو. لم يبرّر لحماس، غير أنه على الأقل نظر إلى المشهد القائم كما ينبغي ليساري مثله أن يفعل: دولة تقمع شعباً وتمنع عنه حقوقه الإنسانية وتفعل ما بوسعها لسحقه.
بيرني ساندرز ليس مشغولاً بالشؤون الدولية عادة. لكنه، منذ بداية العدوان، يبدو كمن تفرّغ للدفاع عن الفلسطينيين. خطابه هذا ليس جديداً بالطبع. "اليهودي الكاره لذاته" كما يصفه مبغضوه، لديه في الأصل مشكلته الأيديولوجية مع "يمينية" بنيامين نتنياهو. يمكن إضافة ارتكابات إدارة دونالد ترمب بالطبع. لكن خطاب ساندرز ليس موجهاً هذه المرة إلى نتنياهو وترمب وسكوت المذكور أعلاه. خطابه موجه إلى الإدارة الحالية، الديمقراطية، التي دعمت نتنياهو من البداية، وعطلت مشروع قرار وقف إطلاق النار أممي، وتعاملت بكل ليونة مع الآلة العسكرية المتمادية في همجيتها، مبررة بأنها تعمل بصمت، ووفق الأقنية الدبلوماسية المناسبة.
هل كانت موافقة جو بايدن على صفقة أسلحة مع إسرائيل بقيمة 735 مليون دولار، خلال الحرب الدائرة حالياً، جزءاً من هذه الدبلوماسية الغريبة من نوعها؟ إذا كان من رسالة واضحة تريد هذه الإدارة إيصالها إلى نتنياهو، والفلسطينيين، بأنها تقف على الحياد كأقل الإيمان، فكان عليها تعليق الصفقة مثلاً. لم تفعل، وفي المقابل، قرر بيرني ساندرز منعها بنفسه، عبر الكونغرس. مشروع القرار الذي تقدم به قد يصل إلى طرحه للتصويت وفي الغالب لن ينال الأصوات اللازمة للتصديق عليه. ساندرز، عبر طرحه تعطيل الصفقة، يسجل نقطة،  ويضع تياره التقدمي في الحزب الديمقراطي لأول مرة في مواجهة الرئيس، مذ أعلن خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة دعمه  بناءً على الاتفاق على عناوين اقتصادية اجتماعية يحملها المرشح الديمقراطي في حينها إلى البيت الأبيض. بيرني الآن ينتقد من يفترض أنه حليف في المكتب البيضاوي. حليف يمتاز بنوع نادر من البرودة والبطء والباطنية في السياسة. ليسا في حرب، والكفة غير متوازنة البتة، لكن بيرني ساندرز يقوم بواجبه.
لا يحيد ساندرز عن كتاب "الأخلاقيات" التي تحكم تاريخه السياسي في موقفه من الحرب الحالية والقضية الفلسطينية عموماً. هو، ومعه جون أوسوف، سيناتور ديمقراطي يهودي شاب، والرباعي رشيدة طليب وألكسانديرا أوكاسيو كورتيز وإلهان عمر وآيانا برسلي، تفرغوا مع اندلاع الحرب على خطين، الأول إعلامي، والثاني تشريعي، للشرح للرأي العام. من المستحيل رصد حجم التأثير على الأميركيين، ومع ذلك فإن هؤلاء يحاولون. والأهم، أن صوتهم مسموع في أروقة حزبهم نفسه، الذي لم يعد يستطيع إهمال الانزياح العام لقاعدته الشعبية نحو قضايا عالمية يمكن وصفها بالأخلاقية، منها البيئة، ومنها حقوق الأقليات، ومنها حقوق شعوب تقمعها دول. كما لم تعد قصص الأطفال التي تتلوها إسرائيل يومياً على مسامع الكوكب بأنها تدافع عن حقها في الوجود تنطلي على من يريد حقاً أن يعرف ما الذي يجري في فلسطين. وسيكون مستغرباً بعض الشيء اتهام بيرني ساندرز، اليهودي، بمعاداة السامية، أو بالتخطيط لرمي اليهود في البحر.
أميركا تتغير؟ هيامها الأبدي بإسرائيل يواجه أسئلة وجودية من نوع هل ما زلت أحبها كما من قبل؟ لا طبعاً. الإدارة الأميركية على حالها من الغرام ديمقراطية كانت أم جمهورية. لكن أميركا هذه المرة لا تستقبل الحرب الإسرائيلية بالهتاف وقرع الطبول. والحمد لله كثيراً أن دونالد ترمب ليس في البيت الأبيض، وما زال ممنوعاً من تويتر.
لم تتغير أميركا بعد. لكن، في أميركا الأخرى، الأصغر بما لا يقاس، هناك في الكونغرس من يهاجم إسرائيل من دون خوف، وفي شوارع مدنها الرئيسية هناك من يرفع الراية ويصرخ "فلسطين حرّة" وهو لا يجيد كلمة عربية واحدة، لكنه يجيد تبني قضية محقة. الكوب في القول المأثور ليس فارغاً تماماً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها