الثلاثاء 2021/05/18

آخر تحديث: 12:17 (بيروت)

في سياق الحرب الفلسطينية الصهيونية

الثلاثاء 2021/05/18
في سياق الحرب الفلسطينية الصهيونية
© Getty
increase حجم الخط decrease
تُلازم التاريخ الفلسطيني حروب شعبه، دفاعاً عن وجوده كشعب، وذوداً عن تثبيت هذا الوجود، في هويةٍ ونَسَبٍ وأرض. وتتوالى المعارك المتنقلة، تاريخياً وجغرافياً، لكنها تظلّ محتفظةً باسمها الأول: حرب الوجود. 
ما تعرضت له فلسطين، بدءاً من معركة حيّ الشيخ جرّاح في القدس، أعاد تحديد الخصمين التاريخيين، الفلسطيني المعتدى عليه، والصهيوني المعتدي، بالسلب والنهب والقتل واغتصاب الأرض. هذه العودة، التي تكرَّرت خلال حقبات تاريخية، بَهُت فيها الحضور العربي الذي نزع عن الصراع صفته الفلسطينية، على صعيد الرؤية التاريخية، وعلى مدى النظرة القومية الوحدوية التحرّرية، لكن الضرر أصاب الفلسطيني بشدّة، سياسياً، فكان من نتيجة اضطهاده من أهل البيت، تراجع البند الصهيوني في الصراع، ليصير بنداً إسرائيلياً، وكان من أعراض التخلّي العربي، تحوّل القضية الفلسطينية إلى قضيّة تخصُّ أهلها، وتقتصر على طرفي النزاع فيها، فباتت الأدبيات القومية، والسياسات "القطرية"، تتداول عمُلَة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وانتقل بعض من إخوة العروبة المؤازرين بالأمس، إلى وسطاء بين "جارين" تستعر بينهما نيران العداوة والخصومة والاختلاف... هذا الانتقال العربي، سياسةً وشعارات وممارسات، تشهد الحلبة الفلسطينية بعضاً من تجلّياته اليوم، بينما تتحرك آلة القتل الصهيونية بكثافة، وبينما يتصدّى شعب فلسطين بصبرٍ وثبات وبسالة.
الصهيونية الكامنة
لقد كشفت المعركة ضد الفلسطينيين حقيقة الصهيونية الكامنة، فهذه الأخيرة، معرّفة ببعديها الاقتلاعي والاستيطاني، بدّلت جلدها، ولم تبدل لسّعها، وهي، أي الصهيونية التي بُنيت على نفي الفلسطيني من التاريخ، ثم من الأرض، ما زالت تقاتل ضد الفلسطيني الحاضر، الذي يشكل نفْيَ النفي الإسرائيلي، ونفي القراءة التوراتية التي تغلّف الادعاء السياسي الصهيوني في أرض فلسطين. إذن، ليست القضية قضية أمن وماء فقط، كما يدّعي الجانب الصهيوني، بل هي مسألة كينونة شعب يقاتل من أجل أن يظل كائناً في استمرارية تاريخه، وثابتاً تحت عين شمسه، وحرّاً في إعلان إسمه وتاريخه، وعنيداً في التمسك بتراثه، وفي التشبث بحقه في بناء حاضره ومستقبله. ما يريده الفلسطيني، لا يريده الإسرائيلي المستمرّ صهيونياً، وما يتنازل عنه الفلسطيني قسْراً، لا يكفي المتغطرس الصهيوني، بل يُكمل في سياساته القهرية، التي لا مآل لها سوى تأكيد "الكذبة الصهيونية الأولى"، التي قال أصحابها، إن فلسطين أرض بلا شعب... إسقاط الكذبة، هو ما فعله الفلسطيني منذ مواسم تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين، وهو ما يفعله اليوم، وما سيفعله غداً، في مواجهة من ساهم صناعة الكذبة، ومن ساندها وآزرها، لا يرى في الفلسطيني حقيقة عينيه أصيلة، ثابتة وسابقة على كل أوهام العيّنيات الدخيلة.
استقامة المعركة
تاريخية القضية الفلسطينية، تقتضي استمرار استقامة تعريفها، مثلما تتطلب استقامة البحث في شروط المواجهة الناجحة من أجلها. عودة سريعة إلى الوراء السياسي، تظهر الشعارية التي التصقت بالعنوان الفلسطيني، وتصوّب على الاستخدام التوظيفي لهذا العنوان، من قبل الأنظمة العربية الانقلابية، التي كانت صادقة في بدايتها، ثم كذبت بعد عجزها عن التصدي لمهمّات ادعاءاتها، في الحرية والتحرير والوحدة... هذا ناهيك عن الاشتراكية. خلاصة العودة، ليست تنكّراً لسياسات طلب الدعم والاحتضان العربي، وليست خروجاً على البعد العربي من قبل الفلسطيني، بل هو تصحيح لنظرية قالت بمركزية القضية الفلسطينية، التي جرى بموجبها إبعاد الفلسطينيين عن مركز قضيتهم، ثم طوردوا في أقطار عديدة، باسم المركزية، وباسم تحرير فلسطين. هذا الوجه، لم يكن كافياً الردّ عليه بمقولة الاستقلالية الفلسطينية التامة، بل إن هذه كانت ويجب أن تبقى، حاضنة استقبال للدعم العربي المطلوب، وشاهدةً على التخلي العربي المقصود وغير المقصود، وناطقة بصواب الكلام التحريري والتحرري بعدما أصاب الإعوجاج الألسنة العربية، فصمتت دهراً، وعادت لتنطق عُجْمَة، اليوم، وفي جولات القتال الصهيوني الفلسطيني السابقة.
ما ورد يكشف بعضاً مما هو مطلوب في امتداد الاشتباك الدامي الحالي. مهمّ على هذا الصعيد، تشكيل عائق فلسطيني وازن في مواجهة "البيع والشراء" العربي، في سوق الكفاحية الفلسطينية، ومهمّ أيضاً كفّ يد "السرقة" الإقليمية التي تعلن طول أصابعها في الداخل الفلسطيني. لقد بات معروفاً، أن محيط فلسطين يقيس سياساته على قياس مصالحه أولاً، واستتباعاً يصيب رذاذ المصلحة زرع فلسطين. ولقد بات معلوماً أيضاً، أن الدول المتدخلة من بعد في فلسطين، تتصرف حيال الشعب والأرض، باعتباره ميداناً لعملياتها، ومنبراً لإعلان مطالبها ونيّاتها. والحال، تتضافر ضد المصلحة الفلسطينية حزمة مصالح خارجية، تتولّى إدارة "مؤازرتها" مع الصهيوني، الذي لا يخرج واضح الانتصار من معركته، في الظاهر، لكنه لا يخرج من دون مكاسب راجحة على خصمه الفلسطيني، في نهاية المطاف.
استقامة الذات
لن يقيّض للمعركة الفلسطينية الحالية النجاح، من دون عامل الوحدة السياسية أولاً، وحدة المطالب، ووحدة مرجعية إدارتها. إن التشتت السلطوي، بين سلطة في غزّة، ولا سلطة في الضفّة، يقدّم الشعب الفلسطيني كفدرالية جغرافية، ويناديه باسم إقامته، وليس باسم برنامجه. هذه الحقيقة لها مقدمات، بدأت سابقاً، وتفاقمت لاحقاً، ولم تستطع الإرادة الشعبية أن تعدّل من واقع الحال السياسي هذا، على الرغم من أنه نقل واقع الشعب الفلسطيني من اهتراء إلى إهتراء.
لا يصحّ، في مقام اللحظة السياسية الحالية، أن تكون طهران أقرب من الضفّة، ولا يصحّ أن تكون القاهرة أقرب من غزّة، ومما لا يجب أن يكون، مخاطبة الخارج من فوق الإرادة الشعبية، ومما يشكّل خطيئة تاريخية، ولنقل عدواناً تاريخياً على القضية الفلسطينية عموماً، هو القبول بتوظيف الملفّ الفلسطيني من قبل الخارج، باسم العروبة المقصيّة، أو باسم الإسلامية المنفيّة، أو باسم الإسلام المفترى عليه. في فلسطين تاريخ واحد، هو التاريخ الفلسطيني، ولفلسطين مدى طبيعي واحد، هو المدى العربي، وللشعب الفلسطيني عدوٌّ واحد ذو وجوه متعددة، أصحاب هذه الوجوه هم، سارق الأرض الصهيوني، وسارق القرار العربي، والتاجر السياسي الفلسطيني الداخلي، والطامح إلى إلقاء القبض على "كنز" توظيف القضية... لكل من أولئك اسم يعرفه الفلسطينيون جيداً، فلتكن المعرفة خطوة أولى على طريق التحصن ضد أصحاب الوجوه الصفراء، وأصحاب الأيادي السوداء، والحذر من كل الأصوات التي تدّعي حب فلسطين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها