الأربعاء 2021/05/12

آخر تحديث: 20:50 (بيروت)

من قاموس النضال الفلسطيني

الأربعاء 2021/05/12
من قاموس النضال الفلسطيني
© Getty
increase حجم الخط decrease
يصعب الحديث الهادئ، عندما يكون الحدث صاخباً وملتهباً، ويتداخل النقاش ويشتبك ويتشابك، كلما تعلَّق الأمر بالقضية الفلسطينية، وبأساليب العمل، السياسية والقتالية، التي تملأ يوميات شعب فلسطين.
في حضرة الراهن الفلسطيني اليوم، وفي مواكبة اليوميات المقدسية، التي استدعت يوميات غزّاوية، لا بديل من نقاش على البارد، تمليه ضرورة عدم حرق اليدين بنار التقديرات الخاطئة، في الوقت الذي تحرق نار العدو الإسرائيلي، في السياسة وفي الميدان، جسد الفلسطيني، وعشب أرضه، واحتمال تفتّح ورد آماله الوطنية.
لقد هبّ الشعب الفلسطيني دفاعاً عن حقّه في القدس، وانتصاراً لكرامته التاريخية التي يجسدها المسجد الأقصى، مما آذن، وقد يؤذن بافتتاح انتفاضةٍ ثالثة، تهدم الجدران السميكة التي تحاصر الوضع الفلسطيني، وكما في كل مرّة، نزل الحشد الشعبي بصدوره العارية، فتلقفه العدو المحتل بنيران أسلحته، وباعتداءات مستوطنية، وكان للفعل المعادي أن يستعجل ردود فعل من أبناء الحق الأصلي، في الأرض وفي التاريخ، فكان لكل فعل احتلالي "ضده من جنسه"، وكان للأسلحة المستخدمة ضد أبناء القدس، أسلحة مواجهة من أبناء غزّة، فصار القصف بالقصف، والبادئ الصهيوني، هو دائماً، الأظلم.
في سياق الاشتباك القتالي، وعلى جادة الهدوء التفكّري السياسي، اندلع سجال بين أهل فلسطين، تناول مسألة الأساليب الشعبية المناسبة، وما هو المجدي منها سياسياً، وما هو الأقل ضرراً من بينها، على مجموع العناوين الفلسطينية. استأثر بالنقاش موضوع استخدام السلاح الصاروخي، ومدى تأثيره على صورة النهضة الشعبية الحالية، ومن السلاح، وكما هي العادة الفلسطينية، إلى استحضار سيرة الأداء الفلسطيني في طرقاته الهادئة، وفي شعاب تعقيداته العنفية.
الكفاح المسلح
عنوان الكفاح المسلح هو الأقرب إلى وجدان الفلسطيني، ويلامس دائماً مخزون الغضب لدى الشعوب العربية. لكن طرح العنوان في كل أوان، لا يوفِّر له الشحنة السياسية اللازمة التي تجعله خياراً في كل آن، وهذا على الضد من الدفق العاطفي الذي يوفِّره هذا العنوان. واقع الحال، أن رفع شعار الكفاح المسلح في صيغة تعويذة نضالية، أو في صيغة مقدّس شعبي، بات عاجزاً عن مدّ الشعار بعناصره التبريرية الصافية. يلاحظ في مجال الكفاحية القتالية هذه، أن من يدعو إليها يطرحها معزولة عن تاريخها، ويروّج لها على طريقة من كان تائهاً فوجد ضالته، هذه المقاربة أقرب إلى الإنكار التاريخي، وهذا يحتِّم على دعاة الرد على السلاح بالسلاح، الانتباه إلى أنه، وفي الأصل، كان القتال الشعبي الطويل الأمد، هو الأسلوب الذي اعتمده المناضلون الفلسطينيون الأوائل، وعلى نتائج سيرته التي كتبها خاصة أبناء حركة فتح، بُنيت سيرة فلسطينية سياسية أخرى، نشهد بعض تجلياتها في الشارع الفلسطيني اليوم. ومما يجدر الانتباه إليه، هو أن الحصيلة الأهم التي حملتها سنوات التضحية القتالية، كانت نقل المعركة الفلسطينية ضد احتلال من الشتات إلى الداخل الفلسطيني. هذا الانجاز المهم، وضع حداً لمقولة "الثورة خارج أرضها"، لتصير "كياناً" داخل أرضها... في امتداد ذلك، كان من الطبيعي أن ينضح الوعاء الفلسطيني الجديد، بما صار جديداً فيه، وعليه، بات لزاماً على أبناء الكفاح الفلسطيني أن يناقشوا مجدداً في أساليب كفاحهم، وفي مفردات قاموس هذا الكفاح.
حالياً، وفي مواجهة من يستنكر اللجوء إلى العمل العنفي، كردّ على العنف الإسرائيلي، يجب التذكير بأن الخيار الحواري السلمي، قد وقف هو الآخر أمام مأزقه السياسي، وأسئلة ماذا بعد اتفاق أوسلو، وماذا عن السلطة الوطنية، وماذا عن خياراتها... تشكل كلها أسئلة مشروعة، وعليه، فإنه إذا كان صحيحاً القول، إن ممكنات ووعود الكفاح المسلح قد باتت قيد الوقائع، وقيودها معلومة، وظروفها معروفة... فإن الصحيح أيضاً القول، إن الخيار السلمي لجزء من القوى الفلسطينية يخضع لمنطق ذات الأسئلة.
خيار المفاوضات
كما سبق ذكره، توقف قطار المفاوضات عند محطة السلطة الحالية، أما المحطات التي ما زالت تتوالى، فهي تلك التي ملأها المحتل الإسرائيلي بسياسات الانقلاب على الجوهري منها، واللجوء إلى كل الممارسات الميدانية التي تطيح بهذا الجوهر. لقد اختار الفلسطينيون التفاوض في ظروف حصار قاسٍ تعرّضوا له، بعد خروج منظمة التحرير وقواتها من لبنان، وكما هو معلوم، فإن مسعى النيابة عن الشعب الفلسطيني، لجأ إليه أكثر من نظام عربي، لكن المساعي فشلت عندما انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فأعادت التحكّم بمفاصل إدارة القضية، إلى أيدي القيادة الفلسطينية التي تولّت بدورها دعم الداخل، ورعاية نهوضه النضالي. وكي لا يذهب الأمر إلى النسيان، نذكّر أن القائد ياسر عرفات، قد حاول المزاوجة بين العنف والسلم، في الانتفاضة الثانية. فكان الأسلوب وبالاً عليه، ثم فاقمت حركة حماس، الوافدة إلى النضال حديثاً، استدراك ما فاتها، بعمليات انتحارية استفادت هي منها، كفئة، وخسر في مقابل الفائدة الفئوية تلك، المسار الذي كان قد راكم جملة من الحقائق السياسية.
إذن، وكما هي الحال مع دعاة الكفاح المسلح، ليس من الصائب تسفيه الخيار التفاوضي السياسي، أو شتمه، أو إنكار مكتسباته، مثلما ليس من الصائب، تكريس التفاوض أسلوباً ناجعاً وحيداً، للتصدي لعناوين المسألة الفلسطينية.
سلّة الأساليب النضالية
إذا كان الواقع الشعبي الفلسطيني لا يُدار وفق طريقة سياسية واحدة، فإن الواقع ذاته لا يقارب بوصفة نضالية ناجزة، ولا بنظرة نظرية إسقاطية متكاملة المواصفات. الأقرب إلى "منطق" السياسة، وإلى "مفهوم" الممارسة، هو اعتماد برنامج كفاحي محدّد، يجمع تحت بنوده السياسية، ما هو مناسب وملائم من أساليب عملية. جوهر البرنامج، وبنده الدائم، كيف يُحفظ المطلب الفلسطيني في الحرية والسيادة والاستقلال، وكيف يضع العالم حدّاً لإنكار الوجود الفلسطيني، وكيف يُعطى العالم ذاته عينان إثنتان ليرى العسف الاستيطاني الذي تمثله إسرائيل. الهدف السياسي التاريخي هذا، يلازمه العمل من أجله. يتقدم الشعار البرنامجي، ويرافقه العمل البرنامجي، ولأن السياسة كائن حيّ فإن التطور يجعلها متطورة مع وقائعها الجديدة، وعليه، فإن السياسة ليست أحادية، والشعار ليس طوطماً، والعمل متعدد الأساليب.
وبالنظر إلى الواقع الفلسطيني الملموس، لا بديل من القول إن الجمع بين الأسلوب الهادئ والأسلوب العنيف، تمليه مصلحة الهدف الوطني الفلسطيني الأسمى. وفي هذا المجال، قد يكون سليماً القول، إن النضال السلمي هو الخيار الفلسطيني الشامل، وما قد يطرأ من ممارسة فلسطينية عنيفة، لن يكون خياراً آخر، بل سيظل ممارسة موضعية تمليها بعض الضرورات التي تبيح المحظورات. من الجدير بالذكر، أن العنف لا يعني دائماً إطلاق الصواريخ، بل ربما كان طعناً، أو دهساً، أو تخريباً ما، وهذا عرفته الشوارع الفلسطينية، ومع الشوارع عرف الفلسطينيون شعار قائدهم ياسر عرفات الذي حمل البندقية وغصن الزيتون، وكانت المعادلة الدقيقة التي أبقت الفلسطيني في موقع الدفاع، رغم بعض أعماله الهجومية، فكان ذلك واحداً من الأسباب التي ساهمت في فضح أكاذيب "جيش الدفاع الإسرائيلي" الذي نشأ من الهجوم على شعب فلسطين، وعلى الشعوب العربية، وما زال حتى تاريخه مسترسلاً في أعماله الهجومية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها