الجمعة 2021/04/23

آخر تحديث: 19:43 (بيروت)

الشيوعي السوري يدعم ترشيح الأسد..مزرعة بكداش في خدمة النظام!

الجمعة 2021/04/23
الشيوعي السوري يدعم ترشيح الأسد..مزرعة بكداش في خدمة النظام!
increase حجم الخط decrease
مقابل إعلان أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية التي ستنظم في السادس والعشرين من أيار/مايو 2021، وعلى الرغم من اليقين العام أن هذا الترشح تمّ بتوجيه أمني، وبينما لم يصدر موقف علني من بقية أحزاب الجبهة التي يقودها حزب البعث الحاكم التي اكتفت بالصمت، فإن الحزب الشيوعي السوري، أعلن في بيان دعمه رئيس النظام بشار الأسد في هذه الانتخابات.
ليس في هذا الموقف ما يمكن مناقشته، بل من الواضح مستوى المزاودة في تأييد النظام التي يظهرها البيان بمواجهة بقية أحزاب الجبهة، موقف ليس جديداً أيضاً، فمنذ أن وقع الحزب على وثيقة التحالف مع "بعث-حافظ الأسد" عام 1971، تنازل للنظام عن كل ما يمكن لأي حزب سياسي أن يملكه، ليس الاستقلالية والسعي لتطبيق أفكاره والمنافسة على قيادة الدولة والمجتمع فحسب، بل وحتى التنازل عن تاريخ الحزب ومستقبله، الذي لم يأتِ عام 1995 حتى كان قد انتهى عملياً، بعد مقاومة يائسة ومحاولات عديدة بذلها قادة وأعضاء فيه على شكل انشقاقات من أجل إحياء هذا الحزب والحفاظ عليه.
عندما استولى حافظ الأسد على السلطة عام 1970، ودعا الأحزاب التي تريد أن تحافظ على وجودها في سوريا للعمل تحت سلطته، توقع الكثيرون أن يكون خالد بكداش، أول نائب شيوعي يصل إلى برلمان عربي بانتخابات حرة على الإطلاق عام 1956، والأمين العام للحزب الشيوعي، أحد اعرق الأحزاب في تاريخ سوريا الحديث، أن يكون أول الرافضين، لكن المفاجاة كانت أنه أول من قبل وأكثر من استسلم للأسد.
لكن ما كان يُتداول من قبل خصوم بكداش السياسيين حول تخليه مبكراً عن الفكر الشيوعي واستغلاله الحزب وشعاراته من أجل تحقيق مكاسب سياسية وبناء ثروة مالية، والذي اعتبر حتى آواخر ستينيات القرن الماضي مجرد مناكفات وحرب دعائية، بدأ يظهر بشكل أوضح منذ بداية السبعينيات، سواء من خلال تحالفاته السياسية أو التجارية، ناهيك عن تكريس نفسه وعائلته كقادة مطلقين للحزب.
شهد عام 1969 تفجر أول صراع داخل الحزب الشيوعي "بسبب تسلط الأمين العام خالد بكداش وقيادته الفردية" كما تقول وثائق حزب العمل الشيوعي، وجرى انتخاب لجنة مركزية جديدة عملت على إنجاز مشروع سياسي جديد يؤكد على استقلالية القرار الحزبي عن موسكو، ورغم أن قيادة اللجنة المركزية والمكتب السياسي وقفت ضده، إلا أن الاتحاد السوفيتي دعم بكداش، ما أفشل محاولة اقصائه.
وفي نيسان/أبريل 1973، انشقت مجموعة من كوادر الحزب وقادته، على رأسهم رياض الترك، ليؤسسوا ما عرف لاحقاً بالمكتب السياسي، رافضين تحالف بكداش مع نظام الأسد وتماهيه المطلق مع الاتحاد السوفيتي، ليكون ذلك باكورة سلسلة من الانشقاقات والانقسامات التي لن تتوقف لاحقاً.
شهد عقد الثمانينات انشقاقين آخرين عن جناح بكداش، حيث خرج مراد يوسف عام 1982 عن عباءة الأمين العام ليؤسس مجموعة حزبية من الشيوعين عرفت باسمه، قبل أن يتبعه انشقاق جديد قاده يوسف الفيصل عام 1989، وكلا الانشقاقين استند على رفض هيمنة خالد بكداش وزوجته على الحزب من جهة، واتهامات له بالتحالف مع الطبقة البرجوازية من جهة أخرى، وخاصة بعد انفضاح المشاريع التجارية الضخمة التي كان شريكاً فيها مع والد قدري جميل، هذا الأخير الذي سصبح قيادياً في الحزب منذ بداية التسعينيات بعد أن تزوج ابنة خالد بكداش.
وعلى عكس انشقاق رياض الترك، وكذلك تأسيس مجموعة حزب العمل الشيوعي الثوري عام 1978، الحركتان اللتان جاءتا "رفضاً للجمود الفكري والتحالف مع حزب البعث"، فإن هذين الانشقاقيين لم يتطرقا بالنقد إلى علاقة الحزب بروسيا والنظام، بل حظي جناح يوسف الفيصل برضى السلطة التي ضمته للجبهة الوطنية التقدمية ومنحته امتيازات أحزابها الأخرى، بينما كان قادة وكوادر المكتب السياسي وحزب العمل يمضون سنوات طويلة في المعتقلات.
توفي خالد بكداش عام 1995، وانتخب الحزب زوجته وصال فرحة أميناً عاماً له، في حدث اعتُبر بمثابة دق آخر مسمار في نعش "الشيوعي السوري" الذي رفض طيلة الوقت إجراء أي مراجعات فكرية وسياسية تتناسب والتحولات التاريخية الكبرى التي شهدها العالم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ليخرج الكثير من أعضائه بعد أن فقدوا آخر أمل لهم بالشيوعية وبالحزب، الذي سيشهد ما تبقى منه، وقد غدا مجرد اسم ومكتب وصحيفة، انشقاقاً جديداً عام 2003، لكن هذه المرة بقيادة زوج ابنة خالد بكداش قدري جميل، الذي أسس مجموعته الخاصة بعد انفصاله عن زوجته.
يتفق الكثيرون على أن انشقاق جميل جاء بعد إدراكه أنه لن يتمكن من تحقيق طموحه بالوصول إلى منصب الأمين العام للحزب، الذي كانت فرحة تمهد الطريق لانتقاله إلى ابنها عمار بكداش، وهو ما حصل بالفعل عام 2010 عندما تنازلت، قبل عامين من وفاتها، عن هذا المنصب لصالح نجلها، الذي كان يواجه اتهامات واسعة منذ دخوله المكتب السياسي مطلع التسعينيات بالسيطرة على الحزب، والاستحواذ على أمواله، بل والوشاية بالكثير من كوادره الذين كانوا يطرحون أفكاراً مناهضة لبعض سياسات النظام داخل الاجتماعات الحزبية وفي نقاشاتهم الخاصة.
أربعة مناصب قيادية في الحزب كان قد تسلمها بكداش الابن قبل أن يصبح رئيسه المطلق، بينما حظي بأول منصب سياسي عام عندما اختير لعضوية مجلس الشعب عام 2007، وهو المقعد الذي ما زال يشغله حتى الآن.
ثلاثة عقود كانت كفيلة بالإجهاز على ما تبقى من فكر الحزب وشعاراته لصالح التماهي التام مع السلطة وخدمتها، وعليه لم يكن مفاجئاً موقفه من الثورة التي اتهمها منذ اللحظة الأولى، مثل النظام، بأنها تمثل مؤامرة امبريالية تنفذها أدوات سلفية متطرفة، ضارباً عرض الحائط بكل الشروط الموضوعية والتاريخية التي كانت تشير بوضوح، حسب أدبيات الشيوعية وفكر الحزب، إلى أن تفجر مثل هذه الثورة الشعبية أمر حتمي بسبب سياسات النظام وطبيعة حكمه.
يعتبر الكثيرون أن الحزب الشيوعي السوري بقيادة عائلة بكداش، يمثل صورة مصغرة عن النظام، من حيث تحوله إلى مزرعة عائلية تتوارث حكمها وتسيطر على مقدراتها وتتاجر بشعارات حزبية وسياسية لتكريس سلطتها في هذه المزرعة، وبينما هيمن آل الأسد على سوريا بأكملها، اكتفى آل بكداش بالهيمنة على حزب وصل إلى حالة من البؤس حيث بات كل ما يبحث عنه اليوم هو بيان يزايد فيه بحب النظام على الآخرين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها