السبت 2021/03/27

آخر تحديث: 15:00 (بيروت)

عضو الكنيست منصور عباس..الاسلامي الذي شق صفوف عرب48

السبت 2021/03/27
عضو الكنيست منصور عباس..الاسلامي الذي شق صفوف عرب48
© Getty
increase حجم الخط decrease
ما أن ظهرت نتيجة انتخابات الكنيست الرابعة خلال أقل من سنتين، حتى تصدّر اسم منصور عباس رئيس القائمة "العربية الموحدة"، ألسنة الساسة والإعلام في إسرائيل، باعتبار أنه "بيضة القبان" الحاسمة لمآلات المعركة السياسية إما ببقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الحكم أم لا.

فمن هو منصور عباس الذي يقود نهجاً عربياً "جديداً" في التعاطي مع المشهد السياسي الاسرائيلي، لدرجة إثارة جدل في صفوف فلسطينيي 48 وصل حد الاستقطاب الأخطر؟

كان لقرية المغار بالجليل شمال فلسطين المحتلة التي ولد بها منصور عباس قبل 46 عاماً، دور لافت في صياغة فكره "الإسلامي السياسي". فالنشوء في القرية الجليلية الصغيرة كبلدة "مختلطة"، فيها السُّني والدُّرزي والمسيحي، شكّل إرهاصات "وسطيته الدينية وانفتاحه على الجميع"، حسب المنظّرين له. وسعى منصور عباس إلى إثبات ذلك عبر إصراره على وجود إمرأة هي إيمان الخطيب في قائمة الحركة الاسلامية الانتخابية، كما حاول ترشيح مسيحي.

بدأ عباس فتىً متديناً نسبياً تأثر بمؤسس الحركة الشيخ نمر درويش، فكان إماماً بالمصلين في مساجد بلدته. وما أن دخل الجامعة العبرية في القدس المحتلة لدراسة طب الأسنان في التسعينيات حتى انغمس بالنشاط السياسي، ونجح في اختراق السيطرة التقليدية لأحزاب "التجمع" و"أبناء البلد" و"الجبهة" على اللجنة الطلابية العربية بالجامعة، إذ انتُخب مرتين لرئاسة اللجنة.

ويقول سياسيون راقبوا حقبة نشاط عباس الطلابي ل"المدن": "عمل الطالب منصور عباس حينها تركيبة كما لو أنها (خلطة عطّار) فصاغ تياراً طلابياً ندياً للأحزاب العلمانية العربية ونجح في تحقيق إنجاز أمامها". وهنا يستذكر هؤلاء أن "إنجاز عباس في انتخابات الكنيست 2021 يعيد إلى الذاكرة ما فعله عندما كان ناشطاً طلابياً في الجامعة العبرية".

مع العلم أن الحركة الاسلامية-الجناح الجنوبي التي يترأسها حمّاد ابو دعابس، وينتمي إليها عباس، مختلفة عن الحركة الاسلامية-الجناح الشمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح. فالأولى تشارك بانتخابات الكنيست، أما الثانية فقد انشقت عنها عام 1996 بسبب خلافات على النهج، ورفضها المشاركة بالانتخابات الإسرائيلية، وهي محظورة بقرار إسرائيلي.

وبعد تخرجه من الجامعة العبرية، تدرّج منصور عباس صعوداً على سلّم الحركة الاسلامية حتى أصبح رئيساً للإدارة العامة في الحركة عام 2007.

خاض عبّاس أيضا معركة "ناعمة" لكسر سيطرة مناطقية لبلدات "المثلث" على رئاسة الحركة الإسلامية، إذ أن مؤسسها ورئيسها الاول الشيخ الراحل نمر عبد الله درويش ينحدر من كفر قاسم، وتلاه ابراهيم صرصور من المدينة نفسها. وكان وجه الحركة البارز في الكنيست توفيق الخطيب من جلجولية. كما كان مقرّ الحركة الإسلامية في كفر قاسم.

مع العلم، أن مواقع الحركة الاسلامية مقسمة لثلاث مناطق (ألوية)؛ هي لواء الجليل، لواء المركز، ولواء النقب.

نجح عباس في إنهاء احتكار بلدات المُثلث لرئاسة الحركة الاسلامية عبر "لُعبة مدروسة" شبيهة ب"الانقلاب الناعم"، كما يسردها مصدر من الحركة ل"المدن". فبينما كان عباس الرجل القوي في لواء الجليل في الحركة الاسلامية ونافس لواء المركز، فضّل عدم منافسة "المثلث" علناً. فذهب إلى إقناع حماد أبو دعابس المنحدر من منطقة النقب بالترشح لرئاسة الحركة الاسلامية-الجناح الجنوبي، قائلاً له: "سأدعمك لكسر سطوة المثلّث". وبالفعل تولى أبو دعابس رئاسة الحركة خلفاً لصرصور من خلال انتخاب مجلس الشورى عام 2010، ومنصور عباس نائباً له. وبذلك، حقق مراده بأن أصبحت الحركة الاسلامية تُدار من الجليل لا المثلث.

وفي عام 2019 برز منصور عباس في الكنيست حيث تولى رئاسة "العربية الموحدة" ضمن القائمة "المشتركة"، ونشبت خلافات مع أحزاب "المشتركة" المكونة من "التجمع الوطني" و"الحركة العربية للتغيير" و"الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" كادت أن تهدد القائمة بالتفكك أكثر من مرة، حتى حدث انشطار "المشتركة". وخاضت الحركة الاسلامية الانتخابات باسم "العربية الموحدة"، على وقع استقطاب خطير بين خطابين (التكفير في مواجهة التخوين).

واتهمت "المشتركة" منصور عباس بأنه تسبب بتفكيك القائمة ضمن صفقة أبرمها مع نتنياهو.. لكنَ منصور عباس ينفي ذلك، قائلاً إن "الانشطار هو نتاج تراكمات نابعة من عدم استجابة أحزاب المشتركة لمطالبه مقابل الاستمرارية". ويدّعي أنه يمتلك مقاربة مُغايرة مستخلصة من أن "طريقة اللعب السياسي التقليدية منذ سنين لم تجلب شيئا لفلسطينيي 48".

في شباط/فبراير 2021، أدلى منصور عباس بتصريح جدلي وصف فيه الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ب"المُخربين". وهو الأمر الذي نفاه عباس نفسه وكذلك مقربون منه، مشددين على أنه "أخطأ التعبير".

بدوره، أقرّ قيادي في "الجبهة" في حديثه ل"المدن"، أن منصور عباس "ذكي"، استغل فراغاً تركته الجبهة رغم أن الاخيرة هي من وضع أسس البراغماتية الوسطية منذ سنوات طويلة. إلا أن انقسام الرأي داخل الجبهة واصطدامها بمواقف متصلبة من مركّبات "المشتركة" الأخرى حال دون المضي بهذا النهج.

وتصف أقلام إسرائيلية منصور عباس الذي يقف في المنتصف الآن بين معسكر نتنياهو والمعسكر المناهض له، ب"الملك"؛ لأنه وحده من سيقرر السيناريو الإسرائيلي المقبل. وهذا، بمنظور مراقبين، يمثل نهجاً جديداّ بقيادة عباس.

وأفادت مصادر سياسية ل"المدن" أن منصور عباس كان قد تعهد بالاستقالة من منصبه في حال لم يحصل على نسبة الحسم في انتخابات الكنيست 2021؛ لأنه حينها سيكون قد فهم أن "النهج الذي يطرحه قد فشل".

ويقوم نهج عباس على منطلق مفاده: "وضع مطالب فلسطينيي 48 الحياتية والحقوقية على الطاولة في مفاوضاته مع أي معسكر اسرائيلي. ومن يُلبيها يمكن لقائمته أن تدعمه لتشكيل حكومة إسرائيل القادمة".

الواقع، ثمة إجماع على أن انشطار "المشتركة" أمر طبيعي؛ لأن الخلاف كان دائماً موجوداً وأن الوحدة كانت شكلية، بفعل وجود خطابين متضادين في المجتمع الفلسطيني في أراضي 48 منذ سنوات طويلة؛ الأول هو الوطني والثاني الإسلامي.

وتفيد مصادر "المدن" أنّه بالإضافة إلى "نهج الحركة البراغماتي" في تعاطيها مع الأحزاب الصهيونية، فإن اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها إسرائيل مع دول عربية في الأشهر الاخيرة، كان لها تأثير واضح باتجاه المتغير الحاصل. فقد عزز التعاطي الاسرائيلي مع "الموحدة"، مطالبة دول خليجية من نتنياهو بالكف عن استخدام لغة التحريض ضد العرب في الصراع الانتخابي بين اليمين واليمين المتطرف. وهو ما نتج عنه "شرعنة" لأول مرة من قبل اليمين الإسرائيلي لدور حزب عربي إسلامي يستطيع أن يكون "بيضة قبان"، وهذه حالة جديدة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها