الأحد 2021/03/21

آخر تحديث: 16:25 (بيروت)

سوريّو الداخل أمام مقصلة الانتخابات الرئاسية

الأحد 2021/03/21
سوريّو الداخل أمام مقصلة الانتخابات الرئاسية
© Getty
increase حجم الخط decrease
بانتظار الاستحقاق الرئاسي السوري القادم، يبدو أن رأس النظام السوري ليس في حاجة لأيّ انتخابات، من أجل شرعنة بقائه في السلطة، لأنه يعلم جيداً بأنّ تلك المسرحية الممجوجة لن تغيّر من واقع الحال شيئاً، ومقاطعتها هي في الأساس جزء من الجانب الذي عمل عليه، مع أبيه، خلال خمسة عقود، وهو إقصاء المجتمع عن الحياةِ السياسية، وبالتأكيد لن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة، نقطة انعطاف حقيقي باتجاه طريق الصواب، وطيّ صفحة العشر العجاف، في وقت لم تفرز المعارضة فيه قيادة بديلة تتمتّع بالشفافية والجديّة، أمام المجتمع الدولي، بل بقيت رهينةَ أجندات دول تدعمها أو تحرّكها.
بشار الأسد ورث حكمَ سوريا من خلال تعديل دستوري حصل في أقلّ من ساعة، حيث أكمل القاصر سنّ الرئيس دستورياً، إثر وفاة حافظ الأسد وإحالة الكرسي لنائب الرئيس، حدث هذا في أول استفتاء رئاسي سوري تمّ في 10 تموز/يوليو عام 2000، وشهد إقبالاً جماهيرياً منقطع النظير، وشارك فيه 94.6 في المئة من الشعب السوري، ليفوز الأسد الابن بمنصب الرئاسة وبنسبة تصويت بلغت آنذاك 99.7 في المئة، وتكرّر السيناريو نفسه بعد سبع سنوات، ليُجرى الاستفتاء الرئاسي الثاني في 27 أيار/مايو من عام 2007، وهو سابع انتخابات رئاسية بعد استلام البعث للسلطة في البلاد، وثاني انتخاباتٍ تسفر عن فوز بشار الأسد بالرئاسة بنسبة تصويت بلغت 97.6 في المئة، وقد شارك فيها، وفق الإحصاءات الرسمية، 95.9 في المئة من الشعب السوري، أما الانتخابات الرئاسية الثالثة، والتي جرت في 3 حزيران/يونيو عام 2014، وهي أول انتخابات متعدّدة المرشحين، فقد فاز بها، وكما هو متوقع، بشار الأسد، المرشح الأول للرئاسة وبنسبة تصويت بلغت 88.7 في المئة، مقابل 4.3 في المئة للمرشح الثاني حسان النوري، أما المرشح الثالث ماهر الحجار فقد حصل على نسبة تصويت تعادل 3.2 في المئة، وكانت المحكمة الدستورية العليا، قد أعلنت أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية قد بلغت 73.42 في المئة.
والحقيقة أن النظام ليس قوياً بما يكفي ليدافعَ عن كرسيّه، لكنه يحظى بحلفاء أقوياء نسبياً، والروس واقعيون بطبيعة الحال، ويعرفون جيداً أن سوريا غير قابلة للإصلاح مع الأسد، لكن من دونه ستحلّ الفوضى، ولإظهار نفسه كفاعل لا غنى عنه، يبدو أن بشار الأسد ما زال يولي أهمية كبيرة لدور الإعلام في تثبيت وترويج السردية الرسمية، فظهر على قناة "روسيا اليوم" أواخر 2020، ليؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بموعدها المحدد، وجدّد وزير الخارجية وليد المعلم خلال مقابلته مع القناة نفسها، كلام الأسد حول الانتخابات، لتأتي بعد وفاته تصريحات خلفه فيصل المقداد مؤكدا بدوره أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها المحدّد دون تأجيل، وبمعزل عن نتائج عمل اللجنة الدستورية، لذا من الطبيعي أن تكون الجولة الأخيرة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية مخيبة للآمال، بينما يواصل وفد النظام تجنّب الدخول في مناقشة القضايا الجوهرية. وليس من أمل يُذكر، وسط تخبّط المعارضة السورية وفشلها الذريع، وليس آخر أخطائها القاتلة، إعلان الائتلاف السوري عن تشكيل مفوضيّة عليا للانتخابات، والتي أثارت تساؤلات كثيرة في أوساط السوريين، حول ما إذا كان هذا الإعلان تمهيداً لمشاركة المعارضة السورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أم خطوة للاعتراف بشرعيّة النظام السوري في خوض الانتخابات، وتعويمه عن قصد أو بدون قصد، ولم يطل الأمر للتراجع عن هذا القرار الصادم، بعد أيامٍ قليلة.
ووسط الواقع المعيشي المأساوي، سيتجه السوريون إلى مراكز الاقتراع، لا لشيء، لأنهم يدركون أنهم لا يحلّون ولا يربطون وأن واجب الاقتراع، لم يكن حقاً لهم طيلة خمسة عقود، وسوريّو الداخل بالعموم ينقسمون إلى عدّة فئات: أخطرها الفئة التي ما زال أفرادها يسلّمون بالمقدّسة الشهيرة "الرئيس منيح بس يلّي حواليه فاسدين"، وكل الذين ينتمون إلى هذه الفئة سينتخبون الأسد ب"الروح والدم". وهناك الفئة التي لا تزال أسيرة ما يُسمّى "ذاكرة الرعب الجمعيّة"، وأفرادها لا يرون أنّ بقاء النظام خيار محمود لبلاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكن لا بديل أفضل، وما بين السيء المعروف والأسوأ المجهول، ستصوّت للأسد مبدية ظاهرياً الولاء والطاعة، إلى جانب الفئة التي تؤمن بالمثل الشعبي "إلي بيتجوّز أمي بقلّو يا عمي"، والتي وقفت منذ البداية على الحياد، ووضعت مصالحها الشخصية فوق كل اعتبار، لذا ستصوّت حكماً، ما دامت تعيشُ داخل مساحة محصّنة من الأمان والرفاهية، أما الفئة التي يتسيّدها زعماء ما يُسمّى "كوابيس الرّعب والإتجار بالبشر"، والتي شبّت فوق جماجم السوريين واغتنت على حساب دمائهم ولقمة عيشهم، فهي أكثر من سيندفع، وبحماس أقرب إلى التوحش، لهذه الانتخابات، وحدها الفئة المثقفة المتوازنة، التي رأت في وحشيّة النظام، ومنذ أول رصاصة، الهوّة التي ستبتلع الجميع دون استثناء، ستنأى بنفسها عن هذا الاستحقاق الذي لا يمثلها، أسوة بالفئة الغاضبة وريثة الأحقاد الطائفية، التي ترفض بشكلٍ قطعيّ بقاء النظام في سدّة الحكم، شأنها أيضاً شأن الفئة التي تعيش تحت خطّ القهر والفقر، والتي ما عاد يعنيها أيّ حال، إن بقي أو تغيّر، لذا ستراقب، وبحيادٍ أقرب إلى الهذيان، كلّ هذا الخراب، الذي كان يُسمى في يوم من الأيام سوريا.
وحتّى اللحظة تكاد تغيب أيّ دعاية انتخابية لافتة للانتباه، تروّج للاستحقاق الرئاسي القادم، ويبدو أن غيابها جاء بأوامر مباشرة من نظام يلتفّ على مشاكله الجوهرية بالصمت، وفي الحقيقة سيكون ضرباً من ضروب الاستفزاز الذي لا يُحمد عقباه، صرف ملايين الليرات على دعاية انتخابية محسومة نتائجها سلفاً، بينما شعب بأكمله ينام على لحم بطنه.
سامر، الطالب الجامعي الذي يتحيّن أول فرصةٍ للهرب من هذه البلاد الخانقة يعلّق ساخراً: "هذا الهدوء يُنذر بعواصف سياسية قادمة، مع هذا سيجروننا كقطعان مطيعة إلى مقصلة الانتخابات، فنحن، ودون منازع، شعب الطوابير المختار، هم في الأساس يتعاملون مع أصواتنا بازدواجية غريبة، فإن ارتفع الصوت مطالباً بأدنى حقّ من حقوقه اتهم بالتخوين، عليه فقط أن يرتفع للحفاظ على سيادة كرسيه عندها يكون وطنياً بامتياز"، في هذا الوقت اكتفت الحكومة بتقديم منحة مادية خجولة لكلّ العاملين في الدوائر الحكومية والرسمية، الذين سيُجَرّون، وبالجملة، لإبداء طقوسِ الولاء والطاعة".
ويكثر الكلام في بلد يطفو على بحر من الأوهام الديمقراطية، وتبقى الحقيقة الثابتة فيه، أنّ النظام سيبقى بعيداً عن ماراثون المبادرات الإصلاحية، ليبقى المشروع الديمقراطي السوري مجرّد فكرة مشتهاة، فالانتخابات لعبة سياسية مكشوفة، لإعادة تعويم النظام، ومنحه الشرعية التي لم تكن له يوماً، وهي لا تشبه الانتخابات بأي حال من الأحوال، ولا حتّى تلك التي تنظّمها الأنظمة الشمولية الاستبدادية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب