الخميس 2021/02/25

آخر تحديث: 13:49 (بيروت)

محاكمات كوبلنز تعزز الآمال السورية: ماذا ينتظر أنور رسلان؟

الخميس 2021/02/25
محاكمات كوبلنز تعزز الآمال السورية: ماذا ينتظر أنور رسلان؟
© Getty
increase حجم الخط decrease
مع صدور حُكم محكمة كوبلنز الألمانية على الضابط السوري السابق إياد الغريب، بدا واضحاً أن هذه القضية تتخطى حدود الحالة الفردية، ليس لأنها تمثّل جزءاً من طبيعة عمل نظام الأسد وحسب، بل لكونها ترتبط بمسار عدالة مُستقبلي أيضاً.

وكانت المحكمة حكمت على الغريب بالسجن أربع سنوات ونصف السنة، بعد إدانته بالمشاركة في اعتقال 30 متظاهراً على الأقل في دوما بغوطة دمشق الشرقية، في أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2011 ونقلهم إلى مركز اعتقال تابع لأجهزة الاستخبارات السورية.

وعقب البتّ بملف إياد الغريب، يُنتظر أن تتواصل الجلسات في قضية الضابط السابق في المخابرات السورية أنور رسلان، وهو صاحب ملف أكبر وأعقد، ومُتّهم بالإشراف والمشاركة بالتعذيب داخل الفرع 251 الذي يُعرف باسم "فرع الخطيب".

ويُعدّ تعامل محكمة كوبلنز مع هذه الملفات سابقةً أوروبية "تدفعنا إلى القول بأنها عملياً تُحاكم النظام السوري وإجرامه المتواصل منذ خمسين عاماً" بحسب النائب السابق في البرلمان الألماني من أصل سوري "جمال قارصلي".

واعتبر قارصلي في تصريح ل"المدن"، أن "أقل ما يقال عن القرار الصادر بحق إياد الغريب هو أنه تاريخي، فالحُكم صدر في ألمانيا ضدّ شخص قام بأفعال إجرامية في سوريا، وهذا يمثل رسالة إلى المجرمين الآخرين بأن الدول الديمقراطية ليست مخبأً لهم".

وعن إمكانية متابعة "مسار العدالة" في دول أوروبا، أكد قارصلي أن "ذلك يعتمد بالدرجة الأولى على شجاعة الضحايا من اللاجئين، وعلى مصداقيتهم ومبادرتهم للقيام بخطوات مماثلة من خلال التواصل مع المنظمات الإنسانية، إلى جانب امتلاكهم الوثائق والأدلة المطلوبة التي تدين المجرمين".

وتشكّل وفرة الأدلة عاملاً مهماً لإنزال أقصى عقوبة ممكنة. وهو ما شدّد عليه مدير مشروع التقاضي الاستراتيجي في "المركز السوري للاعلام وحرية التعبير" المعتصم الكيلاني. وأشار الكيلاني إلى نقطة لا يجب تجاهلها في الحكم  الصادر بحق إياد الغريب وهي أن "الانشقاق المبكر ليس عذراً يُعفي من العقوبة، لكنه يمكن أن يكون عذراً مُخفِفاً".

وكان الغريب قد خدمَ كصفّ ضابط (مساعد أول) تحت إمرة حافظ مخلوف، وبقي في سوريا حتى عام 2013 حيث غادرها، ليصل ألمانيا في نيسان/أبريل 2018 بعد رحلة طويلة في تركيا واليونان.

واللافت في هذا السياق أن ألمانيا كانت سبّاقة في تطبيق مبدأ "الولاية القضائية" الذي يتيح محاكمة شخص ارتكب جريمته على أرضٍ غير ألمانيّة. ويُرجع الكيلاني ذلك إلى وجود المشتبه بهم والشهود والضحايا في هذا البلد بنسبة أكبر من باقي الدول الأوروبية. دون أن ننسى أيضاً النية القضائية وما يتبعها من نية سياسيّة" على حد تعبيره.

ويستند البُعد السياسي لهذه المحاكمات إلى حقائق عديدة تحيط بها. فقبل كل شي "لو لم توجد إرادة أوروبية للعمل بالولاية القضائية، ولولا الدفع من قبل الادعاء العام في ألمانيا لتقديم ملفات للتقاضي، لما كنا وَصلنا إلى هذه المرحلة" كما تقول الحقوقية والصحافية السورية لونا وطفة التي قامت بتغطية جميع الجلسات في محكمة كوبلنز، وعايشت تفاصيلها لحظة بلحظة.

وأشارت وطفة في حديث ل"المدن"، إلى أن مقاضاة إياد الغريب جاءت بعد أن ثبتَ وجود "منهجية في هذه الجرائم. بمعنى أنه لم يقم بارتكاب جريمة فرديّة وحسب، بل كان أحد الأفراد المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات ممنهجة، لتبلغ بالنتيجة مرحلة الجرائم ضد الإنسانية، وقد أوضحت القاضية هذا الجانب في جلسة الحكم على الغريب عندما تحدثت عن تاريخ نظام الأسد الوحشي في قمع المعارضة".

وحول تقديراتها لما ستؤول إليه قضية المتّهم الثاني أنور رسلان قالت: "من واقع حضوري لجلسات المحكمة، ومتابعتي لكيفية تعاطي القضاة والمحامين مع الملفات والشهادات، فقد لاحظت أن لديهم فهماً لعمل المخابرات السورية، وعليه أرى أن قضية أنور رسلان ستتجه للإدانة، فالمسؤولية واقعة عليه لا محالة، وبالتالي من المحتمل أن يُحكم بالموبّد لأسباب عديدة أبرزها أنه لم يتعاون أو يعترف بجرائمه، وهناك الكثير من التُهم والمُدّعين والشهود ضده".

وشرحت وطفة طبيعة قضية رسلان قائلةً: "في ملفه هناك 4000 حالة اعتقال وتعذيب، و58 حالة قتل تحت التعذيب، وحالتا إدعاء بجريمتي عنف جنسي، وهناك ما لا يقل عن 27 مُدّعياً بالحق المدني ضده حتى الآن. كما توجد أدلة مكتوبة وهي عبارة عن أوامر إدارية عُرضت في إحدى الجلسات، وتحمل توقيع رسلان. وهذا مهم جداً، ويُثبت أنه على عكس ما قال، فهو لم يكن مجمّداً في عمله، بل كان فاعلاً ومسؤولاً عن كل ما كان يحدث من انتهاكات في فرع الخطيب".

وفيما كشفت وطفة عن وقوع حالات تهديد لبعض الشهود لثنيهم عن الإدلاء بشهاداتهم، أعربت بالمقابل عن تمنيها بأن يشعر المزيد من السوريين بمسؤوليتهم في هذه المحاكمات، وأن يستغلوا الإرادة الأوروبية للدفع بهذا المسار، ويدلو بما لديهم من معلومات لأن هذه فرصة تاريخية لتحقيق العدالة".

ولفتت في ختام حديثها إلى وجود "عشرات الملفات قيد الدراسة تخصّ قضايا مماثلة، وتنتظر الوصول إلى مرحلة التقاضي كما جرى في كوبلنز". وتوقّعت أن نرى خلال الأعوام القليلة القادمة محاكمات على مستوى أعلى في مدن ألمانية وأوروبية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها