الإثنين 2021/01/18

آخر تحديث: 16:46 (بيروت)

هآرتس:هكذا قصف صدّام تل أبيب وديمونا بالصواريخ..قبل 30 عاماً

الإثنين 2021/01/18
هآرتس:هكذا قصف صدّام تل أبيب وديمونا بالصواريخ..قبل 30 عاماً
القصف أثار الذعر في تل أبيب وأدى إلى مغادرة مئات آلاف الإسرائيليين (AP)
increase حجم الخط decrease
سلطت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تقرير، الضوء على الأحداث التي رافقت قصف الرئيس العراقي صدام حسين، تل أبيب في العام 1991. وبيّنت كيف أدى الضغط الأميركي وافتقار إسرائيل للمعلومات الاستخباراتية والانقسام الداخلي، إلى امتناع إسرائيل عن الرد، وذلك إستناداً الى وثائق عسكرية رفعت السرية عنها بعد مرور 30 عاماً على ذلك الحدث الاول من نوعه في تاريخ الدولة العبرية.  

في 18 كانون الثاني/يناير 1991، تم إيقاظ الإسرائيليين في الساعة 2 صباحاً على الصوت المألوف لصفارات الطوارئ. في غضون ثوانٍ، تم استبدال هذا الصوت بصوت آخر غير مألوف في منطقة تل أبيب ومنطقة خليج حيفا: سقوط ثمانية صواريخ سكود أرض-أرض. تم إطلاقها من غرب العراق وسقطت في أربعة مواقع في إسرائيل: في ضواحي حيفا وفي شمال وجنوب تل أبيب.

انزعج السكان الذين كانوا يحتمون في "غرف آمنة" في منازلهم تغطي وجوههم أقنعة الغاز. الأشهر التي سبقت تلك اللحظة كانت مليئة بالارتباك، وتفاقم عدم ثقة الجمهور في القيادة السياسية والعسكرية بعد سلسلة من التقييمات المتناقضة الصادرة عن الحكومة والمؤسسة الدفاعية والمحللين.

كانت التقييمات حول مسائل مهمة مثل توزيع أقنعة الغاز للجمهور، وما إذا كانت الصواريخ ستُطلق على إسرائيل، وما إذا كانت ستُزود برؤوس حربية كيماوية. انتشر الذعر والهستيريا. وفرّ مئات الآلاف من وسط إسرائيل إلى مناطق يعتقدون أنها لن تكون مستهدفة ، مثل القدس. ووصفهم رئيس بلدية تل أبيب شلومو لاهات بأنهم "مرتدون".

في تلك الليلة، أصيب 20 شخصاً بجروح طفيفة من الشظايا وعانى 103 أشخاص من نوبات القلق والإصابات من سوء استخدام الأقنعة. وجاءت بعض الإصابات من أشخاص أصيبوا بالذعر وحقنوا أنفسهم بمادة الأتروبين، وهي مادة تهدف إلى علاج إصابة غاز الأعصاب والتي كانت ضمن أدوات السلامة التي وزعتها قيادة الجبهة الداخلية.

مع سقوط الصواريخ الأولى، دعا قائد الجيش آنذاك دان شومرون طاقمه لعقد اجتماع. وقال نائبه، الجنرال إيهود باراك، إن فرضية عمل الجيش الإسرائيلي يجب أن يكون أن العراق يمكنه إطلاق المزيد من الصواريخ على إسرائيل. لكن رئيس استخبارات القوة الجوية يويل فيلدشو رأى أن احتمال إطلاق صاروخ قد انخفض بشكل كبير. أمر شومرون الجميع بإظهار الهدوء ومساعدة الجمهور على العودة إلى الحياة الروتينية. لكنه في الوقت نفسه أمر الجيش الإسرائيلي بأن يكون في حالة تأهب قصوى للحرب البيولوجية والكيماوية.

هذا التناقض ميّز 41 يوماً من حرب الخليج في إسرائيل. خلال هذه الفترة، سقط 43 صاروخاً على إسرائيل وتوفي 77 شخصاً، معظمهم من نوبات قلبية. قُتل ثلاثة أشخاص فقط في الضربات الصاروخية.

في 9 آب/أغسطس، بعد أسبوع من غزو العراق للكويت وبدء العد التنازلي للحرب، جمع شومرون هيئة الأركان العامة لمناقشة ما إذا كان سيتم توزيع أقنعة الغاز، والتي تحتوي أيضاً على حقنة من الأتروبين. قال باراك في ذلك الاجتماع إنه من غير المرجح أن يكون العراق أول من يهاجم بأسلحة غير تقليدية، بحسب شمعون غولان، العقيد في الاحتياط والباحث البارز في قسم التاريخ في الجيش الإسرائيلي.

تقييم فيلدشو كان أن صدام حسين ميّز بين "الحرب داخل دولته والحرب في دولة أجنبية". هذه الاقتباسات مأخوذة من كتاب غولان المنشور مؤخراً بعنوان: "صواريخ على إسرائيل: اتخاذ القرار على المستوى الاستراتيجي" الصادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية.

إستند الكتاب إلى تسجيلات رئيس قسم التاريخ في ذلك الوقت، الكولونيل بيني ميكلسون. أصبحت النصوص وثائق رسمية. الكتاب، الذي خضع لرقابة صارمة ولا يفصّل الخطط التنفيذية للجيش لأسباب أمنية، يشكل الرواية الرسمية للجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع عن الحرب.

لتأكيد موقفه، أكد رئيس استخبارات القوة الجوية يويل فيلدشو أن صدام لم يستخدم الأسلحة الكيماوية في حربه ضد إيران واستخدمها فقط ضد الأكراد في العراق. هذا لم يكن دقيقاً. الجيش العراقي قصف القوات الإيرانية بالأسلحة الكيماوية في الجبهة الجنوبية. مثل باراك، افترض رئيس المخابرات في الجيش الإسرائيلي أمنون ليبكين شاحاك أن صدام حسين لن يستخدم مثل هذه الأسلحة ضد إسرائيل كخطوة افتتاحية.

وكتب غولان: "بحسب ما ذكرت المخابرات العسكرية وكل المسؤولين الذين تحدث معهم، بما في ذلك الولايات المتحدة، لا يمتلك العراق صواريخ أرض-أرض برؤوس حربية كيماوية" لكنه أضاف "يمكن إلقاء مواد الحرب الكيماوية من الطائرات".

كما قدّرت المخابرات العسكرية أن العراق لا يمتلك أسلحة نووية، فمنذ عقد مضى، دمر سلاح الجو الإسرائيلي مفاعله النووي بالقرب من بغداد.

بطريقة أو بأخرى، اعترض جميع الحاضرين في التجمع، بما في ذلك ليبكين شاحاك وقائد القوات الجوية أفيهو بن نون، على توزيع أدوات السلامة للجمهور، زاعمين أنها ستسبب الذعر وتضر ب"ردع إسرائيل وثباتها". كان قائد القيادة الشمالية الجنرال يوسي بيليد من بين القلائل الذين أيدوا توزيعهم. كان شومرون متحفظاً إلى حد ما. ووافق على أن توزيع الادوات قد يسبب الذعر، لكنه أضاف أنه "إذا سقطت قنبلة كيماوية، فسيحدث ذعر أكبر بكثير، حتى لو كان عدد القتلى منخفضاً". استمر التردد لبعض الوقت حتى ساد الضغط الشعبي ووزع الجيش أقنعة الغاز لجميع السكان.

معضلة الاستجابة
طوال الفترة التي سبقت الحرب، زادت إسرائيل من ضغوطها على الولايات المتحدة لتنسيق تحركاتها ضد صدام بشكل مسبق وتعزيز التعاون الاستراتيجي. في 31 كانون الأول/ديسمبر 1990، تم تركيب نظام اتصال مشفر يُعرف بالخط الساخن في مقر هيئة الأركان العامة. ربط الخط بينها وبين قيادة الجيش الأميركي في أوروبا والملحق العسكري الأميركي في السفارة الأميركية في تل أبيب.

من خلال هذا الخط، وبمساعدة الأقمار الصناعية الأميركية، تلقت إسرائيل إنذاراً لمدة ثلاث دقائق تسبق لحظة إطلاق الصواريخ. من وقت تثبيت النظام حتى نهاية الحرب، كانت معظم المكالمات من القادة الإسرائيليين والأميركيين وقادة الجيش تتم عبر هذا الخط المشفر.
طلب شومرون ووزير الدفاع موشيه أرينز من وزير الدفاع الأميركي ديك تشيني قبل وبعد بدء الحرب بتزويد إسرائيل بصور الأقمار الصناعية لمواقع إطلاق الصواريخ في غرب العراق. وافقت الولايات المتحدة من حيث المبدأ، لكنها تباطأت وقدمت أعذاراً مختلفة لتأجيل تسليم الصور.

قبل ست سنوات، سرق الجاسوس جوناثان بولارد هذه الصور وأعطاها لإسرائيل. حتى مع إطلاق القمر الصناعي "Ofek 1" في 1988 و"Ofek 2" في نيسان/أبريل 1990، لم تتمكن إسرائيل من الحصول على المعلومات الاستخباراتية التي تحتاجها.

طوال مدة الحرب، أكد شومرون أن لدى الجيش الإسرائيلي صواريخ أرض-أرض كان مداها يتجاوز المواقع العسكرية H2 وH3 في صحراء غرب العراق. في 10 كانون الثاني، في إحدى محادثاتهما على الخط الساخن، سأل تشيني أرينز عما إذا كانت إسرائيل سترد على الهجوم. ردّ أرينز بحزم أنه سيفعل، لكنه شدد على أن "تلقّي الصور سيحسّن قدرة إسرائيل على العمل". كان هذا على ما يبدو نوعاً من الرسالة الأميركية: ستحصل على صور القمر الصناعي إذا لم تهاجم.

هذا هو السبب في أن الولايات المتحدة فعلت كل ما في وسعها لمنع إسرائيل من القيام بعمل عسكري. نشرت أربع بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ في إسرائيل، أثبتت في النهاية عدم فعاليتها. كما أرسلت وفوداً من كبار مسؤولي البنتاغون لتهدئة إسرائيل. كانت الولايات المتحدة تخشى أن يؤدي هجوم عسكري إسرائيلي إلى تفكيك التحالف الدولي القوي المكون من 35 دولة ضد صدام حسين، وانسحاب أعضاء التحالف العرب، بما في ذلك سوريا والسعودية، منه.

لكن تشيني أدرك أيضاً أنه سيكون من الصعب منع إسرائيل من الهجوم. في تلك المحادثة مع أرينز قبل الحرب، أكد تشيني أن "الولايات المتحدة تفترض أنه إذا هاجم العراق إسرائيل وضرب أهدافاً فيها، فإن الولايات المتحدة ستمكّن إسرائيل من الرد". لكن بمجرد اندلاع الحرب، غيّر تشيني موقفه واعترض بشدة على التدخل العسكري الإسرائيلي.

سرعان ما وُضعت سياسة إسرائيل على المحك. على الرغم من أن الليلة الثانية للحرب مرّت بهدوء، في صباح اليوم التالي، الساعة 7:15 صباحاً، بتاريخ 19 كانون الثاني، أطلقت دفعة ثانية مكونة من أربعة صواريخ سكود، وسقطت في تل أبيب ومحيطها. أشارت استخبارات الجيش الإسرائيلي إلى أنه على الرغم من جهوده، فشل سلاح الجو الأميركي في تدمير حتى قاذفة صواريخ واحدة. أدركت إسرائيل أن سلاح الجو الأميركي لا يمكنه التعامل مع منصات الإطلاق المتنقلة في غرب العراق.

في ذلك اليوم، اجتمع مجلسا الأمن والدفاع وقدم الجيش الإسرائيلي خططه للعمل العسكري في العراق. لا يفصّل الكتاب الخطط العملياتية، لكن وفقاً لمصادر عسكرية إسرائيلية وحكومية مختلفة، فقد تألّف من هجوم لسلاح الجو في غرب العراق ونشر قوات خاصة لتحديد مواقع منصات الصواريخ المتحركة وتدميرها. يقول الكتاب إن رئيس الوزراء يتسحاق شامير "كان يعتقد أن إسرائيل يجب ألا تردّ بأي شكل من الأشكال على إطلاق الصواريخ".

وهكذا استمرت الطقوس طوال الحرب: أرينز ووزراء آخرون، مثل آرييل شارون، بدعم من عدد من الجنرالات برئاسة باراك، ضغطوا باتجاه الهجوم رغم معارضة الولايات المتحدة، بينما كان رئيس الأركان وأرينز يقدمون كل بضعة أيام خطط الهجوم العتيد.

في 22 شباط/فبراير، بدا أن تشيني مستعد للموافقة على هجوم إسرائيلي. قال لأرينز: "إذا تحركت هناك ، فسنغادر المنطقة غرب خط الزوال 42". فسرها أرينز على أنها إشارة إلى قبول تشيني عملية إسرائيلية ضد مواقع الإطلاق.

لكن شامير، الذي تحدث إلى الرئيس الأميركي جورج بوش، أعاق الوزراء والجنرالات الذين كانوا سعداء بالضغط على الزناد. كما أن موقف شومرون المنصف قد برّد حماسهم. "ضبط النفس كان الأمر الصحيح في ذلك الوقت، للحفاظ على تحالف الولايات المتحدة وسوريا ومصر ضد صدام حسين"، بحسب كلام قائد المنطقة الجنوبية آنذاك ماتان فيلنائي ل"هآرتس"، مضيفاً "لو انهار التحالف بسبب التدخل الإسرائيلي غير الضروري، لكان قد تسبب بشكل أساسي في أضرار لإسرائيل".

لكن في النهاية، هناك أسباب عديدة منعت إسرائيل من الهجوم. كان الاعتراض الأميركي أساساً، لكن إسرائيل كانت تفتقر أيضاً إلى معلومات استخبارية دقيقة. في اجتماع هيئة الأركان العامة في ذلك السبت الدراماتيكي، اعترف ليبكين شاحاك بأن كل ما تعرفه إسرائيل "لا يختلف عما تم نقله في وسائل الإعلام العامة" مثل "سي إن إن".

سبب آخر لضبط النفس الإسرائيلي هو القدرة المحدودة لسلاح الجو، بالتأكيد بالمقارنة مع سلاح الجو الأميركي. ومع ذلك، استمرت المخاوف في التحليق. ومن أعظمها، بحسب شومرون، أن "أحد الأهداف المحتملة كان مركز الأبحاث النووية في ديمونة، ربما انتقاماً من قصف المفاعل النووي في العراق". وقال إنه إذا قرروا قصفها، فمن المحتمل أن يكون ذلك بالأسلحة التقليدية. لكنه لم يستبعد احتمال أن العراق "قد يستخدم القوة الجوية لقصف المفاعل بأسلحة كيماوية".

في نقاش آخر قرب نهاية الحرب، قدّرت مديرية المخابرات العسكرية أن "تهديد العراق باستخدام المفاجآت يعزز الافتراض بأنه عندما يشعر صدام حسين بأن ظهره للجدار، فقد يفكر في استخدام أسلحة غير تقليدية". لم يحدث ذلك، لكن العراق حاول إطلاق صواريخ على المفاعل في ديمونة، سقط أحدها على بعد ثمانية كيلومترات منه. لكن الصواريخ سقطت في مناطق مفتوحة ولم تسبب أي ضرر.

شكلت حرب الخليج عدداً من السوابق: كانت المرة الأولى التي تتعرض فيها الجبهة الداخلية الإسرائيلية للقصف بالصواريخ الباليستية، والمرة الأولى التي يتعرض فيها الإسرائيليون لهجوم من دولة لا تشترك في حدود مع إسرائيل. كانت المرة الأولى التي أصبحت فيها الجبهة الداخلية "جبهة"، والمرة الأولى التي تتعرض فيها إسرائيل للهجوم ولا ترد. لقد كسر ضبط النفس السياسة الدفاعية السائدة حتى ذلك الحين، وهي الرد بالقوة العسكرية على أي عمل عدائي أو هجوم عسكري من قبل العدو، أي عدو، لتوليد الردع ومنع الطرف الآخر من تحقيق الأفضلية والنصر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها