الإثنين 2020/09/07

آخر تحديث: 13:06 (بيروت)

النظام يبيح للشركات السياحية ..سرقة دولارات العائدين

الإثنين 2020/09/07
النظام يبيح للشركات السياحية ..سرقة دولارات العائدين
© Getty
increase حجم الخط decrease
يزداد النظام السوري وقاحةً في الأساليب التي يتبعها لسلب الأتاوات من مواطنيه وبشكل علني، من خلال فرض قوانين جديدة تشرع له تلك الأتاوات، حتى وإن كانت تتعارض بشكل مباشر مع الدستور؛ كما هو الحال في القانون الجديد الذي سنّه مؤخراً ليفرض على مواطنيه تصريف مبلغ مئة دولار أميركي عند مرورهم على الحدود البرية أو الجوية، بحجة دعم الاقتصاد الوطني.

يتعارض هذا القانون بشكل واضح مع المادة  38 من الدستور السوري، والتي يرد فيها: "لا يجوز إبعاد المواطن السوري عن وطنه أو منعه من الدخول إليه".

ودخل القانون حيز التنفيذ منذ فترة وجيزة، وقد ابتكره النظام ليزيد من الأرباح التي يجنيها من تلاعبه بأسعار صرف العملات الأجنبية على أراضيه؛ ليكسب ما بين 50 حتى 70 في المئة من مبلغ المئة دولار، نتيجة الفارق بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق.

وقد تسبب هذا القرار حتى اليوم بمنع عدد كبير من السوريين من الدخول إلى وطنهم، ليتحولوا إلى "سوريين عالقين" في المنطقة الفاصلة ما بين الحدود السورية واللبنانية، بسبب عدم امتلاكهم للمئة دولار التي تؤهلهم للدخول إلى سوريا، وبسبب عدم سماح لبنان لهم بالرجوع إليه؛ وهو الأمر الذي دفع البعض منهم للدخول إلى بلادهم بشكل غير شرعي.

مهمة مستحيلة
لا يهتم النظام السوري بمصير مواطنيه العالقين عند المداخل الحدودية، فيتركهم في العراء، ينتظرون تحت أشعة الشمس الحارقة في الوقت الذي تصل فيها درجة الحرارة إلى 40 درجة مئوية، فيما لا سبيل لهم سوى مساعدات المنظمات الإغاثية القادمة من لبنان.

ويقول أحد العالقين على الحدود البرية بين لبنان وسوريا عند نقطة المصنع، إن "موظفي الجمارك لا يتساهلون معنا بالمطلق، فهم لا يسمحون لنا حتى بإجراء اتصالات من مكاتبهم بالأهل أو الأقارب لتأمين المساعدة بالمبلغ المطلوب"، موضحاً أن "أغلب العالقين لا يحملون خطوطاً سورية للاتصال، والخطوط اللبنانية تتوقف عن العمل مع تخطي الحدود من الجهة اللبنانية".

ويضيف ل"المدن"، "في حال عبّرنا عن غضبنا واستيائنا يتم تفريقنا بالعصي الكهربائية. والبعض أغمي عليهم بسبب درجة الحرارة المرتفعة، ولم يكترث العناصر الموجودون على الحدود بالأمر. أنا بقيت هناك ثلاثة أيام قبل أن أتمكن من تأمين المبلغ، وفي تلك الأيام كانت صهاريج المياه تأتي من لبنان لتوزع علينا المياه، ولم تصلنا أي مساعدة من الجانب السوري".

ويطلب النظام السوري من الناس العالقين أن يتواصلوا مع ذويهم في الداخل لتأمين مبلغ مئة دولار ليتمكنوا من العبور؛ وفي هذا أيضاً تعارض جديد مع القوانين التي فرضها النظام السوري مؤخراً، فهو يصر على أن يتم تأمين المبلغ بالدولار، وفي المقابل يمنع المواطنين في الداخل من التعاطي بالدولار ويعتبر حيازته أو التعامل به جريمة يعاقب عليها القانون. 

ولا تتوقف المشكلة عند ذلك الحد، فبالإضافة للمبالغ الطائلة التي سيترتب على الناس دفعها لتأمين المئة دولار من المنافذ غير الرسمية، فإنه يترتب عليهم أيضاً أن يدفعوا مئة دولار أخرى لإجراء اختبار (PCR) ليتمكنوا من الوصول إلى ذويهم العالقين في المناطق الحدودية.

فرصة استثمارية
وتحولت الأزمة إلى فرصة استثمارية لبعض الشركات السياحية، التي لديها مكاتب عند المنطقة الحدودية، لتعلن عن عروض خدمية تقدمها للعالقين هناك. وبحسب أحد العروض، تقوم شركة "شام" بإقراض العالقين مبلغ مئة دولار لكي يدخلوا إلى سوريا. ثم سيكون عليه إعادة دفع المبلغ يُضاف إليه 20 دولاراً كأرباح للشركة، على أن يكون الدفع بالليرة السورية، وبحسب سعر صرف السوق.

هذه الشركة التي يرخص عملها النظام تستفيد من فرق سعر الدولار بين سعري الصرف اللذين حددهما البنك المركزي، حيث تقوم بشراء الدولار بالسعر التفضيلي من البنك المركزي، وتتم محاسبة الأشخاص في ما بعد بسعرالدولار بالسوق السوداء. 

وأبلغ مصدر من احدى الشركات السياحية "المدن"، أن "الدولة تقدم تسهيلات للشركات السياحية لشراء الدولار بالسعر التفضيلي، وهو 1700 ليرة سورية، بينما يبلغ سعر صرف الدولار بالسوق السوداء 2230 ليرة سورية". ويضيف "تقوم الشركة بشراء الدولار من البنك وإيصالها دون تكاليف إضافية إلى العالقين على الحدود، مقابل ربح بسيط على أن يتم تسديد المبلغ للشركة بسعر الدولار في السوق السوداء بعد عبور الحدود. وبعض الشركات لا تطلب مبالغ إضافية على المئة دولار، وإنما تكتفي بالربح الناتج عن فرق سعر الصرف بين البنك والسوق السوداء".

طرق التهريب
وقد ازداد مؤخراً عدد السوريين الذين يسعون للعودة إلى وطنهم من لبنان عقب انفجار مرفأ بيروت. وفي ظل هذا التضييق الخانق لجأ البعض إلى الخيار الوحيد المتبقي أمامهم، وهو عبور الحدود من منافذ غير شرعية. 

لكن هذا الخيار عرض حياتهم للخطر، وأودى بحياة البعض منهم، كما هو الحال في قصة الفتاة زينب، التي تم تشييعها قبل يومين. ويروي أحد الذي حاولوا العبور ل"المدن"، أنه بينما كان عالقاً عند الحدود، "سمعت بعض الشائعات عن وجود مهربين يتقاضون مبالغ زهيدة وبالليرة السورية مقابل تأمين طريق للدخول خلسة؛ لكن الغالبية كانوا يرفضون هذا الخيار من الأصل، فالبعض يخشون اللجوء إليه لما سيترتب عليه من تبعات قانونية في المستقبل".

بالمقابل فإن البعض يرفضون هذا الخيار لأسباب مختلفة، فهم غير قادرين على دفع المبلغ مهما كان بسيطاً، ولا يبالون بوضعهم القانوني في المستقبل، لكنهم يفضلون أن يشقوا طريقهم إلى الداخل وحدهم، من دون مهرّب".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها