الجمعة 2020/09/25

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

المساعدات الأميركية للشمال السوري إستؤنفت..إدلب خارجها

الجمعة 2020/09/25
المساعدات الأميركية للشمال السوري إستؤنفت..إدلب خارجها
© Getty
increase حجم الخط decrease
في تطور يتزامن مع تصريحات روسية حول انتهاء العمليات العسكرية في إدلب، وبعد سلسلة من الرسائل الايجابية التي كانت "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام) قد وجهتها للغرب، أعلنت الولايات المتحدة استئناف تمويل المشارع الانسانية في شمال سوريا، من دون توضيح ما إذا كان ذلك سيشمل منطقة إدلب التي تسيطر عليها "النصرة" منذ العام 2017.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية الخميس، عن تخصيص مبلغ 720 مليون دولار لسوريا، من بينها 60 مليوناً بهدف "دعم المشاريع الخاصة بمعالجة الأزمة التي خلفتها الحملة العسكرية الوحشية لنظام الأسد وروسيا وايران على مناطق الشمال السوري".

وعلمت "المدن" أن مبلغ الستين مليون دولار ستضعه واشنطن في صندوق "الائتمان لإعادة اعمار سوريا" الذي يدعم المشاريع في شمال البلاد، وسيخصص لإعادة افتتاح ثلاثة أفران جديدة من المفترض أن توفر الخبز لأكثر من تسعين ألف شخص، كما سيذهب جزء من المبلغ لخدمة القطاع الصحي بهدف توفير الرعاية الطبية لأكثر من ثمانين ألف مدني، دون تحديد منطقة معينة من الشمال.

ومع فشل مجلس الأمن الدولي بتمرير مشروعي قرارين خاصين بتمديد آلية إيصال المساعدات العابرة للحدود إلى سوريا بموجب القرار 2504، الذي انتهى العمل به في شهر تموز/يوليو 2020، نتيجة استخدام حليفتي النظام روسيا والصين حق النقض "الفيتو"، فإن التمويل الأميركي الجديد يُعتبر أول تحرك جدي خارج نطاق الأمم المتحدة منذ ذلك الوقت، الأمر الذي يطرح تساؤلات عديدة حول مدى ارتباط هذه الخطوة بالتغييرات التي شهدتها ساحة الصراع السورية على المستوى السياسي.

واقع ملتبس
ويرى خبراء أن الإعلان الأميركي الأخير بمثابة إيعاز وضوء أخضر باستئناف العمل الإغاثي والإنساني في محافظة إدلب، بعد أن أوقفت معظم الدول والمنظمات الغربية دعمها للمشاريع التنموية في الشمال السوري، وعلى رأسها منظمة "كومنيكس" الأميركية، وتحديداً مشروع "ديفيد مناهل" الموجه للقطاع التعليمي، بعد سيطرة "جبهة النصرة" المصنفة على قوائم الإرهاب الأميركية على منطقة إدلب وريفي حلب الغربي وحماة.

وكان تعليق الدعم المقدم لقطاعات التربية والتعليم والصحة في شمال غرب سوريا قد تمّ تبريره "بمخاطر العمل في محافظة إدلب التي ارتفعت بشكل كبير، وذلك منذ منتصف عام 2017؛ وتمثلت هذه المخاطر بشكل خاص في ظهور حكومة الإنقاذ ومحاولاتها الدائمة التدخل في قرارات التعليم والهيمنة عليها"، بناءً على ذلك قرر المانحون إيقاف الشراكة مع مديرية التربية في محافظة إدلب، بحسب رسالة وجهتها بعض المنظمات الأميركية وقتها لحكومة الإئتلاف السوري.

وكان الاتّحاد الأوروبّي قد أوقف أيضاً، منذ بداية أيلول/سبتمبر 2019، الدعم الذي كان يقدّمه لقطاع التربية والتعليم في محافظة إدلب، ما تسبب بإغلاق أكثر من 400 مدرسة ومركز تعلمي، وتضرر حوالي نصف مليون طالب.

وحول ما إذا كان القرار الأميركي الأخير يعني عودة قادمة للمنظمات الانسانية وتمويل المشاريع التنموية في منطقة إدلب، يقول الكاتب السوري درويش خليفة إنه "لا يمكن القول أن الدعم الإنساني توقف في قطاع إدلب بشكل كامل، إنما سيطرة هيئة تحرير الشام وفك الشراكة مع الحكومة المؤقتة، دفع المانحين الأوروبيين والهيئات والوكالات الأميركية إلى إعادة النظر بتقديمهم الدعم في قطاع إدلب".

ويضيف في تصريح ل"المدن"، أنه "نتيجة استبيانات وتقارير من منظمات سورية محلية، استأنفت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي عملها في المنطقة، ما شجع عدداً من المانحين لإعادة العمل مع المنظمات المدنية والمجالس المحلية. وفي ما يخص المبلغ المخصص لمناطق شمال حلب من قبل الإدارة الأميركية، فهذه المناطق لا تخضع لسيطرة تحرير الشام".

ويتابع خليفة أن صندوق الائتمان لإعادة الأعمار الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لم يوقف الدعم بشكل كامل عن سوريا، ولكن تمويله يذهب للمنظمات التي تعمل في سوريا من ألمانيا والأردن، "كما أشير إلى  تخصيص وزارة الخارجية الأميركية مبلغ 75 مليون دولار للبرنامج السياسي الذي يخص سوريا وقد صُرف منه حتى اللحظة 1.6 مليون دولار فقط، وهو مبلغ ضئيل جداً، ويُعتبر مؤشراً على عدم التوصل لتوافقات كافية بين المتداخلين الدوليين والإقليميين في سوريا، أي أن العملية السياسية في سوريا لن تنجز عما قريب".

لا تغيير سياسي
ويتفق الصحافي المعارض عبدالله الموسى مع هذا الرأي، منوهاً إلى أن المبالغ المخصصة للشمال السوري في برنامج التمويل الأخير المعلن عنه أميركياً ستُخصص لمشاريع في مناطق سيطرة "قسد" والجيش الوطني المعارض، على الرغم من تبادل الإشارات الإيجابية بين "النصرة" والإدارة الأميركية مؤخراً، "لكن هذه الايجابية لم ترتق بعد إلى قاعدة يمكن القول إنها جاهزة للبناء عليها".

ويقول موسى ل"المدن"، إن "قيادة تحرير الشام تُسارع الخطى بالفعل لإبعاد التوصيفات النمطية عنها بأنها تنظيم سلفي مصنف على لوائح الإرهاب، وذلك استجابة للضغوط التركية، وبعد أن سقط رهان الجولاني العسكري بالدفاع عن إدلب في المعركة الأخيرة، والتي كان حضور تحرير الشام فيها دون المستوى المطلوب".

ويرى أن "الجهود تتركز حالياً على الجانب المدني، وهنا لا بد من الإشارة إلى تصريح سابق هذا العام للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري قال فيه إن (هيئة تحرير الشام التي تُعتبر فرعاً من فروع تنظيم القاعدة، وهي بدورها تعتبر تنظيماً إرهابياً، ركزت على محاربة نظام الأسد، كما أننا لم نشهد لها أي تهديدات على المستوى الدولي منذ زمن)، ويبدو أن هذه التصريحات شجعت قيادة تحرير الشام لاتخاذ خطوات أفضل وأسرع في أمل الحصول على براءة ذمة من قائمة الإرهاب".

وكان قياديون في الهيئة بينهم الجولاني، ورئيس المجلس الشرعي، قد عبروا في سلسلة تصريحات لوسائل إعلام غربية منذ مطلع العام الجاري عن قطعهم مع الجماعات السلفية العابرة للحدود، ورفضهم القيام بأي نشاطات خارج سوريا، مع ذلك "فإن هذا لن يكون كافياً لعودة الدعم الأميركي والغربي للمشاريع المدنية إلى إدلب ومناطق سيطرة تحرير الشام الى حين إزالتها من قوائم الارهاب، لأن القسم الأكبر من الدعم يُقدم عبر وزارة الخارجية الاميركية" حسب الموسى.

لا يمكن القول إذن إن الإعلان الأميركي الأخير يمثل إشارة حقيقية على أن المعارك العسكرية انتهت في إدلب بالفعل، بما يسمح بتوجيه التمويل للمشاريع الانسانية والتنموية إلى هذه المنطقة، كما أنه غير كافٍ للحكم بأن الولايات المتحدة أصبحت مقتنعة بتصريحات وإجراءات "النصرة" التي اتخذتها مؤخراً لإخراجها من قوائم الإرهاب، لكن رغم ذلك يُعتبر ما سبق خطوة على طريق تكريس الاستقرار شمال غرب البلاد، بالتفاهم بين الدول المؤثرة في القضية السورية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها