الثلاثاء 2020/08/25

آخر تحديث: 12:24 (بيروت)

مذبحة الشعيطات:ذكرى لن تموت

الثلاثاء 2020/08/25
مذبحة الشعيطات:ذكرى لن تموت
increase حجم الخط decrease
تمر هذه الأيام على بلدات عشيرة الشعيطات الثلاث (غرانيج – أبو حمام – الكشكية) على الضفة اليسرى لنهر الفرات ذكرى أبشع حادثة عاشها أبناؤهم في تاريخهم، وهي ذكرى المذبحة التي ارتكبها تنظيم داعش بحقهم في آب/أغسطس 2014، بعد أحداث دامية ستبقى مطبوعة في ذاكرة أبناء العشيرة.
ففي مطلع تموز/يوليو عام 2014 -والذي تزامن مع شهر رمضان- تمكّن تنظيم داعش من بسط نفوذه على معظم مدن وبلدات وقرى محافظة دير الزور شرق سوريا، بعد نصف عام من المعارك الشرسة ضد فصائل الجيش الحر والفصائل الجهادية من أبناء المحافظة، انتهت بانسحاب الفصائل باتجاه جنوب سوريا إلى درعا والقلمون، فيما وضع السلاح عدد كبير من مقاتليها مختارين البقاء في مناطقهم كمدنيين تحت حكم التنظيم، وباتت المناطق الممتدة من ريف حلب الشرقي شمال سوريا إلى الشرق أرضاً خالصة للتنظيم -باستثناء بعض الثكنات العسكرية والأحياء المحاصرة التي يسيطر عليها نظام الأسد- كأكبر رقعة جغرافية في سوريا خضعت لسيطرة فصيل واحد منذ التحول إلى الحراك المسلح بدايات عام 2012.
شارك أبناء عشيرة الشعيطات المنضمين إلى صفوف الجيش الحر في المواجهات ضد التنظيم لأشهر طويلة، وانسحب منهم من انسحب مع الفصائل المنسحبة، فيما وضع السلاح من اختار البقاء في منطقته، وكانوا شهوداً على دخول التنظيم إلى بلداتهم وخطبة صلاة الجمعة الأولى التي ألقاها شرعيو التنظيم في البلدات الثلاث بعنوان "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، مطمئنين الأهالي وواعديهم ببداية مرحلة جديدة يهنأ فيها الناس بعيشهم في ظل "دولة الإسلام!" لتمضي الأسابيع التالية هادئة نسبياً، كان فيها التنظيم يعمل بخطوات متسارعة لتثبيت حكمه في المنطقة.
وفي ثالث أيام عيد الفطر داهمت دورية لتنظيم داعش منازل "آل النهاب" في بلدة أبو حمام إثر وشاية من أحد المبايعين المحليين للتنظيم معتقلة عدداً من أبنائها، فيما رفض "حمدان العليان" أن يتم اعتقاله، لتحدث مشادة بينه وبين عناصر التنظيم انتهت بأن أردوه قتيلاً. 
انتفضت البلدات في وجه التنظيم الإرهابي الذي ردّ بتصفية جديدة لأحد أبنائها. تصفية أطلقت شرارة انتفاضة شعبية في بلدات الشعيطات هاجم فيها الأهالي المباني التي اتخذها التنظيم مقرات حكم، وأخرجوا عناصر التنظيم من بلدتهم بين قتيل وجريح وهارب.
حاصر تنظيم داعش البلدات الثلاث ونصب مدفعيته على تل بلدة الدوير على الضفة المقابلة لنهر الفرات، وطلب من الأهالي تسليم المطلوبين للتنظيم. ومع رفض الأهالي صدرت فتوى التنظيم اعتبار الشعيطات "طائفة ممتنعة بشوكة"، وبدأ القصف يدك منازل الأهالي في البلدات، فيما انطلقت جحافل إرهابيي التنظيم تحاول اقتحامها لكنهم ووجهوا بشراسة أبناء البلدات الثلاث، وسلاحهم المخبأ منذ قتالهم بجانب الجيش الحر.
ورغم أن التنظيم أعطى الأمان لمن خرج من البلدات لكن عدداً من الناشطين آنذاك تحدثوا عن غدره بمن خرج مصدقاً عهد الأمان الممنوح، وهذا ربما ما يفسر إصرار أبناء العشيرة على الصمود في بلداتهم.
لاحقاً استقدم التنظيم تعزيزات عسكرية كبيرة شملت كتيبة البتار الليبية ومهاجرين آخرين. اقتحم الأغراب البلدات الثلاث وزرعوا موت عبر سيارات مفخخة. فاقوا أهالي البلدات عددا وعديداً وسيطروا عليهم في 9 آب/أغسطس. بدأت بعدها المرحلة الأقسى. واحدة من أبشع مجازر منظومة الحرب السورية. إعدامات جماعية نفذها التنظيم استجابة للفتوى التي أصدرها "أبو عبد الله الكويتي" بحق أبناء العشيرة، بأن يقتل كل رجالهم وشبابهم، وهو نفسه الشرعي الذي أعلن التنظيم إعدامه بعدها بفترة بتهمة العمالة لأميركا.
لم يكتفِ التنظيم بإعدام كل من وجده في البلدات الثلاث، بل قام بملاحقة أبناء الشعيطات الذين هربوا إلى القرى والبلدات المجاورة، كما اعتقل عدداً من العمال من أبناء العشيرة في حقول النفط القريبة وأعدمهم بعد أن قام بتصويرهم ضمن إصدار "فشرد بهم من خلفهم"، وأصدر التنظيم قراراً بتهجير سكان البلدات الثلاث لفترات وصلت إلى 8 أشهر.
حتى الآن لا يعرف على وجه الدقة أعداد ضحايا مذبحة الشعيطات، لكن المقابر الجماعية التي تتالى عثور الأهالي عليها في المنطقة منذ حدوث المجزرة، ربما تجعل التقديرات المتداولة حول 70 ضحية أقل من الواقع، حيث تتحدث شهادات معتقلين من أبناء العشيرة أن التنظيم أجبرهم بعد اقتحام البلدات على جمع جثث المقتولين المتناثرة فيها، وأن أعداد هذه الجثث تصل إلى 300، حيث دفنوهم في عدة مواقع لم يتم اكتشافها جميعاً حتى اليوم، بينما وجد أهالي بلدة غرانيج في حفرة قرب الكشكية ما يقارب من 50 جثة معظمها دون رؤوس، عدا عن مقابر أخرى مكتشفة تضم كل منها أعداداً تتراوح بين 5 إلى 20 جثة، أغلبها مقيدة الأيدي إلى الخلف.
استُعملت هذه المجزرة من قبل الولايات المتحدة في دعايتها لتشكيل التحالف الدولي لقتال التنظيم، وتوالى التذكير بها في مناسبات عدة شاهداً على وحشية التنظيم وضرورة اجتثاثه، فيما تمثل المجزرة رديفاً للخطاب الثوري الذي يؤكد دوماً على أن أول من قاتل تنظيم داعش هم ثوار سوريا، فيما كانت حواضن الثورة السورية أكثر المتضررين منه، على خلاف محاولة نظام الأسد الاستئثار بفكرة "معاداة التنظيم"، استثماراً في التوجه الدولي للحرب على الإرهاب، وعلى خلاف محاولة قوات "قسد" حصر ضحايا التنظيم في الأكراد من أبناء شرق سوريا، تعزيزاً لخطاب المظلومية دولياً، الذي كان لها مكتسباتها منه.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب