الخميس 2020/08/20

آخر تحديث: 11:08 (بيروت)

شقيقتنا إسرائيل

الخميس 2020/08/20
شقيقتنا إسرائيل
© Getty
increase حجم الخط decrease
حسناً فعلت دولة الإمارات، إذ أخرجت إلى العلن ما كان مختبئاً في السر. حسناً، أن دولة عربية أخرى، تنطق بالضاد، ومن قلب "بادية" الرسالة الأُمويّة العربية، قالت: إليكم اعترافي بأختنا في الأصل "الإبراهيمي"، وشريكتنا في جزء من السماء الواحدة التي نستظل بركتها جميعاً.
نفي المفاجأة
لا تحتمل الخطوة الإماراتية تفسير المفاجأة، فهذه كانت مما هو معروف في القنوات السياسية الخلفية، وكانت مما هو متداول في المجالس البينية، وكانت أيضاً، مما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي ابن عمنا الجديد، في مناسبات عديدة، وفي فترات متقاربة ومتباعدة. هذا في الجانب المعلوماتي، أما من جانب قراءة السياق السياسي العام، الذي يحيط بمنطقة الخليج العربي عموماً، فإن استبدال الهمّ الصراعي مع إسرائيل، أو تنحيته، والانصراف إلى الهموم الإيرانية ونزعاتها التوسعية والتثويرية، هذه القراءة المتعددة الجوانب، ما كان لها، وفي ظل الأوضاع المعلومة، إلاّ أن ترجّح فرضية اللقاء مع الذي كان عدواً، ومن خلال استخدام مبررات قومية فلسطينية. 
هكذا قدمت الإمارات مسألة الاعتراف بإسرائيل، وإعلان السلام معها، في صيغة خدمة للدولة الفلسطينية الموعودة، التي كان قيامها مهدَّداً بإجراءات ضم الضفة الغربية المحتلة، وهو ما جرى تعليقه من قبل الساسة الإسرائيليين، مع العلم، أن أحداً من هؤلاء لم يعلن إلغاءه، فقد يكون لقرار الإلغاء هذا، ثمن سياسي اعترافي إضافي، من قبل دولة عربية أو أكثر، خليجية كانت تلك الدولة، أم من خارج إطار الخليج الجغرافي.
الإمارات طليعة
لن يقع في الظن إقدام دولة الإمارات على سياستها السلامية من دون علم الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، والعلم بالشيء من قبل المملكة، هو القبول بالسياسة من جوانب شتى. لذلك لنا أن نتوقع أن تكرّ حبات عقد الاعتراف بإسرائيل، والذهاب إلى بناء مسار سلام ومصالحة معها. هذا التوقع، الذي بات في مرمى نظر الحسابات الواقعية، وليس بعيداً عن منال التأكد من خلاصات مراجعتها، صار محالاً إلى عامل الوقت الذي لا بدّ منه، للوصول إلى تعيين ساعة الصفر السلامي. 
لا يخفى أن الوقت المشار إليه، ليس زمنياً ميتاً، بل هو زمن حيوي واقعي متدفق، وهو زمن سياسات ومناورات وجسّ نبض متبادل، بين الدول العربية المرشحة لفتح باب الخطوات "التاريخية"، مع الذي كان عدوها التاريخي، وبين الكيان الذي لم يقل حتى الآن، كيف سيكون كياناً طبيعياً في المنطقة، من مدخل تعريفه لهويته وكينونته، ومن مدخل تعريفه للشعب الفلسطيني، صاحب الأرض، والذي وقع عليه عبء "النفي" من التاريخ، وعبء التشريد والطرد من الجغرافيا.
وفي مراقبة السياق الذي يسيل فيه الوقتُ، تشير كل المعطيات المتوفرة، وتلك المتوقعة، إلى أن السالكين في دروب السياق، يتجهون صوب محطة جديدة في تاريخ المنطقة، محطة انتظار سيكون فيها الإسرائيلي، ومعه جمع من "العرب" الذين التقطوا باكراً "حسّ" التاريخ، فاستجابوا له، من مصر "كامب ديفيد"، إلى أردن "وادي عربة"، إلى دولة إمارات لا نعلم الآن ما اسم المكان الذي ستوقع فيه اتفاقها، فتعرف بعدها باسمه. لا استعجال في الأمر، لكن إذا عدنا إلى الربط بين السياسات المتفرقة لدول الخليج، وإلى واسطة عقدها الأساسي، سياسة المملكة العربية السعودية، سيكون ممكناً القول، إن المداد الأساسي لسطور الصفحة التاريخية الجديدة، سيكون من قلم التوقيع السعودي، الذي له وقته الخاص، وتوقيته المدروس بدقة، وثمنه المحدد بعناية فائقة.
المسؤولية الإيرانية
لقد أدّى الجموح الإيراني دوراً مفصلياً في دفع الأمور في الخليج، وفي باقي الدول العربية، إلى ما وصلت إليه. إن تصدير "الثورة" لم يكن فعلاً ثورياً، إذ متى كان لصيغة مذهبية غيبية، أن تكون رافعة نهوض مجتمعي، وجسراً للتواصل مع قوميات وأمم أخرى. لقد أسهمت التوسعية الإيرانية في تغذية استشعار الخطر الوجودي الكياني، من قبل كل دولة عربية استهدفتها الطموحات "الإسلامية" لإيران، وكان من شأن ذلك أن يدفع الشعور القومي العربي الواهن أصلاً، خطوات إلى الخلف، ليحل محله هاجس الدفاع عن الوطنية الدولتية المفردة، والسعي إلى مدّ ونسج شبكة سياسات أمان حول الوطنيات المهددة بتقويضها من داخلها، ودائماً على حاملة تغذية النزعات المذهبية، داخل إطارها الوطني...
انسجاماً مع هذه المقاربة، ودفعاً لها حتى نقطة راهنة قصوى، يمكن القول إن الخطوة الإماراتية قد قالت لإيران، وبالصوت العالي، ها قد أتينا بإسرائيل إلى مجالكم الحيوي، وإن سياسات الدفاع عن النفس لن تتوقف عند حدود مزايدة قومية عربية ولّى زمانها، أو عند حدود مزايدة ثورية غير عربية، انكشفت أهدافها، وبان سعيها الواضح إلى تكريس دورها كشرطي في الخليج، مثلما كانت الحال مع إيران ما قبل انقلابها "الإسلامي" على حكمها الإمبراطوري.
إعادة نظر لغوية
يقع على عاتق من قال بالقومية عبء شرح ماذا حلَّ بقوميته، وسيكون "المقاوم" الذي كان مناضلاً، مطالباً بتقديم رؤيته حول تجربته السلاحية، وحول خلاصة رحلته السلامية أيضاً. لن ينفع في مقام المراجعة، الصراخ الثوري، ولن تفيد صيحات التخوين، أما دعوات تصعيد الكفاح، والصمود والتصدّي، فساقطة سلفاً. من أراد شاهداً على ما ورد أعلاه، يستطيع، وبجهد قليل، مراجعة كل التاريخ العربي الذي تلا احتلال فلسطين من قبل "شقيقتنا" الحالية، إسرائيل.
سيكون متاحاً للجميع اعتماد مخاطبة التاريخ الآتي، وسيكون المجال مفتوحاً أمام كل إعلانات الإرادة التي لا تفعل شيئاً راهناً، وسيظل المقياس الراجح سماع الصوت الفلسطيني في الداخل أولاً، فقد يكون ممكناً بناء بعض الشيء على هذا الصوت الآتي من بعيد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها