الأربعاء 2020/07/22

آخر تحديث: 16:14 (بيروت)

أمراء الحرب وتجارها يسيطرون على برلمان الأسد

الأربعاء 2020/07/22
أمراء الحرب وتجارها يسيطرون على برلمان الأسد
© Getty
increase حجم الخط decrease
يُقال إن أول من هتف بشعار "إلى الأبد يا حافظ الأسد" كان الراحل محمد ذياب الماشي، شيخ عشيرة البوبنة في شرق حلب، عندما عقد مجلس الشعب دورته الأولى في زمن الرئيس الراحل، فرد عليه حافظ الأسد بالقول: "وأنت أيضاً إلى الأبد".

وبالفعل، حافظ الماشي على مقعده في البرلمان السوري حتى وفاته عام 2009 عن 94 عاماً، لكن في أحد تصريحاته أشار الماشي إلى أنه من مواليد 1922 وليس 1915 كما هو مسجّل في البيانات الرسمية، وأنه اضطر لتزوير تاريخ ميلاده ليتمكن من دخول البرلمان للمرة الأولى عام 1954، وعليه فقد حظى بلقب عميد البرلمانيين في العالم، وبعد رحيله ورث ابنه محمد مقعد والده في المجلس النيابي، بينما خلفه الشيخ عبد العزيز الملحم في رئاسة الجلسة الافتتاحية للبرلمان باعتباره النائب الأكبر سناً.

ومع بلوغ الأخير اليوم سن الرابعة والتسعين، وجد نفسه وللمرة الأولى أيضاً خارج مجلس الشعب في تطور مفاجئ للكثيرين، ليكون خروجه إحدى العلامات الفارقة في نتائج انتخابات البرلمان الأخيرة التي أجريت في 20 تموز/يوليو الجاري.

لا يعني ذلك أن النسخة الجديدة من مجلس الشعب تحمل طابع جيل الشباب، إذ لم يحظَ نجل الملحم، الشيخ نواف، وهو أحد أبرز قادة المصالحات في محافظة حمص، حيث تنتشر عشيرة الحسنة من قبيلة عنزة، بمقعد والده، واكتفى بعضوية اللجنة الدستورية عن وفد النظام، بل يعني تعزيز حضور قادة الميليشيات العسكرية التابعة للنظام وأثرياء الحرب في المجلس الجديد.

وحسب النتائج التي أعلن عنها النظام، فقد فاز نحو عشرين من قادة هذه الميليشيات والضباط السابقين في الجيش بعشرين مقعداً، أبرزهم باسل سويدان قائد كتائب "البعث" في اللاذقية، وشقيق قائد الفرع السوري ل"حزب الله" اللبناني، وعمر حسن القيادي في "لواء الباقر" المدعوم من إيران، وحسن بري قائد أبرز ميليشيا الشبيحة في حلب.

عسكرة البرلمان بدا توجهاً واضحاً بشكل مبكر، تماشياً بطبيعة الحال مع عسكرة المجتمع التي يكرسها النظام منذ العام 2012، حيث التقى رئيس النظام بشار الأسد بممثلين عن المحاربين القدامى، وهم الضباط المتقاعدون من الجيش، قبل الانتخابات، وحثّهم على التقدم بترشيحات للمجلس، كما كان لافتاً ترشح غالبية قادة الميليشيات الداعمة للنظام عن دوائرهم رغم عدم فوز جميع المترشحين عن هذه الفئة، كما ساهم سماح الدستور للعسكريين بالمشاركة في الانتخابات منذ عام 2012 بتعزيز هذه التوجه، ناهيك عن إسهامه بزيادة نسبة المشاركة في التصويت التي بقيت متدنية جداً مع ذلك، ولم تتجاوز العشرة بالمئة حسب معظم التقديرات، بينما قال وزير العدل في حكومة النظام إن النسبة تجاوزت ال33 في المئة.

وإلى جانب ما يشكله فوز العديد من تجار الحرب بعضوية البرلمان الجديد من مؤشر عن تكريس طبقة جديدة من رجال الأعمال في سوريا، فإن خروج خمسين في المئة من الأعضاء السابقين من البرلمان، ومعظمهم من طبقة التجار والصناعيين، يشير أيضاً إلى أن الفيتو الروسي على أسماء كبيرة سابقة وضرورة إخراجها من الأضواء، باعتبارها غير مقبولة شعبياً بسبب فسادها الذي لم يعد بالإمكان تغطيته، ناهيك عن أنها مشمولة بالعقوبات الغربية، يبدو حقيقياً بالفعل.

كان أبرز هذه الاسماء الصناعي الدمشقي المعروف محمد حمشو، بالإضافة إلى رجل الأعمال الحلبي فارس شهابي، وكلاهما من رجالات النظام المقربين من عائلة الأسد، التي لم تمانع في استبدالهما بشخصيات من الطبقة ذاتها، بل ربما كانت فرصة للنظام من أجل توسيع دائرة المحظيين من هذه الطبقة التي اتسعت خلال السنوات السابقة وبات ملحاً إرضاء الجميع.

وإضافة إلى حسام قاطرجي، فاز عدد آخر من رجال الأعمال بعضوية مجلس الشعب في دورته الثالثة وفق الدستور الجديد الذي أقر عام 2012، وأبرزهم بلال نعال وعمر خيتي وسامر الدبس وهمام مسوتي من دمشق، والآن بكر ومحمد قلعجي من حلب، وعمار الأسد عن اللاذقية، وبديع دوربي من حمص.

تغيّر نسبة ممثلي الطوائف كان أحد أبرز الملامح المهمة في توزع مقاعد البرلمان الجديد أيضاً، حيث ارتفعت نسبة العلويين الفائزين بمقاعد في البرلمان إلى الخمس، بعد وصول 39 من الطائفة إلى المجلس للمرة الأولى، حسب ما رصدته دراسة أمريكية نقلتها صحيفة "الشرق الأوسط" الأربعاء، بينما ذهب 171 للسنة، و23 للمسيحيين، وخمسة مقاعد للشيعة.

وكان لافتاً فوز شيعيين اثنين من المرشحين عن محافظة إدلب للمرة الأولى، يمثلان البلدتين الشيعيتين في ريف المحافظة، كفريا والفوعة، اللتين باتتا فارغتين اليوم من سكانهما، بموجب اتفاقية التهجير المتبادل التي عرفت باتفاقية المدن الأربع الموقعة عام 2017، بالإضافة إلى استمرار تمثيل شيعة دمشق بمقعد وشيعة حلب بمقعد آخر، في الوقت الذي يحسب فيه الكثيرون القيادي في "لواء الباقر" عمر حسن على الشيعة، باعتباره من المتشيعين الجدد في حلب.

الأمر الآخر المثير للانتباه في نتائج هذه الانتخابات، هو توظيف النظام للوصفة الطائفية القديمة التي استخدمها منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، ولكن مع تطويرها بما يتناسب واحتياجات المرحلة، التي تتطلب إرضاء فئات وقطاعات باتت متعددة أكثر من أي وقت مضى، وعليه فقد وجد النظام ضالته في اختيار الأشخاص الذين يجمعون بين مزايا متعددة لمنحهم مقعداً في البرلمان، ولذا كان قادة ميليشيا من الأقليات أو العشائر أو الأثرياء هم الأكثر حظاً بالفوز بهذا السباق.

لم يعلّق النظام على الاستياء الكبير الذي عبر عنه عدد من المرشحين غير الفائزين بهذه الانتخابات، وبينهم أسماء بارزة كفارس الشهابي والفنان بشار اسماعيل والسياسية الكردية بروين ابراهيم، بل ربما رأى أن هذه الاعتراضات ضرورة ديكورية لإظهار مساحة من حرية التعبير في سوريا، بينما يتجاهل بكل إصرار الانتقادات الدولية الواسعة لهذه الانتخابات، ما يشير مجدداً إلى عدم اهتمامه بأي حل سياسي على المستوى المنظور.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها