الجمعة 2020/06/05

آخر تحديث: 15:44 (بيروت)

مينيابوليس.. ميدان التحرير الأميركي

الجمعة 2020/06/05
مينيابوليس.. ميدان التحرير الأميركي
© Getty
increase حجم الخط decrease
أعلن الناشط من أجل الحقوق المدنية القس آل شاربتون في حفل تأبين جورج فلويد، الأميركي الأسود الذي تسبب شرطي بوفاته خلال اعتقاله، أن الوقت قد حان لمحاسبة الشرطة، قائلاً: "ارفعوا ركبكم عن أعناقنا".

وقال القس المعمداني خلال حفل التأبين الذي أقيم في جامعة نورث سنترال في مينيابوليس، حيث توفي فلويد في 25 أيار مايو، "لقد غيرت العالم يا جورج". وأضاف "أميركا، هذا هو الوقت للتعامل مع المحاسبة في نظام العدالة الجنائي".

وتشهد الولايات المتحدة تظاهرات مستمرة منذ أكثر من أسبوع، احتجاجا على وفاة فلويد الذي تم توثيق فيديو لحادثة قبض شرطة مدينة مينيابوليس عليه، ثم ركوع الشرطي الأبيض ديريك تشوفين على عنقه حتى لفظ أنفاسه. ولم تشهد الولايات المتحدة مثل هذه الموجة من الاضطرابات منذ اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ عام 1968.

وخلال حفل التأبين وقف الحضور 8 دقائق و46 ثانية صمت، وهي المدة التي ضغط فيه تشوفين بركبته على رقبة فلويد، بينها دقيقتان و53 ثانية توقف فيها جسده عن الحركة.
واستمرت التظاهرات المنددة بمقتل جورج فلويد في عدد كبير من الولايات الأميركية وفي العاصمة واشنطن قرب البيت الأبيض، لكن رقعة العنف انحسرت بعد تدخل الحرس الوطني في عدد من الولايات، إضافة إلى استدعاء قوات الجيش الموجود في الخدمة إلى واشنطن، وتهديد الرئيس دونالد ترامب باستخدام الجنود المدججين بالسلاح.

مجلة "فورين بوليس" وفي مقال بعنوان: "نعم، لافاييت هي ميدان التحرير"، سألت "هل مينيابوليس هي سيدي بوزيد التونسية، مهد الربيع العربي الذي انطلق عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه؟".

وتقول المجلة إن "مينيابوليس ليست سيدي بوزيد، لكن انتفاضات الربيع العربي خصوصاً في تركيا ومصر والرد الذي استدعته من تلك الحكومات توفر منظاراً مفيداً لفهم الأزمة الأميركية الحالية". وأضافت أن "المؤسسات السياسية والاقتصادية وتاريخ مصر وتركيا يختلفان كليا عن الولايات المتحدة، كذلك الشبكات المعقدة من المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أثارت انتفاضات كل منها. لكن أوجه التشابه بين الحراكين بناءة".

في ميدان التحرير في مصر في أوائل عام 2011 وفي متنزه "غيزي" في إسطنبول بعد ذلك بعامين، أعرب المتظاهرون عن غضبهم من وحشية الشرطة، والرأسمالية والمحسوبية، والفساد، وغطرسة رجال السلطة، والتلاعب بالسياسة، وتهميشهم الجماعي. استوحى المتظاهرون في مصر الذين نزلوا إلى ميدان التحرير، جزئياً، من ذكرى خالد سعيد، وهو شاب ضُرب حتى الموت على يد الشرطة في الإسكندرية في حزيران/يونيو 2010.

إن التشابه الأكثر وضوحاً بين الشرق الأوسط والاحتجاجات التي تحدث في جميع أنحاء الولايات المتحدة هو بين وفاة فلويد وسعيد. ولكن سيكون من الخطأ التوقف عند هذا الحد. والواقع أن أوجه الشبه أعمق وأعمق.

في كلتا الحالتين، كان المصريون والأتراك مرهقين وغاضبين من أن المؤسسات السياسية للدولة والأنظمة الاجتماعية السائدة قد اجتمعت لسرقة كرامتهم. لقد تُركوا عاجزين حتى أدت بعض التطورات غير المتوقعة إلى خروجهم إلى الشوارع بأعداد كبيرة بما يكفي ليشعروا بالأمان عند المطالبة بالتغيير. لقد كشف البوعزيزي الذي استشهد ذاتياً وسعيد المذبوح ووحشية شرطة مكافحة الشغب في إسطنبول شيئاً في الوعي الجماعي للتونسيين والمصريين والأتراك، مما حفز الناس على التحرك. في كل حالة ردت الدولة بالعنف.

وبحسب "فورين بوليسي"، يجب أن يكون هذا مألوفاً لدى الأميركيين الآن. عندما نسمع عن كثب ما يقوله من يملكون الشجاعة الكافية للاحتجاج في هذه اللحظة في الولايات المتحدة، نرى أنهم يطالبون بمطالب مماثلة لمطالب نظرائهم الشجعان الذين هتفوا في الميادين الشهيرة في الدول العربية وتركيا منذ عقد من الزمن.

شعار "حياة السود مهمة" لم يكن سوى طلب للكرامة. كمجتمع، اضطر الأميركيون السود إلى مواجهة مجموعات متنوعة من الأمراض الموجودة في المجتمع الأميركي، والتي تظهر في أكثر صورها بشاعة في قتل الأبرياء على أيدي عناصر الشرطة الذين لا تتم محاسبتهم على جرائمهم، تماما مثل الشرطة في الشرق الأوسط.

وتضيف "فورين بوليسي" أن "الوحيدين الذين لا يستطيعون فهم عدالة المطالب المتمثلة بتجنب هذه اللامساواة، هم المستفيدون من الوضع الفاسد في أميركا وتآكل مؤسساتها وعسكرة الشرطة وتجريم الملونين بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي. هذا العمى داخل الطبقة السياسية الأميركية وبين الأميركيين البيض جعلهم على شاكلة النخب المصرية".

ماذا يقول هذا عن الولايات المتحدة وسياستها الخارجية؟ تجيب الصحيفة: "هناك نقاش جانبي يحدث بين بعض محللي السياسة الخارجية حول ما إذا كان المشهد العنيف في الشوارع الأميركية يسلب الولايات المتحدة أي مصداقية للتحدث عن حقوق الإنسان في البلدان الأخرى. نعم هو كذلك. كيف يمكن أن نثير اعتراضاً على معاملة (فتاة غيزي في الفستان الأحمر)، التي اشتهرت برش الفلفل عليها من مسافة قريبة، عندما يفعل ضباط الشرطة الأميركية الشيء نفسه؟".

وتضيف "لا توجد أرضيات أخلاقية عالية حول حرية الصحافة عندما نرى على الهواء عمر جيمينيز من سي.إن.إن، يتلقى رصاصة حية وهو يقوم بعمله في مينيابوليس، أو عندما يقوم ضابط شرطة أميركي بلكم صحافي أسترالي على وجهه وهو على الهواء على بعد مرمى حجر من البيت الأبيض. إن كلماتنا حول حالة سجون مصر أو تركيا تكون محل مساومة عندما تسجن الولايات المتحدة عدداً من الناس أكثر من أي مكان آخر في العالم، ومعظمهم من الرجال السود".

وتختم الصحيفة قائلةً: "كان من المعتاد أن يعبر المحللون في الشرق الأوسط عن غضبهم من سلوك أميركا في المنطقة لكنهم أحبوا الولايات المتحدة بسبب مبادئها ومثلها العليا ومؤسساتها. لم نعد نسمع ذلك. لذا، نعم، هناك اختلافات في الاحتجاجات لكن تلك الاختلافات ليست كثيرة على عكس ما يخبر الأميركيون أنفسهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها