الجمعة 2020/05/15

آخر تحديث: 17:20 (بيروت)

إغراءات أميركية..لا تبعد روسيا عن إيران في سوريا

الجمعة 2020/05/15
إغراءات أميركية..لا تبعد روسيا عن إيران في سوريا
إيران تنشر صواريخ داخل مطار دمشق الدولي (تويتر)
increase حجم الخط decrease
خلط جديد شهدته الأوراق العسكرية، وتشابك آخر دخلته الأزمة السورية مع التطورات المتسارعة التي شهدتها الأيام الأخيرة الماضية، ما يشي بزيادة حدة التجاذب بين محاور الصراع والقوى الرئيسية المؤثرة فيه.

على نحو متدرج تصاعد الحديث منذ نهاية نيسان/أبريل الماضي، وكما لم يحدث من قبل ربما، عن توافق روسي-أميركي-إسرائيلي حيال الوجود العسكري الإيراني في سوريا، استناداً إلى  معطيات، كان في مقدمتها تنفيذ وحدات إيرانية أو ميليشيات تابعة لإيران، عمليات إعادة انتشار وانسحاب من بعض المواقع في محافظة دير الزور على وجه الخصوص، وتسليم بعض النقاط التي تم اخلاؤها الى ميليشيات محلية مرتبطة بروسيا، كميليشيا صقور الصحراء ولواء القدس.

إيران في حضن روسيا
بدا أن ذلك مرتبط بالتصعيد الأميركي-الإسرائيلي الذي تجدد الأسبوع الماضي ضد مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، حيث شُنت هجمات جوية عنيفة شرق دير الزور وجنوب حلب، ليعود الحديث مجدداً، لدى المعارضة والموالاة على نحو سواء، حول دور منظومة الدفاع الجوية الروسية "إس-300" في سوريا، والأسباب التي تقف خلف عدم تفعيلها للتصدي لمثل هذه الهجمات، الأمر الذي عاد واعتبره الكثيرون، مؤشراً قوياً على تواطؤ روسي مع واشنطن وتل أبيب ضد طهران، وعزز بقوة فرضية الصراع الروسي-الإيراني على النفوذ في سوريا.

لكن فجأة، وفي 6 أيار/مايو، حطت طائرة شحن إيرانية في قاعدة مطار حميميم الجوية الروسية شمال غرب سوريا.. تكتمت موسكو وطهران على الحدث الذي لم يكن ممكناً إخفاؤه على أي حال، لتنشر وزارة الدفاع الروسية تسجيلاً مصوراً في التاسع من هذا الشهر، يظهر لحظة هبوط الطائرة الإيرانية في "حميميم"، مدعية أنه كان تغييراً في المسار على نحو طارئ، تخوفاً من استهداف إسرائيل لمطار دمشق الدولي.

كان التبرير متهافتاً، بالقدر نفسه الذي كان فيه الحدث مفاجئاً، لكن ومع ذلك لم تعلق أي من الأطراف على هذا التطور، الذي بدا مجرد بالون اختبار، كانت نتائجه مشجعة لطهران وموسكو، مع الصمت والتجاهل الأميركي-الإسرائيلي الظاهر، لتعود القاعدة الجوية الروسية، وتفتح أبوابها مرة ثانية أمام "الحليف اللدود"، حيث هبطت طائرة إيرانية أخرى في حميميم في 13 أيار.

مؤشرات أخرى
وبينما كان طيف واسع من المعارضة يحتفي بأنباء الانسحاب أو التخفي الإيراني تحت وقع الضربات الجوية الأميركية-الإسرائيلية، جاءت الأخبار من البادية تتحدث عن تجمع الميليشيات الإيرانية -التي غادرت منطقة دير الزور- بالقرب من مدينة تدمر الصحرواية، التي تعتبر منذ نهاية العام 2017، تاريخ طرد تنظيم "داعش" منها، منطقة نفوذ روسي.. التمركز الإيراني الجديد هناك ورغم أنه قد يُبرّر بتصاعد هجمات "داعش" فيها مؤخراً، فإن هذا التبرير بحد ذاته يعتبر تأكيداً على استمرار حاجة الروس للإيرانيين في سوريا، بالنظر إلى ضعف القوات البرية السورية وترهلها.

كذلك أظهرت صور وضعها صحافي أميركي، الخميس، على حسابه في موقع "تويتر"، قيام إيران بنشر صواريخ أرض-جو ورادارات في محيط مطار دمشق الدولي، حيث تتخذ الميليشيات التابعة لها من أحد أبنيته (المبنى الزجاجي المقاوم للضربات الجوية) مقراً لقيادة عملياتها في سوريا..تطور آخر لم يكن ليمر حتماً من دون إرادة الروس، أو بتغاضيهم على الأقل.

وسواء أكان ذلك برضى روسيا أو تشجيعها أو تغاضيها، فلا فرق طالما أن الرسالة واضحة، وهي نسف كل ما بني على افتراض الصراع الروسي-الإيراني في سوريا، الذي يرى الباحث السوري المعارض عباس شريفة أنه كان مبالغاً في تقديره، إذ أن خلاف الطرفين وتنافسهما لم يعنِ أبداً اختلافهما وبلوغ ذلك مستوى الصراع.

تقديرات المعارضة
ويضيف شريفة تعليقاً على تلك التطورات، أن "روسيا تعود لاستعمال الورقة الإيرانية من جديد، والمناورة بها للضغط على  الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل دفعهما للموافقة على تأهيل نظام الأسد وفك الحصار عنه".

وحسب شريفة، فإن المقاربة الروسية للحل السياسي تقوم على إشراك صوري لمعارضة معتدلة في الحكم مع النظام، مقابل فك الحصار عن دمشق والانفتاح السياسي على النظام، واعتبار هذا الحل تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 2254، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة وإسرائيل، وتشترطان تقنين الوجود الإيراني في سوريا بصورة لا يهدد أمن تل أبيب.

ويضيف شريفة إلى ما سبق من مؤشرات الضغط الروسي على الغرب باستخدام ورقة إيران، التصعيد الأخير في درعا، حيث يرى أن "روسيا تغض الطرف عنه أيضاً"، وهو ما تريده طهران المتحفزة لفرض هيمنة كاملة على الجنوب، لم تمكّنها شروط التسوية التي ضمنتها روسيا من تحقيقها، وكذلك أيضاً الصور المسربة لنشرها رادارات وصواريخ أرض-جو بالقرب من مطار دمشق الدولي.

لكن ضابطاً منشقاً عن جيش النظام، وهو خبير في أنظمة الصواريخ والدفاع الجوي، قلّل من أهمية ما أظهرته صور الصحافي الأميركي والتي قال إنه حصل عليها من هاتف عنصر في إحدى الميليشيات العراقية المدعومة من إيران في سوريا.

الخبير الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد ل"المدن"، أن المنظومة التي تظهرها الصور قديمة أولاً، ولا يمكن أن تحدث فارقاً مع غياب معدات التشويش، كما أن المبنى الزجاجي الذي أشار إليه الصحافي مسرب الصور هو مبنى قديم سابق على الوجود الإيراني هناك، وسبق أن استهدف من قبل بقصف تسبب بتدمير الطابق السادس منه بشكل كامل، مشيراً أيضاً إلى أن إيران لم تعد تعتمد منذ وقت طويل على المطارات السورية في نقل العناصر والمعدات.

لكن الخبير ذاته اعتبر أن التصعيد الأخير في درعا والحشود العسكرية المتتالية التي ترسلها قوات النظام والميليشيات الإيرانية إلى غرب حوران، تعتبر مؤشراً جدياً على وجود ضوء أخضر روسي هناك، وهو ما يمكن اعتباره دليلاً بالفعل على أن التحالف الروسي-الإيراني في سوريا بحالة انسجام، بمواجهة التصعيد الأميركي.

وكان المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري قد أعاد التأكيد في تصريحات جديدة له، الجمعة، على أن "الولايات المتحدة ستواصل وجودها العسكري في سوريا، وأن هدف واشنطن هو جعل الحرب في سوريا طريقا مسدوداً بالنسبة لروسيا" مضيفاً "سياستنا تتمثل بالضغط على أعدائنا في المنطقة".

ويبدو هذا الموقف الاميركي الحاد كردٍ على التحدي الإيراني الروسي الاخير، وهو يطوي محاولة واشنطن تحييد الروس واستقطابهم إلى نقطة التقاء بعيداً عن الأسد وإيران، بعدما تبين أن العرض لا يغري موسكو بما يكفي لجعلها تتخلى عن حليفيها، حتى الآن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها