الخميس 2020/02/27

آخر تحديث: 14:26 (بيروت)

البطاقة الذكية..باب احتيال وفساد ضاعف معاناة السوريين

الخميس 2020/02/27
البطاقة الذكية..باب احتيال وفساد ضاعف معاناة السوريين
© Getty
increase حجم الخط decrease
في ظل الغضب والتذمر الشعبي من نقص المواد الأولية والمحروقات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، تعمل السلطات على إيهام المواطنين بتأمين جميع احتياجتهم من تلك المواد، وبحرصها على توزيعها بشكل عادل ويمنع السرقات والمحسوبيات في التوزيع. 

حكومة النظام طرحت مشروع البطاقة الذكية وأدرجت ضمنها المحروقات، أي الغاز والبنزين والمازوت، إضافة إلى سلة غذائية تحتوي: سكر وشاي وأرز. إلا أن هذا المشروع جعل الحصول على تلك المواد أكثر تعقيداً، ليبدو أن هذا المشروع ليس إلا غطاء لعجز النظام عن تأمين تلك المواد.

ومن المشاكل التي تواجه تطبيق هذا المشروع: الأخطاء التقنية التي ترتكبها الجهات المسؤولة عن التوزيع، حيث لا يحق للمواطن أخذ المواد المدرجة في البطاقة من دون أن يقوم بإبراز الرسالة النصية التي من المفترض أن يتم ارسالها إليه عن طريق الموبايل شهرياً؛ لكن يبدو واضحاً أن هناك خللاً بآلية إرسال الرسائل، حيث تم ارسال أكثر من رسالة لبعض العائلات في الشهر ذاته، بينما لم يتم ارسال أي رسالة لبعض العائلات على الإطلاق، والبعض أرسلت لهم رسالة واحدة فقط خلال ثلاثة أشهر. 

هذا الأمر خلق نوعاً جديداً من الفوضى في التوزيع وحرم عدداً كبيراً من العائلات من حصصهم الشهرية، ليجدوا أنفسهم مرغمين على شراء احتياجاتهم من المحروقات بأسعار خيالية من السوق السوداء، التي يدعي النظام بأنه أوجد الحلول لمحاربتها.

ورغم أن المواطنين المتضررين تقدموا بشكاوى إلى الجهات المسؤولة، إلا أن هذه الشكاوى لم يتم التعامل معها بجدية، ولم تتخذ الحكومة أي إجراءات لايجاد حلول أو لتعويض المتضررين. 

وقال مصدر مطلع من دمشق ل"المدن"، إنه عندما يذهب المواطن إلى مراكز التوزيع ويشتكي من عدم استلامه رسالة البونات لمدة تتجاوز الشهر، يتم إلقاء اللوم على المواطن واتهامه بتعبئة معلوماته الشخصية بشكل خاطئ في بيانات البطاقة الذكية، أو تعبئة رقم هاتفه بشكل خاطئ، ويطلب منه إعادة تعبئة بياناته عن طريق تطبيق خاص بالبطاقة الذكية على الهواتف الذكية، أو عن طريق الموقع المخصص على الانترنت. 

وأضاف أن التطبيق يعمل بشكل رديء، ولا يمكن استكمال عملية إعادة تعبئة المعلومات من خلاله. أما الموقع، فإن آلية تعبئة البيانات فيه متوقفة عن الخدمة. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من المواطنين إلى التقاط صور للموقع، توثق توقف الخدمة فيه، ونشروا هذه الصور على مواقع التواصل الاجتماعي ليطالبوا بتدخل الحكومة وايجاد حل؛ لكن الجهات المعنية لم تكترث ولم تتعهد بإصلاح تلك العيوب التقنية.

وما يزيد الطين بلة أن غياب الرقابة من قبل أجهزة الدولة على عمليات التسليم، فتح الباب أمام الاحتيال والتلاعب من قبل بعض الموزعين، الذين استغلوا جهل بعض الناس وخاصة الكبار في السن بالوسائل التقنية. وقال مصدر ل"المدن" من مدينة دمشق، إن "بعض المتعهدين المعينين من قبل الجهات الرسمية للتوزيع، يطلبون من سكان منطقتهم التحقق من بطاقتهم الذكية بصفة رسمية عن طريق إدخالها بالجهاز الخاص بهم ليتأكدوا بأنهم يتبعون لمنطقتهم الإدارية بالتوزيع، وما أن يتم ادخال البطاقة بالجهاز يسجل رسمياً في ملفات الدولة أن المواطن قد تسلم حصته الشهرية من المواد المدرجة، من دون أن يكون قد تسلمها فعلياً، وهو الأمر الذي يجعل هؤلاء المتعهدين يستفيدون في ما بعد من حصص هؤلاء المواطنين وبيعها في السوق السوداء".

ولم تحدّ البطاقات الذكية من التوزيع غير العادل للموارد، فلا تزال المحسوبيات والوساطات تلعب دوراً رئيسياً في عمليات التوزيع، حيث أن البعض يستغلون الاستثناءات القانونية لتعبئة  كميات مضاعفة من الوقود، ولا سيما تلك الاستثناءات التي شملت السيارات المسافرة عبر المحافظات السورية، وهو ما أدى لاستلام المحطات كميات مضاعفة من الوقود تبيعها في السوق السوداء على حساب مواطنين آخرين.

وبالإضافة لهذه الفوضى، التي ساهمت التكنولوجيا بزيادتها بدلاً من الحد منها، لم تقم حكومة النظام السوري بحل المشكلة الرئيسية، والتي تتمثل بشح الموارد، فالعديد من الأسر التي تسلمت رسائل تدعوها لتسلم مخصصاتها، راجعت مراكز التوزيع، وكانت تلك المراكز تعاني من نقص في المواد، فيما طوابير المواطنين أمام هذه المراكز، تؤكد فشل النظام "الذكي" كلياً.

حتى إذا حصلت العائلة على حصتها، فإن الحصص الشهرية الموزعة من قبل الدولة لا تكفي العائلات السورية، إذ أن الكميات المخصصة للفرد الواحد في الشهر من المواد المدعومة عبر البطاقة الذكية، هي 1 كيلو غرام من السكر و1 كيلو غرام من الرز و200 غرام شاي، على ألا تتجاوز الكمية الإجمالية 4 كيلو سكر و3 كيلو أرز و1 كيلو للشاي للأسرة مهما كان عدد أفرادها. 

أما المحروقات فهي 200 ليتر من المازوت كل ثلاثة أشهر وجرة غاز واحدة كل 23 يوم؛ وهو ما يعني أن المواطنين السوريين بأحسن الأحوال مجبرون على التقشف وشراء ما ينقصهم من مواد من السوق السوداء. ناهيك عن كون حكومة النظام جردت العازبين الذين لا يمتلكون دفتر عائلة من حقهم بالحصول على البطاقة الذكية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها