الأحد 2020/02/23

آخر تحديث: 17:16 (بيروت)

الجزائر 2019: من الحراك إلى الانتخابات

الجزائر 2019: من الحراك إلى الانتخابات
© Getty
increase حجم الخط decrease
مع نهاية سنة 2018، كانت العهدة الرابعة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أوشكت على نهايتها، ومع ذلك لم تظهر أي بوادر تفيد أن السلطة الفعلية التي تحكم الجزائر لديها النية أو الرغبة في تغيير نهجها في تسيير الأزمة السياسية التي كانت تتهدد البلاد، نظراً إلى حالة الرئيس الصحية، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية التي تفاقمت مع انهيار أسعار المحروقات.

ويتناول تقرير صار عن وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسية بعنوان: "الجزائر 2019: من الحراك إلى الانتخابات"، الأسباب التي أدت إلى الحراك في الجزائر قبل أن تنجح في قلب الموازين والإطاحة بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وبحسب التقرير، سادت شكوك لدى أوساط واسعة في أنّ الرئيس لا يحكم وأنّ ثمة من يحكم بإسمه، وجرت التغطية على هذا الواقع بتمجيد مصطنع ومبالغ فيه لشخص الرئيس. وشهدت البلاد حالة إحباط غير مسبوقة منذ العشرية السوداء في ظل تداخل غير مسبوق بين رجالات السلطة ورجال المال والأعمال عنوانه الفساد.

راهن النظام في ضمان الصمت الشعبي على التخويف من أنّ أي محاولة للتغيير ستؤدي بالجزائر إلى وضع مشابه لسورية واليمن وليبيا. وكان هذا التخويف مقترنًا بزيادة حجم برامج الدعم الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يهدف إلى كسب دعم الشرائح الاجتماعية الأشد فقراً وتأييدها، معززًا نهجه بصفته نظاماً ريعياً يستمد بقاءه عبر "شراء السلم الاجتماعي".

من الناحية الاقتصادية، شهدت الجزائر في سنة 2018 صعوبات اقتصادية؛ فاحتياطيات الصرف كانت تتآكل بسرعة، والميزانية تعاني حالات عجز فادحة. مع ذلك، بقي النظام مصراً على مقاربات غير ناجعة زادت الوضع سوءاً؛ حيث كانت السلطة تعتمد على دورة ريع بدائية وبسيطة، تعتمد كلياً على مداخيل البلاد من النفط. 

لهذا عندما انهارت أسعار النفط، دخل النظام في أزمة اقتصادية حادة، لجأت السلطة في مواجهتها إلى رفع الضرائب على العديد من السلع الضرورية، وممارسة سياسة تقشفية صارمة، خاصة في القطاعات التي تمس الفئات الهشة، وتجميد معظم المشاريع التنموية وفرص التشغيل، ومنع استيراد بعض المواد، واللجوء إلى التمويل غير التقليدي بطبع الأوراق النقدية من دون مقابل إنتاجي؛ على نحو فاقم الأزمة الخانقة، وأدى إلى تضخم متسارع بلغ أرقاماً بمنزلتين في أقل من سنتين. نتيجة لكل هذا، فقدت السلطة قدرتها على الاستمرار في تقديم الخدمات الاجتماعية الشاملة، وانهارت القدرة الشرائية للمواطنين؛ ما هيّأ الجو لحركة احتجاجات عارمة.

في مقابل إرهاق المواطنين بالضرائب، عملت السلطة على صيانة امتيازات طبقة الأثرياء الجدد، المتمثلين في أرباب المال "الحديثي الثراء" المتحالفين مع طبقة كبار الموظفين في الدولة. في هذا السياق، عملت السلطة على تشكيل انطباع عام بعدم إمكانية محاسبة هؤلاء واسترجاع القروض الكبيرة التي استفادوا منها لتنفيذ المشاريع المقررة في الموازنات من دون أن ترى النور فعلياً، أو من دون أن يتم إنجازها وفق المعايير التي من المفروض أن تُنجز بها. وكان هذا أحد أسباب عزل الوزير الأول عبد المجيد تبون في صيف 2017 (والذي انتخب رئيسًا للجمهورية في كانون الأول/ ديسمبر 2019)، على خلفية تصريحات له، آنذاك بضرورة فك الارتباط بين السياسة والمال، وضرورة استرجاع ديون الدولة على رجال الأعمال ومقاولي المشروعات الكبرى.

لقد أضعفت الأزمة الاقتصادية قدرة السلطة على تقديم الخدمات الاجتماعية الشاملة؛ على نحو أسهم بدوره في تهيئة المزاج العام لرفض الوضع القائم. في الوقت نفسه، كان النظام يعيش أزمة حادة، حرمته القدرة على المناورة، ومنعت مكونات بنية السلطة الفعلية في الجزائر من الإجماع على موقف موحد لتجاوز أزمتها. لذلك، كان الحل المتاح لدى السلطة هو السعي لكسب المزيد من الوقت، من خلال الترويج للاستمرارية، حتى إن كانت عبر رئيس مريض.

في ظل إصرار السلطة على الاستمرار في النهج نفسِه الذي تبنته منذ 1992، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة ومتأزمة، انطلق الحراك الجزائري في 22 شباط/ فبراير 2019 من دون قيادة واضحة. وبسقف مطالب محدود، استقر في البداية عند رفض ترشح الرئيس المنتهية ولايته لعهدة خامسة، لكنه ارتفع مع مرور الأسابيع ليصل إلى المطالبة بإقالة كل "رموز النظام" وتغيير لجنة الانتخابات لتكون مستقلة ونزيهة.

يتناول التقرير الحراك الشعبي في الجزائر الذي أطاح دائرة الحكم القريبة من الرئيس بوتفليقة بعد عشرين سنة في السلطة، ويبين أسبابه وأبرز مراحله. ويحاول استشراف مآلات هذا الحراك، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية التي جاءت بتبون إلى سدة الحكم.

ينقسم التقرير ستة أقسام. يستعرض القسم الأول موقف المؤسسة الحاكمة في الجزائر حيال الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها البلاد طوال عام 2019، وذلك عبر فحص مواقف ثلاث مؤسسات مفصلية في منظومة الحكم في الجزائر، وهي: مؤسسة الرئاسة، ومؤسسة الجيش، ومؤسسة المخابرات. أما القسم الثاني، فيستعرض مواقف القوى السياسية والاجتماعية حيال الحراك الشعبي وسلوكياتها، على اعتبار أنها تمثل قوة ضغط، كان يمكن أن يكون لها دور مهم في دفع السلطة الفعلية إلى تغيير قراءتها للأزمة ومقاربتها لتجاوزها.

ويناقش القسم الثالث السياق الاقتصادي الذي انطلق فيه الحراك الشعبي وتطور؛ إذ يعد الوضع الاقتصادي أحد أهم العوامل التي دفعت نحو اندلاع الاحتجاجات الشعبية وعجلت بها. ويتناول القسم الرابع المسألة الأمازيغية، في سياق الحراك الشعبي، والكيفية التي تعاملت بها السلطة معها، وكيف عملت على توظيفها في مقاربتها لتجاوز الأزمة التي وضعها الحراك أمامها. ويسعى القسم الخامس من التقرير لفحص الأسباب التي دفعت القوى الأجنبية إلى تجنب التدخل في المسألة الجزائرية؛ فقد مثل الحذر والترقب مشتركًا عاماً بين مواقف هذه القوى.

أما القسم السادس، فيسعى لتقديم قراءة في الانتخابات الرئاسية، ويستعرض التحديات الراهنة، الداخلية والخارجية، التي تواجه الجزائر.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها