الأربعاء 2020/12/16

آخر تحديث: 11:03 (بيروت)

روسيا تقارع إيران..في "عقر دارها" السوري

الأربعاء 2020/12/16
روسيا تقارع إيران..في "عقر دارها" السوري
© Getty
increase حجم الخط decrease
شهدت مناطق دير الزور شرقي سوريا وصول تعزيزات عسكرية تابعة لمليشيات النظام المدعومة من روسيا. ورافق الأرتال من "الفيلق الخامس" و "لواء القدس" والحرس الجمهوري، عدد من الضباط الروس ومجموعات حماية تتبع للشرطة العسكرية الروسية، وبدت التحركات العسكرية كمقدمة لعمليات انتشار واسعة وهي الأولى من نوعها في المنطقة التي تهيمن فيها المليشيات الإيرانية بشكل شبه كامل.

وتضمنت الخطوات الأولى لعمليات الانتشار المفترضة، إنشاء مقر عسكري للقوات الروسية في منطقة البوكمال القريبة من الحدود العراقية-السورية، حيث تم تحويل الفندق السياحي في المنطقة كمركز قيادة، والملعب البلدي الملاصق للفندق سيكون غالباً مكاناً لتجمع الآليات العسكرية والمكاتب الخدمية التي تعنى بشؤون عناصر المليشيات الروسية التي ستنتشر في المنطقة الاستراتيجية.

وتوزع قسم من التعزيزات الواصلة حديثاً على حقول النفط في ريف البو كمال الغربي، وعلى نقاط أخرى في بوادي الصالحية والدوير والعباس والجلاء المحيطة بمنطقة الحقول، وتمركز القسم المتبقي من التعزيزات في مركز مدينة البوكمال.

ومن المفترض أن يتواصل تدفق تعزيزات المليشيات الروسية نحو المنطقة خلال الأسبوعين القادمين، من حلب وحماة والجنوب السوري، وسيكون لعناصر ومجموعات فصائل المصالحات مشاركة فعلية في عمليات الانتشار في محافظة دير الزور. ورافق التحركات الروسية وجهاء وشخصيات عشائرية محلية مقربة من مليشيا "لواء القدس".

ويثير تمركز القوات الروسية المباشر وانتشار المليشيات التي تدعمها بشكل غير مسبوق في دير الزور وريفها الكثير من التساؤلات حول الأهداف التي من المفترض أن يحققها الوجود العسكري هناك: هل هو جزء من التحضير لمعركة واسعة ضد تنظيم "داعش" وإنشاء قاعدة مركزية لقيادة العمليات العسكرية؟ وهل ضمن أجندتها السيطرة على الحدود السورية-العراقية وسلب المليشيات الإيرانية المنافذ والممرات البرية المنتشرة في المنطقة، الرسمية وغير الرسمية؟

وقد يكون هذا التوجه جزءاً من استراتيجية توسع تسعى روسيا من خلالها إلى التمدد نحو مناطق تركّز الثروات الباطنية، وبالتحديد مكامن الفوسفات، وبالتالي قطع الطريق على الشركات الإيرانية التي تحاول أن تجد لها موطىء قدم في المنطقة مستفيدة من التواجد العسكري الكثيف للقوات والمليشيات الإيرانية.

تبدو فرضية الانتشار العسكري الروسي لأغراض الحرب على التنظيم واردة وذلك بالنظر إلى التطورات الميدانية التي شهدتها المنطقة مؤخراً، أهمها غياب الدعم الناري الجوي الذي كانت تقدمه المقاتلات الحربية الروسية عن المنطقة التي تشهد عمليات برية واسعة تقودها المليشيات الإيرانية، في حين لوحظ استمرار الدعم الجوي الروسي للعمليات البرية التي تشهدها بوادي الرقة وحلب وحماة وجزء من بادية حمص، وفيها تتزعم المليشيات الروسية القيادة على الأرض.

سيطرت قوات النظام والميليشيات الإيرانية على مناجم الفوسفات في منطقتي الصوانة وخنيفيس بالريف الجنوبي الشرقي لحمص في أيار/مايو 2017 بعد طرد "داعش" من المنطقة، والتي تعتبر أهم مناجم الفوسفات في سوريا، وعموم مكامن الثروة الباطنية من غاز ونفط وفوسفات حددت مواقعها وكميات احتياطياتها بالاعتماد على المسح الجيولوجي الروسي في الحقبة السوفيتية، وحازت ايران مطلع 2017 على عقد استثمار مناجم الفوسفات في سوريا، وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء السوري عماد خميس إلى طهران.

وفي العام نفسه زار وفد إيراني برئاسة معاون وزير الاقتصاد والمالية فرهاد زركر، دمشق والتقى خميس، وبحثا آلية تسديد الديون الإيرانية على النظام. واتفق الطرفان على تسديد الديون، عبر منح إيران الفوسفات السوري، بعد تأسيس شركة مشتركة لهذا الغرض، تشرف على الاستخراج وتصدير الإنتاج. ويبدو أن العقود الإيرانية لم تتم ترجمتها على أرض الواقع حتى الآن، ولعل توسع التنظيم في البادية أحد أهم الأسباب.

وفي تموز/يونيو 2018، أعلنت وزارة الطاقة الروسية عن أن شركات روسية بدأت في تنفيذ أعمال التنقيب الجيولوجي في سوريا، ومن بين الشركات "زاروبيج نفط"، و"زاروبيج جيولوجيا"، و"إس تي غه إنجينيرينغ"، و"تيخنوبروم إكسبورت". 

وقالت مصادر متخصصة في المسح الجيولوجي ل"المدن"، إن "الدراسات وكشوفات التنقيب الروسية تشير إلى وجود احتياطي الفوسفات بضعف الكميات المعلن عنها، والكشوفات الجديدة تتركز في بادية دير الزور الجنوبية، ولا تقتصر على المكامن التقليدية في بادية حمص، وبالتالي التوسع والانتشار الروسي نحو شرق البادية يبدو أن جانباً مهماً منه متعلق بالبحث عن الثروة وحيازة عقود استثمارها".

ويرى المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق أن "التواجد العسكري الروسي في محافظة دير الزور يحقق لروسيا العديد من الأهداف العسكرية والاقتصادية، أهمها، دعم المليشيات التابعة لها وضم عناصر جديدة إلى صفوفها من أبناء المنطقة وبالتالي منافسة الوجود الإيراني الناجح جداً في عمليات التجنيد والتغلغل في الوسط الاجتماعي".

ويقول النقيب عبد الرزاق في حديث ل"المدن"، إن "التواجد الروسي يؤمن أيضاً السيطرة على الثروة الباطنية في المنطقة ووصلها ببقية مناطق سيطرة النظام في الجنوب والشمال والمنطقة الوسطى، والتقليل من دور المليشيات الإيرانية التي باتت تتحكم بالحياة العامة المحلية بشكل يضر بالصورة التي تريد روسيا تسويقها عن النظام بأنه عاد قوياً، وبات متحكماً بمفاصل الدولة".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها