الجمعة 2020/11/06

آخر تحديث: 17:41 (بيروت)

استكمال "نبع السلام"..التوقيت التركي ليس مناسباً

استكمال "نبع السلام"..التوقيت التركي ليس مناسباً
© Getty
increase حجم الخط decrease
تتجاوز مطالبة المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري قبل أيام عناصر حزب العمال الكردستاني بمغادرة الأراضي السورية، مجرد الاعتراف بأن قوات حماية الشعب الكردية تضم ضمن قياداتها قادة غير سوريين وينتمون للعمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
سبق هذا التصريح بيوم واحد بيان للزعيم الكردي مسعود البرزاني وجهه الى الرأي العام الكردي، هاجم من خلاله حزب العمال واعتبره خطراً على الإقليم بعد تبني الأخير تفجير أحد أنابيب تصدير نفط اقليم كردستان العراق إلى تركيا، فهل يُفهم من تصريح جيفري والبرزاني رفع الغطاء عن العمال وجناحه السوري، الاتحاد الديمقراطي، وإعطاء الضوء الأخضر لعدوه اللدود تركيا لتنفيذ هجمات ضدهم في العراق وسوريا من خلال عمليات عسكرية محدودة في الأراضي العراقية وربما هجوم واسع في سوريا.
ما يعزز هذه التوقعات التصريح الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعقب الهجوم الروسي على مركز تدريب لفصيل فيلق الشام هدد فيه بالتدخل والتحرك الذاتي لمواجهة قوات "قسد"، بهدف طردها خارج الخطوط التي تم تحديدها في وقت سابق بين أنقرة وروسيا، في إشارة الى نية تركيا الواضحة شن عملية عسكرية شرق الفرات استكمالا لعملية "نبع السلام"، التي كانت قد بدأتها القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري مطلع أيلول/سبتمبر 2019، وتم تعليقها بناء على اتفاق أميركي-تركي في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020، بعد تعرض أنقرة لضغوط أميركية غربية والتهديد بفرض عقوبات عليها، ثم التوقيع على اتفاق مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في أنقرة تضمن وقف إطلاق النار والسماح بانسحاب منظم لوحدات حماية الشعب والتعاون مستقبلاً  بخصوص إنشاء منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، وهو المشروع الذي طالما طالبت به تركيا منذ العام 2012.
قبل ذلك الاتفاق بأيام كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن عن قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، ما اعتُبر خيانة لحلفائه الاكراد وبمثابة منح الضوء الأخضر لتركيا لاجتياح الحدود والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية.
تحليلات أخرى رأت أن الانسحاب الأميركي يهدف الى وضع القوات التركية بمواجهة مباشرة مع شركائهم الضامنين لاتفاقات أستانة (الروس والإيرانيين)، وفعلاً دخلت روسيا على خط تلك الأزمة، وبعد محادثات طويلة بين الرئيسين الروسي والتركي تم التوصل لوقف إطلاق النار وتوقف عملية "نبع السلام" وفسح المجال أمام قوات النظام السوري للوصول إلى مناطق شرق الفرات للمرة الأولى منذ عام 2012 ضمن تفاهمات مع قسد، إضافة إلى تسيير دوريات مشتركة تركية-روسية غرب وشرق منطقة عمليات نبع السلام بعمق 10 كم باستثناء مدينة القامشلي.
في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن التحركات العسكرية لقوات النظام في شمال الرقة وتحديداً في بلدة عين عيسى، حيث تتواجد مجموعة عسكرية ضخمة تابعة للنظام انسحبت من مواقعها إلى جنوب مدينة الطبقة بريف الرقة، وقالت المعلومات الواردة من هناك إنها أبقت على عدد محدود من عناصرها في البلدة، بالإضافة لتواجد الشرطة العسكرية الروسية وقيام قسد بعمليات التحصين والتجهيزات الهندسية بمحيط عين عيسى.
قوات النظام التي لم تساند قسد خلال عمليتي "نبع السلام" و"غصن الزيتون"، رغم مناشدات قادة تلك القوات النظام لمساندتها بحجة الهجوم التركي على الاراضي السورية ودفاعا عن حدودها، هذه القوات التي يجري الحديث عن انسحابها من هناك اليوم، اقتصرت تحركاتها الأخيرة على مجرد تغيير أماكن تمركزها بتوجيهات روسية تؤكد عدم الدخول في مواجهة خاسرة مع الاتراك، والبقاء مستعدة للانسحاب والتراجع وإخلاء مواقعها عند أي عملية واسعة، خاصة أن مجمل الاتفاقات والتفاهمات الميدانية بين الأتراك والروس هي تفاهمات أمر واقع لا تحظى بالثبات، وهي قابلة للتغيير والأفضلية فيها لمن يسبق بحيازة الأرض، ذلك أن التخوم الفاصلة بين الطرفين هي تخوم قتالية ليست محصنة برعاية دولية.
وفي الوقت نفسه ، فإن هذه التحركات وإعادة التموضع والانتشار لقوات النظام ربما تأتي من باب الضغط الروسي على قسد للقبول بشروط النظام التي حاول فرضها أثناء المباحثات بينهما التي رعتها روسيا من قبل وطالبت فيها دمشق بأن تسلم الإدارة الذاتية بعض المناطق الحدودية للنظام، ومنها بلدة عين عيسى التي ما زالت قسد ترفض الانسحاب منها.
البعض حاول الربط بين سحب الجيش التركي لنقاط المراقبة في مورك وشير مغار بريف حماة بتفاهمات مع الروس والنظام مقابل غض الطرف عن استكمال عملية نبع السلام وإخراج قسد من مدينتي منبج وتل رفعت في ريف حلب، وهذا ما استشعرته قيادات قسد التي لم يتردد بعض مسؤوليها من التحذير من احتمالية وجود صفقة روسية-تركية على حساب مناطق أخرى شمال وشرق سوريا.
لكن، من خلال مراقبة سلوك كل الأطراف على الأرض فإنه لا يوجد أي تحركات للجيش التركي أو الجيش الوطني السوري ولا أي حشود عسكرية في منطقة ريف الرقة. ومثل هذه العملية في ظل الظروف الحالية حيث تتشابك الملفات الخارجية، في ليبيا وأذربيجان وجنوب القوقاز وشرق المتوسط، والتصعيد العسكري للنظام والروس في إدلب فمن غير المتوقع أن تقدم تركيا على أي  عملية عسكرية جديدة شمال شرق البلاد، وأكثر ما يمكن توقعه حالياً أنها ستقوم ببعض العمليات الجراحية السريعة وذلك للحفاظ ما أمكن على اتفاقيات سوتشي وأستانة مع الروس، وتثبيت وقف اطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب.
إن أي عمل عسكري تركي واسع في سوريا يحتاج إلى تهيئة الرأي العام اعلامياً وسياسياً، وهذا ما لم يحصل حتى الآن، وبالتالي فمن المستبعد قيام تركيا بأي عمل عسكري يخلط الأوراق ويضعها من جديد في مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الداعمين لقوات سوريا الديمقراطية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها