بدت نتائج انتخابات غرفة تجارة حلب التي جرت في أيلول/سبتمبر، والقائمة النهائية لمرشحي غرفة دمشق، مليئة بالرسائل السلبية تجاه من تبقى من (الحرس الاقتصادي القديم)، وحلفاء النظام المتنافسين للسيطرة على الاقتصاد السوري (روسيا وإيران).
وظهر جلياً اهتمام النظام وتسريعه إجراء الانتخابات الحالية، مع تعالي الأصوات المطالبة بضخ دماء جديدة في بنية الغرف التجارية والصناعية السورية، وإبعاد الأسماء التي ظلت لعقود تسيطر عليها.
انتخابات حلب
لكن الدماء الجديدة التي بدأ الحديث عنها من قبل مؤيدي النظام وإعلامييه، لم يكن الهدف من المطالبة بضخها في قطاع المال والأعمال، تنشيط الحركة التجارية وإتاحة الفرص أمام الوجوه الشابة، بقدر ما كانت موجهة من قبل النظام لتنفيذ خطته التي تهدف لإقصاء آخر الأسماء القديمة من الواجهة.
وبالفعل أظهرت نتائج انتخابات غرفة تجارة حلب خروجاً شبه تامٍ للأسماء الوازنة والمعروفة في عاصمة الاقتصاد السوري، لصالح وجوه جديدة معظمها مدرج على قوائم العقوبات الأميركية "قيصر" وجميعها من طبقة أثرياء الحرب.
وعليه لم يحمل اكتساح "قائمة الشهباء" التابعة لحسام قاطرجي الانتخابات الأخيرة، واستحواذها على 11 من أصل 12 مقعداً في مجلس الإدارة، أي مفاجآت بالنسبة إلى المتابعين، بل وحتى المنافسين الإخرين الذين دخلوا الانتخابات كإجراء شكلي.
ويُعتبر ذلك طبيعياً مع النفوذ الواسع الذي باتت تتمتع به عائلة القاطرجي في حلب، بالنظر إلى صلتها الوثيقة بالقصر الجمهوري، إضافة إلى أن قائمة القاطرجي ضمّت جميع الواجهات الاقتصادية الجديدة للنظام في المدينة، وأبرز هؤلاء رفعت كمال آل عمو، عراب التواصل مع حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية في حلب وريفها، وعلي الرضا تركماني، عضو مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة السورية المقرب من إيران.
لكن الأهم على الاطلاق يبقى تواجد الشاب الثلاثيني محمد فاضل قاطرجي الملقب ب"محمد آغا"، وهو الشقيق الأصغر لحسام قاطرجي، بين أعضاء مجلس إدارة الغرفة بصفته مندوباً عن عائلة القاطرجي وشركاتها التجارية، وصاحب الحصة الأكبر في شركة تصنيع واستيراد وتصدير الفولاذ التي افتتحتها عائلة القاطرجي مؤخراً.
دمشق وإعلان الحرب
انتخابات غرفة تجارة حلب وما أفصحت عنه من نية النظام تهميش حرس الاقتصاد القديم، وتعويم شخصيات جديدة أنتجها اقتصاد الحرب الذي يديره النظام نفسه، يؤكدها التدخل الواضح في قائمة المرشحين النهائية لانتخابات غرفة دمشق التي ستجري في 10 تشرين الأول/أكتوبر، ويكشف عن شكل التغيير القادم الذي يريده النظام، وقد يحمل كذلك محاولات من قبله لإحداث توازن بين المحسوبين من رجال الأعمال على الروس مقابل المقربين من إيران.
فقد امتنعت سبع شخصيات من أعضاء الغرفة الحاليين وبشكل مفاجئ عن ترشيح أنفسهم للانتخابات القادمة، أبرزهم محمد غسان قلاع، رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق منذ عام 2011، وأمين سر الغرفة منذ عام 2012 محمد حمشو، وهو من الاقتصاديين الذين طالما عُرفوا كواجهات لماهر الأسد ورامي مخلوف. بالمقابل شهدت قائمة المرشحين النهائية تواجد اسم رئيس غرفة ريف دمشق وسيم قطان كمرشح عن العاصمة.
ويعتبر القلاع من الحرس الاقتصادي القديم لنظام الأسد، إلا أنه من رجال الاعمال المرتبطين بروسيا، وظهر اسمه بشكل فعلي على الساحة السياسية خلال افتتاحه مؤتمر سوتشي عام 2018، بتكليف من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كما ساهم بفتح نوافذ اقتصادية للنظام خلال عزلته على مدى السنوات التسع الماضية، عن طريق دائرته التجارية الضيقة في الخليج العربي والأردن والدول الأوربية، إضافة إلى محاولاته المستمرة في دعم الليرة السورية.
وكنتيجة حتمية للصراع الدائر داخل العائلة الحاكمة بين آل الأسد ورامي مخلوف، جاء قرار منع محمد حمشو من ترشيح نفسه لانتخابات غرفة التجارة متوقعاً، بسبب علاقاته مع رامي مخلوف ومحاولاته التقرب من روسيا عبر خلال تصريحاته ومساعيه المتكررة لإعاقة السيطرة اإايرانية على السوق التجارية السورية، والتي دفع تكاليفها مقدماً بسحب ترشيحه من انتخابات مجلس الشعب الأخيرة.
ويعتبر خبراء اقتصاديون أن انسحاب الحمشو والقلاع يأتي كتمهيد لتسلم وسيم قطان رئاسة الغرفة الحالية، كمكافأة على ما قدمه ويقدمه في دعم اقتصاد النظام وإدارته قسماً كبيراً من الأعمال التجارية لعائلة الأسد، كما أنها رسالة واضحة وأخيرة إلى محمد حمشو بانتهاء صلاحياته كرجل ثقة بالنسبة إلى العائلة الحاكمة، بعد خسارة معظم نفوذه الاقتصادي في السنوات الثلاث الأخيرة لصالح شركات القطان التي يعتقد على نطاق واسع أنها شركات آل الأسد في الواقع.
وحسب الخبير الاقتصادي سمير الطويل، فإن ما سبق يضع حداً نهائياً لآخر ما تبقى من اتفاق بين النظام وطبقة رؤوس المال في سوريا والذي عقده معهم حافظ الأسد في ثمانينات القرن الماضي، وينص على أن يكون الاقتصاد لهم مقابل أن يتخلوا له عن السياسة، لكن في ما بعد، ورغم أن النظام عمل على السيطرة على السياسة والاقتصاد، وهو ما كان صريحاً أكثر مع تسلم بشار الأسد الحكم عام 2000، إلا أنه ظل يكافئ رجال الأعمال الذين يؤدون خدمات له بمناصب فخرية، مثل عضوية البرلمان وكذلك غرف التجارة والصناعة.
ويضيف الطويل في حديث ل"المدن" حول انتخابات غرفتي تجارة حلب ودمشق، أنه "مع مواجهة النظام العقوبات الاقتصادية التي طالت رجال الأعمال المرتبطين به، بات يلجأ أكثر إلى صناعة اسماء ورجال أعمال جدد للالتفاف على هذه العقوبات، لكن سرعان ما يتم إدراجها هي الأخرى على لوائح الملاحقين". وتابع أن "هذه العقوبات فرضت على أسماء كبيرة الانسحاب من غرف التجارة والصناعة منذ عام 2011، مثل بسام الملك وراتب الشلاح الذي ورث رئاسة غرفة تجارة دمشق عن والده ولم يكن يتصور أن يستقيل من هذا المنصب".
وحول ما يمكن لطبقة الاقتصاديين الجدد أن تقدمه لاقتصاد النظام يقول: "الاقتصاديون الجدد الذين هم غالباً تجار وليسوا صناعيين، وهم مستوردون وليسوا مصدرين، لا يمكن التعويل عليهم في إنقاذ اقتصاد النظام المتهالك الذي بات قائماً على الاستهلاك، بالإضافة إلى أنهم لم يظهروا نتيجة دورة اقتصادية طبيعية، وإنما هم أثرياء حرب يحتاجهم هذا النظام في الوقت الحالي أكثر من الاقتصاديين التقليديين الذين لم تعد الظروف ملائمة للاستفادة منهم".
يمكن القول إن النظام أجهز بشكل شبه كامل على طبقة الاقتصاديين التقليدية، أو آخر ما تبقى منها، ولم تعد غرف التجارة ميداناً مخصصاً لهذه الطبقة بعد العام 2011، مع سيطرة واجهات آل الأسد على غرفة تجارة حلب وتوجهها للسيطرة على نظيرتها في دمشق، وهو ما يعتبر آخر مسمار يدقّه النظام بنعش الاقتصاد السوري حسب المحللين.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها