الإثنين 2020/10/19

آخر تحديث: 14:17 (بيروت)

حوار "قسد" والائتلاف..المصالح المشتركة تعطلّها التحالفات

الإثنين 2020/10/19
حوار "قسد" والائتلاف..المصالح المشتركة تعطلّها التحالفات
© Getty
increase حجم الخط decrease
أكدت الرئيسة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد) إلهام أحمد استعداد الإدارة الذاتية الكردية لبدء مفاوضات مع الائتلاف الوطني المعارض، في وقت لا يبدو فيه الأخير متحمساً لهذه الدعوة التي تأتي وسط توتر في العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يهيمن على الإدارة الذاتية، وبين روسيا، بينما لا تزال المفاوضات مع المجلس الوطني الكردي من دون نتائج مهمة.

دعوة "مسد" التي تعتبر الأولى من نوعها للحوار مع الائتلاف، الذي طالما اتهمه قادة الإدارة الذاتية وقسد بالتبعية للتركيا، أطلقتها أحمد خلال المنتدى الثامن للإدارة الذاتية الذي عقد الاسبوع الماضي في القامشلي.

الدعوة قوبلت باهتمام اعلامي واسع، بالنظر إلى أنها يمكن أن تؤدي إلى اختراق في جدار الجليد الصلب الذي يفصل بين الجانبين، بعدما كانت الولايات المتحدة قد بدأت العمل عليها خلال الشهرين الماضيين، لكنها واجهت بروداً من جانب قيادة الائتلاف.

ورغم أن أعضاء الائتلاف الذين تواصلت معهم "المدن" للتعليق على هذا الموضوع قد أكدوا أن ما يجعلهم غير متحمسين للدعوة هو عدم الثقة بقيادة الإدارة الذاتية وبدوافعها لتوجيه الدعوة، إلا أن موقف الائتلاف الرسمي عبّر عنه عدد من المسؤولين فيه بالتأكيد على أن المجلس الوطني الكردي الذي يجري مفاوضات مع حزب الاتحاد الديمقراطي هو جزء من الائتلاف، وشروط المجلس لعقد اتفاق هي بالمجمل شروط بقية الكتل، مع الإشارة إلى عدم جدية حزب الاتحاد في إنجاح المفاوضات التي لم يكن ليقبل بها لولا الضغط الأميركي القوي عليه، وهو السبب ذاته، الذي جعل مجلس سوريا الديمقراطية يعلن استعداده للحوار مع الإئتلاف مؤخراً.

لكن إلهام أحمد أكدت في تصريح ل"المدن"، أن الدافع وراء دعوة الائتلاف للتفاوض هو أن "الإدارة تعتمد الحوار في حل القضايا العالقة، سواء بين السوريين أو مع دول الجوار، ولا ترجح السلاح إلا في حالة الدفاع عن الذات".

وحول توقيت الدعوة خاصة وأنها تأتي بعد سنوات من العلاقة المتوترة بين الجانبين ولغة العداء التي تحكمهما، قالت: "العدائية لا تزال مسيطرة على لغة الائتلاف وتركيا، وهذه اللغة اعتمدها الطرفان ضدنا منذ بداية الأحداث السورية، خاصة أن تركيا تسببت بتهجير مئات الآلاف من السوريين من مناطق الشريط الحدودي بمساندة من الائتلاف، ومع ذلك نرى ترجيح لغة الحوار لحل هذه القضايا من أجل التوصل إلى حل سياسي، خاصة وأن النظام غير منفتح على الحل".

ورغم أن أحمد رفضت الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان موقف النظام السلبي من الحوار مع الإدارة الذاتية هو أحد أسباب توجيهها هذه الدعوة للائتلاف، إلا أن معظم التقديرات ترى ذلك، بعد أن فشلت المفاوضات الأخيرة التي عقدتها الإدارة مع دمشق برعاية روسية مطلع 2020.

ويبدو أن موسكو لم تنجح وحسب في الدفع بهذه المفاوضات لتحقيق أي تقدم، بل ودعمت مطالب النظام وشروطه من أجل الموافقة على عقد اتفاق مع حزب الاتحاد، الأمر الذي جعل قادة الحزب يوجهون انتقادات حادة لروسيا مؤخراً على الرغم من الزيارة التي قام بها وفد من "مسد" إلى العاصمة الروسية، وتوقيع اتفاقية سياسية مع منصة موسكو المعارضة التي يقودها قدري جميل.

والواضح أن الاتفاق الذي وقعته الإدارة الذاتية في تموز/يوليو مع إحدى الشركات الأميركية لاستخراج واستثمار النفط من بعض الحقول في مناطق سيطرتها، قد أغضب الحكومة الروسية وجعلها تتبنى أكثر موقف النظام في ما يخص الحوار مع "مسد"، على الرغم من محاولات الأخيرة استرضاء موسكو بعرض استثمارات عليها في شمال شرق البلاد.

لكن الكثيرين يعيدون هذا الموقف السلبي تجاه روسيا إلى الضغط الأميركي الذي قيل إن مبعوثي واشنطن إلى سوريا قد مارسوه على قيادة حزب الاتحاد خلال زيارتهم إلى القامشلي في أيلول/سبتمبر، خاصة أن الولايات المتحدة طالبت وبشكل واضح كلاً من الإدارة الذاتية والائتلاف بالانخراط في مفاوضات "من أجل التوحد ضد النظام"، بينما أكد قادة في الإئتلاف أنهم يواجهون ضغوطاً أميركية وأوربية للقبول بالحوار مع القامشلي.

ورغم التشكيك بالدوافع، فإن مصادر خاصة أبلغت "المدن" أن هناك انقساماً داخل الائتلاف حول الموقف من هذه الدعوة، بين فريق يقوده رئيس الائتلاف نصر الحريري ويتخذ موقفاً رافضاً للاستجابة قبل تحقيق عدة شروط، أولها إخراج عناصر وقادة حزب العمال الكردستاني من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، والكشف عن مصير المفقودين ووقف التجنيد الإجباري والغاء سياسات تكريد المناهج وأسماء المناطق والمدن، بينما يرى فريق آخر ضرورة عدم إغلاق الباب أمام هذه الدعوات حتى لا يظهر الائتلاف كمعطل أمام الرأي العام، وإتاحة الفرصة للضغوط الأميركية التي تُمارس على حزب الاتحاد من أجل تنفيذ هذه الشروط التي يفاوض بناءً عليها المجلس الوطني الكردي.

ألا أن الجميع يتفق على أن موقف الحكومة التركية هو المحدد الأساسي لموقف الائتلاف تجاه هذا الملف شديد الحساسية بالنسبة لأنقرة، التي نقل معارضون مقربون منها أنها لا تمانع من حيث المبدأ مدّ يدها للإدارة الذاتية في حال أظهرت تخلياً حقيقياً عن الارتباط بحزب العمال الذي يخوض حرباً مع تركيا منذ خمسة عقود، وأنها مهتمة بالفعل بكسب هذه الإدارة التي تفضل عدم ارتمائها في حضن النظام ويسعدها أن تبتعد عن روسيا، لكن عامل الثقة لا يزال مفقوداً بين الطرفين إلى الحد الذي ما زالت فيه أنقرة تهدد باستكمال عملية "نبع السلام" انطلاقاً من مدينة منبج هذه المرة، وهو أكثر ما يقلق الإدارة الذاتية ويدفعها لطلب الحوار حسب هذه المصادر.

كما يضع الائتلاف في الاعتبار عدم إغضاب الجانب الأميركي واستغلال عودة التواصل بين الجانبين على مستوى جيد بعد فترة جفاء غير قصيرة، لكن الأهم من وجهة نظر معارضين من خارج المؤسسة الرسمية، هو عدم تفويت فرصة إضاءة نور في نفق الواقع السوري المظلم، خاصة وأن أي اتفاق بين الائتلاف و "مسد" سيقطع الطريق على آمال النظام بالسيطرة على شمال شرق سوريا. الأمر هذا عبر عنه المعارض محيي الدين اللاذقاني حيث أكد أن "اتفاق الائتلاف مع قسد يسقط أهم أوراق العصابة الأسدية في الشمال الشرقي ويمهد لنهايتها". كما خاطب الطرفين بالقول: "لا تضيعوا الفرصة كما أهدرتم قبلها عشرات الفرص".

ما بين المصلحة الواضحة للطرفين بالحوار وما بين انعدام الثقة التي تحكم العلاقة بينها، تجد الإدارة الذاتية والائتلاف المعارض نفسيهما أمام معضلة يحكمها التعقيد، خاصة في ضوء الضغوط التي يتعرض لها كل منهما من جانب حلفائه، الأمر الذي يعتقد معه الكثيرون أن فرص إجراء هذا الحوار ونجاحه محكوم بموقف هؤلاء الحلفاء بالدرجة الأولى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها