تعصف الخلافات والانقسامات بحركة "أحرار الشام" التابعة للجبهة الوطنية للتحرير في إدلب. بينما تحاول جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) الاستثمار في الخلاف وإضعاف الحركة باعتبارها الفصيل الإسلامي الأبرز الذي ينافسها في إدلب.
ويحاول قادة الجناحين الإداري والعسكري في الحركة التوصل إلى حل بعد رفض الجناح العسكري تطبيق قرارات عزل عدد من القادة العسكريين في قطاع الساحل (ريف اللاذقية الشمالي).
وكان قائد قطاع الساحل التابع للحركة، أبو فارس درعا، قد رفض قرار عزله الذي أصدره قائد الحركة، جابر علي باشا، فحاولت قيادة الحركة تطبيق قرار العزل بالقوة فأرسلت رتلاً عسكرياً من "قوات المغاوير" بقيادة أبو بكر مغاوير، ومعه نائب القائد العام للحركة علاء فحام، إلى مناطق قطاع الساحل في ريف اللاذقية الشمالي. لكنهم فوجئوا بتدخل تحرير الشام التي قامت بنشر عدد كبير من الحواجز العسكرية في المنطقة، واعتقلت قائد "قوات المغاوير" التابع للحركة وعدداً من مرافقيه، واشترطت على رتل مغاوير الأحرار الانسحاب من المنطقة مقابل إطلاق سراح قائدهم ومرافقيه.
قرارات عزل القادة العسكريين في قطاع الساحل رفضها أيضاَ، قائد الجناح العسكري في "أحرار الشام" النقيب عناد درويش، وقائد الحركة السابق حسن صوفان. وكان كل من درويش وصوفان موجودين في قطاع الساحل عندما وصل الرتل العسكري التابع للقيادة العامة محاولاً تطبيق القرارات بالقوة. وبدا أنهما طلبا تدخل "تحرير الشام" وطرد الرتل العسكري من المنطقة.
وقال مدير مركز "جسور للدراسات" محمد سرميني إن "قيادة الجناح العسكري شكلت دوماً تحدياً كبيراً لكل قيادة عامة، ففي حزيران/ يونيو 2016 أعلن قائد الجناح العسكري حينها أبو صالح طحان رفضه قرار عزله، وقام بحملة اعتقالات ضد قيادات في الحركة، وها هو المشهد يتكرر مجدداً".
وأضاف سرميني في حديث ل"المدن"، أن "تحرير الشام وجدت على الأرجح في خلافات أحرار الشام فرصة لتغذية الانقسام في أوساط المنافس التقليدي لها على زعامة المشروع السلفي في سوريا والنفوذ على شمال غرب سوريا، حيث شهدت أعوام 2017 و2018 و2019 مواجهات دامية بين الطرفين حُسمت لصالح تحرير الشام".
وحول أسباب الانقسام داخل الحركة والمكاسب التي من المفترض أن تحققها "تحرير الشام"، قال سرميني إن الهيئة "تطالب بتشكيل مجلس موحد يجمع جميع الفصائل، وكانت هذه النقطة محل خلاف بين القيادة العامة لأحرار الشام التي تحركت بحذر في هذا الملف لاعتبارات سياسية، وبين قائد الجناح العسكري (النقيب درويش) الذي أيّد الفكرة وتبناها".
وتابع: "تحرير الشام ترى أن تدخلها لصالح قائد الجناح العسكري إضعاف لموقف القيادة العامة، وبالتالي تمرير فكرة مجلس عسكري موحد، سيتيح لها تموضع جديد من وجهة نظرها قد يعفيها من استحقاق حل الفصيل أو إحداث تغييرات اضطرارية فيه". وأضاف أن "الحركة تتجه نحو الانقسام والجزء الأكبر من مقاتليها سيبقى مع القيادة العامة للحركة، وبالطبع ستكون الهيئة الرابحة من حالة الانقسام حتى وإن كانت محدودة".
من جهتها، نفت "تحرير الشام" علاقتها بالخلاف الحاصل في صفوف "أحرار الشام" قائلة إنها لم تتدخل لصالح أي طرف في الحركة، ووصف مدير مكتب العلاقات الإعلامية في الهيئة تقي الدين عمر، الخلافات بأنها شأن داخلي يخص الحركة.
وقال مدير المكتب السياسي في "فرقة المعتصم" التابعة للجيش الوطني، مصطفى سيجري ل"المدن"، إن "التمرد العسكري داخل الحركة يدعمه الجولاني عبر أدواته، وجاء هذا التحرك بعد أن بدأت الحركة تتعافى داخلياً، وبعد أن أثبتت أنها الأقدر على حماية الجبهات، وقدمت نموذجاً يحتذى به. ما يريده الجولاني وعبر أدواته داخل الحركة التحكم بها وشلّ قدراتها".
ويرى فارس نور، وهو مقاتل سابق في صفوف "أحرار الشام"، أن الخلافات داخل الحركة ليست جديدة، وتحرير الشام تحاول الاستفادة منها لكنها ليست سبباً مباشراً في الخلافات والانقسام الحاصل. وأوضح نور ل"المدن"، أن "أحرار الشام تعاني من أزمة إدارة ولا بد من اجراء تغييرات جذرية لكي تعيش الحركة وإلا سيكون مصيرها مزيداً من الانقسام ولن ننفع الحلول الترقيعية لإبقائها كتلة متماسكة".
لكن هناك من يهوّن من قدرة الخلاف الحالي على شقّ الصف داخل الحركة. ويرى الباحث في مركز "جسور" عرابي عبد الحي عرابي أن "المفاوضات بين قادة الحركة قد ينتج عنها حل يرضي الطرفين المتصارعين، وبذلك تتفادى الحركة مخاطر الانقسام والانشقاق في صفوفها".
وأضاف ل"المدن"، أن "الحل المفترض ربما يتضمن تغييراً جزئياً في قيادة الجناح العسكري يوافق عليه صوان والنقيب درويش، لكن هذه الحلول لن تدوم طويلاً، وبالتالي سنشهد لاحقاً خلافات أخرى من هذا النوع داخل صفوف الحركة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها