الأربعاء 2020/01/01

آخر تحديث: 15:13 (بيروت)

"أبو العبد" في السجن: هل انتهت تجربة "مجاهدو أشداء"؟

الأربعاء 2020/01/01
"أبو العبد" في السجن: هل انتهت تجربة "مجاهدو أشداء"؟
Getty ©
increase حجم الخط decrease
قضت محكمة عسكرية تابعة لـ"هيئة تحرير" الشام بالسجن عامين على القيادي السابق في "الهيئة" عبد المعين محمد كحال، المعروف باسم "أبو العبد أشداء" والذي ألقي القبض عليه في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد توجيهه انتقادات حادة لقيادة التنظيم.
حكم أثار حفيظة المجموعة التي ينتمي إليها كحال (لواء مجاهدو أشداء)، والتي استقال جميع قادتها من "هيئة تحرير الشام" خلال العام 2019 وأطلقوا حملة واسعة بعد اعتقاله للمطالبة بالإفراج عنه.  

وظهر أبو العبد في تسجيل مصور قبل ثلاثة أشهر هاجم فيه بشدة قيادة "تحرير الشام" واتهمها بالفساد المالي والإداري، بالإضافة إلى تحميلها المسؤولية عن سلسلة من الخسائر العسكرية على جبهتي إدلب وريف حماة في تلك الفترة، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي وزاد من حرج "تحرير الشام".

وعلى الرغم من إطلاق بعض القادة والمسؤولين السابقين في "الهيئة" حملات متكررة على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الضغط لإطلاق سراح "كحال" إلا أن هذه الحملات لم تلق انتشاراً وظلت مقتصرة على المقربين منه، خصوصاً قادة "لواء مجاهدو أشداء" ومناصروهم.
وبينما كان متوقعاً أن الدعوات للافراج عن كحال لن تجد أصداء لدى التيارات الثورية المدنية والوطنية، بسبب العلاقة غير الجيدة بين الطرفين، فقد كان لافتاً عدم تفاعل قادة وناشطي التيار الاسلامي، مع تلك الحملات، رغم المناشدات المتكررة التي كانت توجه لقادة ومشايخ هذا التيار.

وإذا كانت القوى الثورية ترى في الغالب أنها غير معنية بصراعات بينية وتصفية حسابات داخلية وتنافسات بين قادة "هيئة تحرير الشام"، خصوصاً بسبب الحملات الدامية التي شنتها "الهيئة" بوجود وقيادة هذه الشخصيات التي اختلفت وتناحرت لاحقاً، ناهيك عن المطالَبة باطلاق سراح من تعتقد أنه ساهم، أو برر، أو على الأقل صمت عن سلسلة طويلة من الاعتقالات و الانتهاكات التي مورست بحق الناشطين المدنيين والقوى الثورية الأخرى الذين استهدفتهم تحرير الشام، فإن تجاهل قادة الحركة الاسلامية للحملة المطالبة بالإفراج عن "أبو العبد أشداء" يبدو ملتسباً بالفعل!

الواقع أن مجموعة "أشداء" كتشكيل إسلامي مقاتل مثّلت، ومنذ تأسيسها، حالة خاصة بين القوى العسكرية المعارضة، وإن لم تكن حالة فريدة بطبيعة الأمر، إذ عرفت السنوات الثماني الماضية حالات شبيهة لتشكيلات اسلامية صغيرة، بعضها ما يزال مستمراً ويرفض الاندماج مع أي جماعة أخرى، ككتيبة "أبو عمارة" وبعضها اختفى أو ذاب داخل قوى أكبر، بينما لا يزال قادة أشداء يحافظون على هوية خاصة لم تستطع الانسجام مع أي جماعة أو تيار، كما أن أي من هذه القوى الكبيرة التي سبق لللواء أن انضم إليها، لم يستطع استيعاب هذه الحالة وتذويبها داخله.

تأسست كتيبة "مجاهدو أشداء" في بلدة ترمانين (ريف حلب الغربي) منتصف العام 2012، بقيادة ملازم منشق عن جيش النظام من البلدة نفسها، عرف باسم "أبو محمد ترمانين"، وضمت مقاتلين من حلب المدنية ومن الريفين الجنوبي والغربي. ورغم تحول الكتيبة إلى لواء، إلا أن التشكيل ظل صغيراً، بسبب عدم توافر تمويل وتسليح منتظم، حيث اعتمد على التبرعات الشخصية، ما أجبره على الانضمام لاحقاً إلى "حركة أحرار الشام"، كما أنه ظل بعيداً من الأضواء حتى العام 2014، عندما بدأ وللمرة الأولى تداول اسمه على المستوى الاعلامي.

مطلع العام العام 2014، انتشر اسم لواء "مجاهدو أشداء" بشكل واسع، بعد بث تسجيل مصور على اليوتيوب يظهر قيام القيادي في اللواء "أبو أحمد الحلبي"، وهو شقيق "أبو العبد"، رفقة عدد من عناصره، بجَلد رجل في حي طريق الباب في حلب، بسبب عدم ادائه صلاة الجمعة، الأمر الذي أثار ردود أفعال واسعة، خصوصاً أنه كان الحدث الأول من نوعه.
وأمام الجدل الواسع، تبرأت قيادة "حركة أحرار الشام" من الحادثة، كما تبرأت الهيئة الشرعية في حلب منها أيضاً، على الرغم من تأكيد قيادة "لواء أشداء" على وجود تعميم من الطرفين بهذا الخصوص، لكن حتى مع وجود هذا القرار، فإن السؤال الذي طرح وقتها هو: لماذا كان "اللواء" هو وحده من طبّقه؟!

بداية تشكيله، لم يكن لللواء توجه إسلامي متمايز بوضوح، لكن هذا التوجه بدأ يظهر مع هيمنة مجموعة حلب عليه، هذه المجموعة المؤلفة من عدد من الناشطين الذين حملوا السلاح لاحقاً وسيطروا على التشكيل بعد إصابة قائده "أبو محمد ترمانين"، حيث انتقل "أبو أحمد الحلبي" لقيادة اللواء فعلياً.

وبعد الانضمام إلى "حركة أحرار الشام" نهاية العام 2013 ومع بدء تدفق الاسلاميين المصريين إلى سوريا بعد الانقلاب على حكومة الإخوان العام 2013، انضم اثنان من أشهر هؤلاء المصريين إلى "الحركة" التي ألحقتهما باللواء بعدما منحت قيادته سلطات واسعة في حلب، كممثل لها في المدينة.

مع أواخر العام 2014 بدأ يبرز في حلب اسما "أبو شعيب المصري" ومواطنه "أبو اليقظان"، اللذين تسلما مناصب كبيرة في المكتبين الدعوي والقضائي لـ"حركة أحرار الشام" في حلب، ومن مقر "لواء أشداء مارسا عملهما" الرسمي ونشاطهما الدعوي الذي كان يتميز بتجنب الاصطدام المباشر مع القوى والافكار المختلفة، والتركيز على الجانب الشرعي أكثر منه على التجنيد العسكري.

بمرور الوقت ظهر أكثر فأكثر تأثير الداعيتين المصريين على "اللواء"، الذي بدأ يلعب أيضاً دوراً أمنياً بعدما عهدت إليه قيادة "أحرار الشام" بإدارة سجن حلب وقضائها الداخلي، إلا أنه من الناحية العسكرية ظل ضعيفاً بسبب محدودية عدد عناصره.

وإلى جانب القائد الفعلي للواء وقتها، أبو أحمد الحلبي، بدأ يبرز اسم شقيقه "أبو العبد أشداء"، والمحامي عصام الخطيب وزوجته الدكتورة علا الشريف، والشيخ سالم البدراوي وغيرهم، الذين شكلوا مع المصريين "أبو شعيب" و"أبو اليقظان" حالة متمايزة، ليس فقط عن بقية القوى الإسلامية، بل حتى عن "حركة أحرار الشام" نفسها، التي عانت في كل خطوة اتخذتها نحو الإصلاح بالصدام مع هذه المجموعة، التي لم تتوان عن انتقاد الكثير من خطوات قيادة "الحركة"، وعلى رأسها تبني علم الثورة، ومن ثم اعتماد القانون العربي الموحد، قبل أن يشكل انضمام "أحرار الشام" إلى عمليات "درع الفرات" بقيادة تركيا في العام 2017 الحد الفاصل الذي انتهت معه العلاقة عملياً بين "اللواء" و"الحركة".

مع التأثير المتنامي للداعيتين المصريين، تزايد اللبس في الهوية الفكرية لجماعة "أشداء"، بحيث لم يكن من السهل تصنيفها. فمن جهة كان "اللواء" من أشد المناوئين لتنظيم "الدولة الإسلامية" ولا يتردد في وصفهم بالخوارج، وفي الوقت نفسه كان من المختلفين مع بعض أفكار تنظيم "القاعدة"، كما أنه لم يتمكن من التلاقي مع "حركة فجر الشام" التي كان قد انضم إليها لوقت قصير، وبطبيعة الحال مع "الاخوان"، وهو ما يفسر اقتراب اللواء أكثر من الفريق المحافظ داخل "أحرار الشام" ابان الصراع مع الفريق الثوري خلال العامين 2015 و2016، إلا أنه ومع ذلك لم ينضم إلى "جيش الأحرار" الذي انشق عن "الحركة" بل حافظ على كتلته باسم مستمر هو "لواء مجاهدو أشداء"!

والواقع أن اللواء حتى ما قبل الاحتكاك بالوافدين المصريين، بدا متأثراً بالفكر القطبي (سيد قطب) وهو الفكر الذي كانت آثاره موجودة بدرجات متفاوتة لدى القوى الإسلامية والجهادية السورية الأخرى، إلا أنه لدى القيادة الحلبية "لللواء" كان واضحاً جداً، وهذا على الأغلب السبب الذي لم يمكنه من التوحد مع أي فصيل كبير والاندماج به تماماً، إذ لدى مختلف الجماعات الاسلامية تحفظات على بعض أفكار سيد قطب بدرجات متفاوتة، كل حسب توجهها الفكري.

في بداية 2017 بدت "هيئة تحرير الشام" المشكلة للتو وعاء ممكناً لهضم الاختلافات الفكرية بين الكثير من التشكيلات الجهادية، والمختلفة مع "تنظيم الدولة" وتنظيم "القاعدة" من جهة أخرى، لكن ما يمكن تسميته بحالة التسامح الفكري هذه والتي بدا أنها تنجح بالفعل مع "الهيئة"، اصطدمت بعدم الانسجام بين قيادات التنظيم الوليد، الذي سرعان ما بدأت تنشق عنه القوى التي اندمجت فيه، حتى لم يبق في النهاية سوى "لواء مجاهدو أشداء".

لم يكن التمايز الفكري العامل الوحيد الذي أفشل الاندماج الكامل لـ"لواء أشداء" في "الهيئة"، وعلى الرغم من أن قادته كانوا الأطول بقاء فيها، إلا أنهم غالباً ما دخلوا في صدامات مع قيادة "تحرير الشام"، لكن هذه الخلافات ظلت بعيدة من الإعلام، مع أن الجولاني وفريقه لم يخفوا امتعاضهم من "مشاكسة" جماعة "أشداء" الذين ظلوا في الوقت نفسه لا يشكلون أي خطر بسبب قلة عددهم وضعف تأثيرهم، حيث لم يزد عدد عناصر اللواء عندما التحقوا بـ"الهيئة" على المئة.

في نهاية 2018، وبعد أشهر فقط من ظهوره في تسجيله الشهير الذي يطالب به جنود "الهيئة" بالضرب بالرأس خلال مواجهتهم الحاسمة مع "حركة أحرار الشام" العام 2017، استقال أبو اليقظان المصري من "هيئة تحرير الشام" احتجاجاً على ترحيب "الهيئة" بعملية "غصن الزيتون" التركية شمال شرق حلب، ليكون بذلك أول من يغادر من مجموعة "لواء أشداء".

لم يطل الأمر بمواطنه "أبو شعيب المصري" حتى غادر بصمت "الهيئة" هو الآخر، ليس احتجاجاً فقط على الموقف من العملية التركية، ولا تضامناً مع "أبو اليقظان" وحسب، بل تتويجاً لخلافات مستمرة لم تحسم.

وكان متوقعاً في تلك اللحظة أن تلحق بقية المجموعة بالداعيتين المصريين، إلا أن اللافت كان استمرار أعضائها الآخرين، لكن مع تنامي الحساسيات بينهم وبين قيادة "الهيئة" في كثير من الملفات، حيث تزايدت انتقادات المجموعة لأداء قيادة "تحرير الشام" التي كانت تعتبرها انتقادات غير موضوعية، وترى أنها "تعبر عن "مثالية" متخيلة يعيشها الكثير من الحركيين الاسلاميين، لكن لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحكم والإدارة".

استمر هذا الحال إلى أن رمى أبو العبد أشداء بالقشة التي قصمت ظهر البعير، من خلال التسجيل المصور الذي ظهر به في أيلول/سبتمبر 2019، وهاجم فيه بعنف أبا محمد الجولاني شخصياً وبقية قادة "الهيئة" واتهمهم بالمسؤولية المباشرة والمتعمدة عن الهزائم العسكرية خلال العامين 2018-2019، وعن الفساد المالي والتنظيمي وسوء إدارة وتخديم المناطق الخاضعة لسيطرة "الهيئة"، ما أدى إلى اعتقاله ومحاكمته، فاستقال زميله المحامي عصام الخطيب وزوجته علا الشريف، وخرج المصريان أبو شعيب وأبو اليقظان عن صمتهما، حيث أطلق الأربعة حملة للصغط على "تحرير الشام" من أجل إطلاق سراح أبو العبد ومحاسبة قيادة التنظيم.

يحسب لمجموعة "لواء أشداء" أنها لم ترتكب حتى انضمامها لـ"هيئة تحرير الشام" أي تجاوزات أو انتهاكات بشكل عام، ولم تدخل في مواجهة مع أي فصيل آخر، كما ظلت بعيدة عن التدخل في الشأن العام، وربما كان تشكيل "شعبة المعلومات" العام 2015 السقطة الأكبر لـ"للواء" الذي تراجع عنها بعد الفشل الذريع والانتقادات الواسعة.

ورغم العداءات الشخصية التي جمعت بعض قادة "اللواء" بناشطين من مدينة حلب، بسبب اتهامات كان هؤلاء القادة يتعمدون توجيهها لبعض الناشطين، ووصل بعضها حد التخوين، فإن "اللواء" احتفظ بعلاقات جيدة مع مختلف الفصائل. ويمكن الإشارة بهذا الصدد إلى أن "تجمع فاستقم"، التشكيل التابع لـ"الجيش الحر"، اختار بأن يكون "اللواء" هو من يبت بقضية قائد "التجمع" الذي تعرض للتفكيك من قبل فصائل أخرى خلال حصار حلب، بعدما اتهم بالتآمر في اغتيال قائد "كتائب أبو عمارة"، وتمت تبرئة التجمع من هذه الاتهامات، ومن ثم سمي "أبو العبد القائد العسكري لـ"مجاهدو أشداء" قائداً لحلب خلال معركة المدينة الأخيرة مع النظام. 
لكن المأخذ الأكبر الذي سجل على قيادات "أشداء" وجعلهم وحيدين تقريباً في مواجهة قيادة "هيئة تحرير الشام"، ليس فقط عدم اكتراثهم بضحايا "الهيئة" من الناشطين الثوريين قبل ذلك، وليس فقط عدم تضامنهم مع أي من القوى والشخصيات التي انشقت عن "تحرير الشام" سابقاً، وبالتالي استمرارهم في "الهيئة"، بل والأهم مشاركتهم في حرب استئصال "حركة أحرار الشام" التي كانوا جزءاً منها سابقاً، وكذلك الهجوم على "لواء صقور الشام"، الأمر الذي جعل الكثيرين يتجاهلون الخلافات بينهم وبين قيادة "الهيئة" ولا يسجلون أي تعاطف مع أبي العبد قبل وبعد الحكم عليه بالسجن.
تعود مجموعة "لواء أشداء" إلى ممارسة النشاط الدعوي والإعلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما تلاشت قوتها العسكرية، ويكافح أعضاؤها للحفاظ على حضورهم في خريطة القوى والشخصيات الحركية الإسلامية، وهو أمر لا يبدو سهلاً بالطبع، نظراً لافتقاد هذه المجموعة إلى الكثير من العوامل التي تتطلبها مواجهة البقاء اليوم.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها