الإثنين 2019/09/30

آخر تحديث: 14:26 (بيروت)

انعدام الأمن الغذائي في سوريا: أرقام مرعبة

الإثنين 2019/09/30
انعدام الأمن الغذائي في سوريا: أرقام مرعبة
Getty ©
increase حجم الخط decrease
تتفاقم معضلة الأمن الغذائي بين السوريين مع كل "انتصار" جديد تحققه مليشيات النظام الإيرانية والروسية. اتسع الخرق في نظام الأسد؛ وبات يفتقر إلى إمكانية تحريك عجلة الإنتاج، التي تخلق بدورها طلباً على الوظائف ما يمكّن العاطلين عن العمل من الانفاق على متطلبات عيشهم. بل أن النظام بات عاجزاً عن تمويل شبكات الحماية الاجتماعية للمعوزين، الذين تُقدّرُ أعدادهم بملايين السوريين، ما يفاقم مشكلة الحصول على الغذاء.

تتفاقم معضلة الأمن الغذائي في صفوف السوريين، وهي مرشحة لتطال ملايين جديدة، طالما بقيت الموارد الغذائية محدودة، وقدرة الناس على الوصول إليها محدودة ومحكومة بعوامل منها؛ توفر السيولة والتضخم وندرة السلع. سياسات النظام القاصرة تدفع السوريين إلى مجاعة عامة "وطنية"، تشترك مع مجاعات سياسة النظام بالتجويع والتركيع لمناطق المعارضة، بالفاعل، وتفترق عنها في الأسباب. هناك سلاح الجوع، وهنا مظاهر الحتّ والتعرية وقد قوّضت قوة النظام الاقتصادية الذاتية.

بيانات تقرير منظمة الـ"فاو"، "Food and Agriculture Organization"، في أيلول/سبتمبر، توضح عمق الأزمة السورية؛ فهناك "حوالي 6.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى 2.5 مليون شخص معرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي في حال عدم وجود دعم مناسب لسبل العيش"، رغم أن "زيادة إنتاج محصول القمح في 2019 قد حسّنت من توافر الحبوب في البلاد".

انشغال نظام الأسد بتسويق انتصاراته العسكرية الخالية من أي مكافئ اقتصادي، دفع بسوريا إلى قائمة "البلدان التي تحتاج إلى مساعدات غذائية خارجية"، وغدت من "بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض" فهي تعاني من "عجز استثنائي في الإنتاج والإمدادات الكلية للغذاء".

في نهاية 2018 أعلن المكتب المركزي للإحصاء، نتائج مسح الأمن الغذائي عن العام 2017، وفيه أن نسبة 23.4% من السوريين يُصنفون في خانة الآمن غذائياً، و45.6% في خانة "معرض هامشياً" لانعدام الأمن الغذائي، و31% غير آمنة غذائياً.

مكتب الإحصاء الذي يحتكر الرقم الإحصائي السوري ليس بالطبع مرجعاً محايداً بل ذراعاً اقتصادية لخدمة سياسات النظام، وقد قدّر عدد السكان الذين يعيشون داخل سوريا بـ24.4 مليون في 2017. واللافت أن أعلى نسب الأمن الغذائي كانت في طرطوس أولاً، اللاذقية ثانياً، ثم دمشق، فالقنيطرة، بنسب 38.3 و34.9 و32.5 و31.6% على التوالي، في حين كانت نسبة الآمنين في حلب، 13.2% فقط.

في نيسان/أبريل 2019، فجّر المكتب المركزي للإحصاء في ثنايا "المجموعة الإحصائية لعام 2018"، مجموعة قنابل "صامتة" لم يسمع بها سوى المهتمين وأصحاب الاختصاص، فقد ارتفع الرقم القياسي للأسعار بين 2011-2017 بنسبة 782.8%، وبلغ متوسط الإنفاق الشهري للأسر 115.9 ألف ليرة سورية، 58.5% منها للغذاء.

إلا أن 38.8% من العاملين بأجر (يقدرهم مسح المركزي بنحو 2.4 مليون، منهم 1.55 مليون في القطاع العام و840 ألف في الخاص) يتقاضون رواتب بين 35-45 ألف ليرة، بينما رواتب 28.4% تراوح بين 25-35 ألف ليرة، و7.6% رواتبهم فوق 65 ألف ليرة، في حين أن 1.7% من العمال رواتبهم 15 ألف ليرة وما دون.

أرقام تشير بوضوح إلى عجز النظام مالياً عن إعادة هيكلة الرواتب والأجور بما يتناسب ومستويات الأسعار السائدة، ما يعيق الوصول إلى الكفايات الغذائية. نتحدث هنا عن العاملين بأجر. العاطلون عن العمل خارج إطار هذه المقارنة.

ولطالما نهض الأمن الغذائي السوري، على القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إلا أن محصول القمح تعرّض إلى تراجع في الإنتاج بعد خروج مساحات واسعة من الدورة الزراعية جراء تحولها إلى مناطق عسكرية. وتوقع تقرير لـ"رويترز" أن تستورد سوريا هذا العام نحو 1.5 مليون طن قمح لسد حاجة السوق المحلي المقدرة بنحو 2.3 مليون طن.

تراجع الانتاجية ينسحب على الثروة الحيوانية، إحدى ضمانات الأمن الغذائي المحلي، التي توفر نسبة 39% من البروتينات و18% من السعرات الحرارية المأخوذة في العالم. بيانات وزارة الزراعة السورية في أيلول/سبتمبر، تشير إلى تراجع الثروة الحيوانية بنسبة 40%، من 23 مليون إلى 13.8 مليون رأس، وهو رقم يثير الشكوك بين متابعي الاقتصاد السوري؛ إذ يعتبرون أن الخسائر أكبر من ذلك وأن الشرق السوري قد خلا من القطعان الكبيرة.

في كل الأحوال حالت مستويات الرواتب والأجور دون استهلاك السوريين للحوم بكميات تقترب من استهلاك الفرد في الدول الأوروبية البالغ 80-90 كيلوغراماً سنوياً. في دراسة أنجزها اتحاد غرف الزراعة السورية في 2015، أشارت إلى أن 21 كيلوغراماً هي حصة السوري من اللحوم سنوياً.

يعاني الشخص من "انعدام الأمن الغذائي عندما لا يمكنه الحصول بانتظام على ما يكفي من الغذاء المأمون والمغذّي من أجل النموّ والتطور الطبيعي والعيش حياة نشطة وصحية. وقد يكون ذلك بسبب عدم توفر الغذاء و/أو نقص الموارد للحصول على الغذاء". تضيف "فاو" إلى التعريف السابق ثلاثة تصنيفات: أمن غذائي إلى انعدام خفيف في الأمن الغذائي، وانعدام الأمن الغذائي المعتدل، وانعدام الأمن الغذائي الشديد. ويُصنف الشخص ضمن الخانة الأخيرة "حينما ينفد غذاؤه، أو مر عليه يوم كامل دون تناول أي طعام في بعض الأحيان أثناء السنة".

تأثير انعدام الأمن الغذائي على حياة الانسان ليس حدثاً عادياً؛ فهو يُضعفُ الإنتاجية ويخفض من القدرة العقلية والأعمار. وإذ تنخفض إنتاجية المجتمعات المريضة، ترتفع تكاليف الرعاية الصحية. ولكن لماذا الفزع؟ فالانشغال بمستقبل المجتمعات تقليد الأنظمة الراسخة بقوة صناديق الاقتراع، لكن الأنظمة التي لا تجد في صندوقها الأسود سوى البوط العسكري فإن آخر ما يعنيها هو أمن السكان الغذائي، ومستقبلهم.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها