الخميس 2019/09/19

آخر تحديث: 10:38 (بيروت)

عن مكافحة الفساد..هل يستطيع نظام الأسد الانقلاب على نفسه؟

الخميس 2019/09/19
عن مكافحة الفساد..هل يستطيع نظام الأسد الانقلاب على نفسه؟
Getty ©
increase حجم الخط decrease
ارتفع سقف رئيس مجلس وزراء النظام السوري عماد خميس، قبل أيام، وهو يتحدث تحت قبة مجلس الشعب، في جلسة استمرت 8 ساعات، عن "تدقيق جارٍ في ملفات فساد كبيرة"، وكأنه رئيس حكومة منتخبة في دولة تُراكم سلوكيات الشفافية والحوكمة. المدة الزمنية الطويلة كانت أسخن العناصر بالنسبة لصحف النظام، فعنونت صحيفة "الوطن" لصاحبها رامي مخلوف، تقريرها بـ"8 ساعات الحكومة في مواجهة الشعب"، في دلالة تعكس العقل الباطن للنظام ووسائله الإعلامية.

قائمة "الفاسدين" الأخيرة المحجوز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة، ضمّت وزيراً سابقاً؛ هزوان الوز، في إجراء يوحي للعامة بارتفاع سقف المحاسبة، في حين أن النظام يبقي "الحملة" في الأطراف من دون أن تطال محطات توليد الفساد التي شهدت نمواً قوياً ومستداماً في عهد الأسد الابن. في وقت تراجعت فيه مؤشرات التنمية البشرية في البلد 27 مرة بين عامي 2012-2017.

نظام الأسد الأب ورّث الفساد، كركنٍ من أركان ديمومة حكم الإبن الذي حافظ على تخصيب وديعة والده، فأوغل في تكريس الفساد ليغدو علامة فارقة لنظام السلالة المتوحشة. منذ أدخلت منظمة الشفافية الدولية سوريا في تقاريرها السنوية عام 2002، وقيادة البلد تحافظ على ترتيبها في ذيل القائمة.

النسخة الرابعة والعشرون، لعام 2019، من تقارير "مؤشر مدركات الفساد" تمنح سوريا المرتبة 178 في قائمة تضم 180 دولة. يمكن تتبع العراقة بدءاً من 2003 حينما كان الترتيب 66 فقط، وتراجع إلى 71 في 2004 مع المزيد من استفراد النظام بجميع أشكال الحياة. في العام التالي تقدمت درجة واحدة، وبعدها حافظ النظام على جوهره. في 2006-2007 تراجعت إلى المرتبتين 93، ثم 138، وبعدها استقرت في ذيل القائمة بمرتبة 178 منذ العام 2017.

السوريون يعرفون أن مسيرة مكافحة الفساد، التي يروج لها بعض أعضاء الفريق الحكومي، هي وسيلة للتخدير المحلي ولإشغال الناس بقضايا جانبية تلهيهم وتحرف أنظارهم عن إخفاقات اقتصادية عميقة ومزمنة ساقهم إليها النظام، إذ ثمة أولويات أخرى تستحق "المكافحة"؛ التضخم الذي ارتفع بنسبة 1200% بين عامي 2011-2019، حسب تقديرات أحد أساتذة الاقتصاد بجامعة دمشق. ومن الأولويات الدفاع عن الليرة وبناء جدران صد عن أسعار الصرف التي دمرها شعار "كل شيء من أجل المعركة"، وتوفير القطع الأجنبي لزوم عمليات الاستيراد، بعد جفاف الدولار في الأسواق المحلية جراء توقف جميع روافد القطع الأجنبي التقليدية عن التدفق إلى أقبية المصرف المركزي.

شح السيولات الدولارية يشير إلى أن دوائر عدم اليقين بالاقتصاد السوري بدأت تتسع أكثر فأكثر بين الفاعلين الاقتصاديين في المناطق التي يسيطر عليها النظام. فـ"الانتصارات" العسكرية في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، لم يواكبها "انتصار" معيشي لطالما ردده إعلام النظام قبيل "تحرير" أي منطقة.

الفساد يأكل مولدات التنمية، وهو الذي كان أول العوامل النابذة لها؛ طيلة خمسة عقود من حكم الأسدين، بقي الاقتصاد السوري ريعياً، بعيدا عن توطين القيم المضافة في سلسلة انتاجه، كما فعلت ماليزيا على سبيل المثال، وهي ترتقي من تصدير المطاط الخام إلى رقائق التقانة. بقي القطن السوري يُصدّرُ محلوجاً والفوسفات خاماً.

يُسجّلُ تقرير التنمية البشرية 2018، أن سوريا سجلت 0.88 في متوسط النمو السنوي بين عامي 2000-2010، في حين أن تنزانيا حققت نسبة 2.24 خلال الفترة ذاتها. وبين 2010-2017 تراجعت "سوريا الأسد" بنسبة 2.60%، مقابل تراجع سجله العراق بنسبة 0.77% فقط.

ما تقدم، أو بعضه، كان البيئة الحاضنة، الجاذبة، الراعية المُصنّعة لنمو من نوع آخر؛ اقتصاد الظل، الأسود. هناك قطاع ينمو باضطراد، قدّره عبدالله الدردري، يوماً، بنحو 42% من قيمة الاقتصاد الكلي، فيما قدرته وزارة الاقتصاد السورية بنحو 60%، وكانت النسبة الأقل في بيانات صندوق النقد الدولي 19.58%؛ بين عامي 2011-2015. السوريون يعرفون جيدا من يتحكم بمنافذ سوريا مع العالم، ومن يدخل بواخر التبغ الفاسد إلى الأسواق.

التنمية، "سوريا جنة الاستثمار"، الإصلاح، وآخرها "مكافحة الفساد" شعارات تلوكها ماكينات الدعاية فقط، وتفتقر إلى بيانات إيجابية تدعمها، فالبلد الفاسد يكون فاسداً في نظام حكمه وفي صناعة "المرتديلا"، وفي خنق كل ما من شأنه تقليص دوائر النهب، ولذلك على سبيل المثال تكون جميع المؤشرات العامة حول "سوريا الأسد" سالبة. في مؤشر البنك الدولي "ممارسة أنشطة الأعمال 2019"، تراجعت سوريا من المرتبة 173 في 2017، إلى 174 في 2018، إلى 179 في 2019 في قائمة تضم 190 دولة.

في 9 كانون الأول/ديسمبر المقبل، يمر اليوم الدولي لمكافحة الفساد بعيداً عن "سوريا الأسد" كغيره من المناسبات الكاشفة لعورات الديكتاتوريات، وستبقى "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد" التي أقرتها حكومة خميس، في حزيران/يونيو، مجرد كلمة حق يراد بها باطل. لن ينقلب النظام على نفسه. فالنزاهة داء.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها