الأحد 2019/09/01

آخر تحديث: 09:46 (بيروت)

كيبيك تخدش سمعة كندا: لا للحجاب والقلنسوة

الأحد 2019/09/01
كيبيك تخدش سمعة كندا: لا للحجاب والقلنسوة
Getty ©
increase حجم الخط decrease
"اللباس يتحدَّث، اللباس له معنى، والعلامات التي يرتديها المرء على الثوب لها معنى"،
بهذه المقاربة يحدِّد عالم الإجتماع الكيبيكي غي روشيه، فلسفة "قانون احترام علمانيَّة الدَّولة" في مقاطعة كيبيك، أو القانون 21 الذي أبصر النور عن الجمعيَّة الوطنيَّة في 16 حزيران/يونيو.

المقاطعة الوحيدة التي ترطن باللسان الفرنسي في دول أميركا الشمالية سبق وتَحرَّرت من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية مطلع الستينات يوم نجحت بـ"الثورة الهادئة"، وهي تبدو اليوم وكأنَّها تستكمل "الثورة" بقانونٍ يمنع حمل وارتداء الرموز الدينيَّة في بعض المؤسسات والإدارات العامَّة. قانونٌ سيُبدِّد بعضاً من هواجس هذه المقاطعة القلقة على هُويتها من تأثير موجات المهاجرين الوافدين إليها من زوايا الأرض الأربع، وكلٌّ منهم يجلب معه دينه ولباسه ولغته وثقافته وهُويته ولونه.

لم تعدْ اللغة الفرنسيَّة وحدها هي العلامة الفارقة التي تُميِّز كيببك عن المقاطعات التسع والأقاليم الثلاثة الباقية، فمع إقرار حكومة اليمين بزعامة حزب التحالف من أجل مستقبل كييبك (الكاك) "قانون احترام علمانية الدولة"، بدت كيبيك وكأنَّها تُوسِّع الهوَّة الإجتماعيَّة والثقافيَّة والقانونيَّة مع بقيَّة المقاطعات وتُظهِر أكثر فأكثر عدم إكتراثها بناموس القيم، المُجسَّد في "الميثاق الكندي للحقوق والحريات" الذي تفتخر به كندا ويمنحها الفرادة كواحدة من أكثر الدول احترامًا للتعدُّديَّة الثَّقافيَّة والدِّينيَّة على الساحة الدَّولية.

بموجب قانون العلمانيَّة الذي دخل حيز النفاذ منذ إقراره، يُمنع على جميع الموظَّفين والمسؤولين في مناصب سياديَّة في السلطات القضائيَّة أو الإداريَّة أو البرلمانيَّة (مثل رئيس ونواب البرلمان، المدَّعون العامون، القضاة، عناصر الشرطة، حرَّاس السجون، بعض رجال الأمن) ارتداء النقاب أو الحجاب أو غطاء الرأس أو البرقع أو الصليب أو نجمة داوود أو القلنسوة أو التربان والعمامة السيخية أوالقلائد التي تحمل الدلالات الدينيَّة أثناء دوام العمل، وذلك مهما كانت دلالاتها وحجمها والديانة التي ترمز لها. ويتضمَّن التَّشريع أيضًا قواعد تُلزِم المواطنين الذين يتلقّون خدمة عامَّة بالكشف عن وجوههم لأغراض تحديد الهويَّة أو الأمن.

الميثاق الذي أرسى قواعده في الستينيات بيار ترودو، والد رئيس الوزراء الحالي جاستن ترودو، يكتسب قوَّة التشريع الدستوري، وهو بالفعل يُشكِّل الفصل الأوَّل من دستور البلاد. ورغم ذلك لم تَأبَه به حكومة كيبيك، مثلما لم تَأبَه باعتراضات الحكومة الفدراليَّة. إنَّ كلَّ الإمتيازات التي كَفلها الميثاق الفدرالي: من حرية الضمير والدين والفكر والعقيدة والرأي والتَّعبير والإنتماء والمساواة والنمط الديموقراطي في الحكم، يأتي اليوم قانون علمانيَّة الدَّولة، لينسف جوهرها بشكلٍ جذري ويحرم مواطني كيبيك منها.

رئيس الحكومة الفدراليَّة جاستن ترودو، يقول: "من غير المعقول أن نُضفي، في مجتمعٍ حر، الشَّرعيَّة على التَّمييز ضدَّ المواطنين على أساس دينهم"، فيما رئيس وزراء كيبيك فرانسوا ليغو يتخوَّف ألَّا يَتمَّكن أحفاده من التَّحدُّث بالفرنسيَّة بعد سنوات، ويردُّ على مَن يتَّهمونه بالعنصريَّة قائلاً: "عندما أسمع البعض يقول إنَّ كيبيك أصبحت عنصريَّة، فهل يعني ذلك أنَّ ألمانيا وفرنسا وبلجيكا عنصريَّة". بين هذين الموقفين يُلمِّح البعض إلى أنَّ القانون قد يُمهِّد لقوانين أخرى أكثر تشدُّدًا تخدم أحزاباً يمينيَّة ذات نزعات إنفصاليَّة أو ربما يُؤسس لمحاولة انفصالٍ ثالثة بعد استفتاءين فاشلين عامي 1980 و1995.

بالإعلان عن نقصٍ حادٍ في عدد المعلِّمين والمعلِّمات، تبدأ كيبيك، العام الدراسي بقانونٍ مُثيرٍ للجدل استغرق الوصول لإقراره عقداً من الزمن. هي مصرَّة على عدم الاستفادة من طاقة المهاجرين والمواطنين برفضها توظيف أيّ معلمٍ ومعلمةٍ، يرتدي رمزاً دينياً، فالقانون وضع المعلِّمات والمعلِّمين بالمرحلتين الإبتدائيَّة والثانويَّة في مصاف القضاة ورجال الشرطة والموظفين "أصحاب السلطة"، وحظَّر عليهنَّ لبس وارتداء الرموز الدينيَّة.

اليهود والسيخ والمسلمون يشكِّلون رأس حربة الإعتراض، لكنَّ المسلمين، يعتقدون أنَّ الحجاب هو المُستهدف بالمقام الأوَّل. بعضهم يرى أنَّ القانون لم يفرِّق بين الشِّعار الدِّيني والواجب الدِّيني، فالمرأة المُسلمة ترتدي الحجاب لأنَّه واجبٌ ديني وفي خلعه حُرمة. بينما المرأة الكنديَّة التي ترتدي صليباً تفعل ذلك طوعاً لأنَّه ليس واجباً دينياً مفروضاً بل ممارسة إختيارية. لذا فإن أكثر المتضررين منه هم المسلمات المحجبات اللواتي قد يفقدْنَ وظائفهن في الحكومة.

الفتاة المغربية المُحجَّبة إشراق نور الحق، باتت حديث الإعلام الكندي بعدما حرمها القانون 21 من حلمها بأَنْ تصبح معلِمة في إحدى مدارس مدينة مونتريال. الفتاة الشابة التي تعبت سنوات ونجحت في معهد إعداد المدرِّسين، إختارت مقاضاة الحكومة ورفعت شكوى مشتركة مع "المجلس الوطني للمسلمين الكنديين" و"المنتدى الإسلامي الكندي"، أمام المحكمة العليا في كيبيك تطالب بتعطيل القانون ووَقْف العمل الفوري به لأنَّه غير دستوري، تمييزي، ويناقض مبادئ حقوق الإنسان وحرية المُعتقد والحريات الشخصيَّة.

لكنَّ المحكمة العليا ردَّت الدعوى مُبررة قرارها بانتفاء صفة الإستعجال، وعدم وجود ضررٍ مباشرٍ يمكن أنْ يَلحَق بأيِّ شخصٍ جرَّاء تطبيق القانون. سبَّب الردُّ خيبة أملٍ للجهات المُدَّعية، لكنَّه لم يثنها عن استئناف الحكم حيث يُتوقع أن تنظر محكمة الإستئناف به في تشرين الثَّاني/نوفمبر المقبل. وإلى حينها تجد تلك الفتاة المغربية نفسها أمام ثلاثة خيارات: خلع الحجاب، الإنتقال نحو مقاطعة أخرى أكثر تسامحاً مع حمل وارتداء الرموز الدينيَّة وانتظار موعد انتخابات المقاطعة عام 2022 حيث أعلن الحزب الليبرالي، بأنه قد يُلغي القانون في حال وصوله إلى السلطة.

مستوى الإعتراضات على القانون لم تصل بعد إلى مستوى تأثيراته المستقبلية، عمليّاً لم تحصل أكثر من تظاهرتين تشابكت فيهما أيادي اليهود والمسلمين في نيسان/أبريل الماضي في شوارع مونتريال. في الأيام القادمة يُتوقع أن تنطلق جولةٌ من الإحتجاجات في مواقع التواصل الإجتماعي دعت إليها منظَّمات حقوقيَّة ونسويَّة ومناصرين كنديين، وستتزامن مع تجمُّعات لأبناء الجاليات المسلمة، إحداها ستُعقد في التاسع من أيلول/سبتمبر في أحد مساجد منطقة بروسار في ضاحية مونتريال الجنوبية.

منذ منتصف الثمانينيات والحديث عن العلمانيَّة يولِّد رُهاباً للمسلمين وللأقليات الدينيَّة في مقاطعة كيبيك الخائفة دوماً على هويتها في محيط إنكليزي طاغٍ في أميركا الشمالية. في المقابل تُولِّد الإسلاموفوبيا رُهاباً معاكساً عند الكيبيكيين. تبادل للرُهاب بدأ باللغة وانتقل للدين. ورغم كل ما قيل وكُتب، لن يخبو الجدل حول القانون 21 في مقبل الأيام والسنين، علماً أنًّ "بند الإستثناء" الوارد في متن القانون يُحصِّنه مدَّة خمس سنوات، قابلة للتجديد، بوجه الطعون الدستوريَّة. كندا ستكون محرجة بلا شك بتشويه كيبيك لسمعتها وهي التي تفتخر بأنَّها لم تفرِّق يوماً بين مواطنيها ومهاجريها، لا استناداً لأصولهم العرقيَّة والإثنيَّة، ولا للغة التي يتحدَّثون بها، ولا لانتماْءاتهم الدينية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها