الجمعة 2019/08/02

آخر تحديث: 12:37 (بيروت)

محكومون بالفشل.. في آستانة

الجمعة 2019/08/02
محكومون بالفشل.. في آستانة
Getty ©
increase حجم الخط decrease

كتب العقيد الطيار مصطفى بكور قائد "جيش العزة" المعارض والمقاتل في شمال حماة، في تغريدة محذراً من المشاركة في مؤتمر أستانة: "هذه اللعبة الروسية، فهم يظنون انهم قادرون على أحياء الأموات بعد دفنهم". وبعد أيام قليلة، قال الرائد ياسر عبد الرحيم، عضو وفد المعارضة إلى آستانة، إنهم سيشاركون في مباحثاتها "للدفاع عن الشعب السوري الذي يرزح تحت قصف النظام وروسيا، وتخفيف الضغط عنه".

وقبيل مغادرته اسطنبول إلى آستانة، قال أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة إنهم ذاهبون إلى هناك وخلفهم ما حققته القوى العسكرية من انتصارات على الأرض. وكانت مصادر في وفد النظام المفاوض قد قالت: "علمنا من الممثل الأممي أنه لم يتم التوافق بعد على اللجنة الدستورية، ولا على اختيار شخوصها، ولا على آليات عملها، ولا حول مبدأ رئاستها المشتركة، وعليه فإن الاجتماع سيكون روتينياً كسابقاته، ولن يخرج بأي نتائج".

أهم انطباع يمكن الخروج به إذاً، هو ألا علاقة لا للمعارضة ولا للنظام بما يحدث في الجولة الراهنة لمؤتمر آستانة، وأنه ينعقد لبرامج خاصة بالعلاقات الروسية- التركية، ومعهما الإيرانية، على هدي تطورات الوضع الراهن في سوريا، ولتنظيم الصراع بعد أن تُرك لفترة ليأخذ أبعاده، فيكسب كلٌ ما يقدر عليه، ويخسر ما لا يقدر عليه.

وكانت الجولة الثانية عشر قد انتهت إلى الفشل في التقدم بمسألة تشكيل اللجنة الدستورية، وإلى التأكيد على "على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات في إدلب، والعمل على الحد من سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب"، الأمر الذي ظهر خلافه لاحقاً من خلال محاولات محمومة للتقدم باتجاه إدلب من قبل النظام، وبدعم مباشر ونوعي من قبل الروس، مع مقاومة لافتة من قبل المعارضة، مدعومة أيضاً بدعم غير مباشر تركي، وأقل مباشرة وإعلاناً من قبل الولايات المتحدة أيضاً. وكان ينبغي أن يفهم الرعاة الروس الرسالة التي تمنع حسم مسألة إدلب على هواهم، وهوى النظام بالطبع. وحتى الأيام الأخيرة قبيل انعقاد مؤتمر آستانة، كان الجهد منصباً على تحقيق مكاسب ملموسة على الأرض، لم تكن ممكنة في الواقع.

كان من أكثر ما لفت أيضاً في نتائج تلك الجولة الثانية عشر، التوجه لعقد الجولة الجديدة من مؤتمر آستانة في جنيف، الأمر الذي تجاهله تماماً منظمو هذه "الجولة المقبلة"، أو من هم وراءهم. ليبدو من ثمّ، أن الجولة الحالية هي مجرد جلسة لاحقة للجولة التي سبقتها، بجدول الأعمال ذاته، ودرجة التعقيد ذاتها. ويمكن تسجيل هذا الأمر على أنه فشل روسي أكثر من كونه فشلاً لغيرهم، مع أن الجميع محكومون بالفشل كما يبدو.

في بعض جولات مؤتمر آستانة مثلاً، كان هنالك احتفاء بالنجاح بتبادل عدد من المعتقلين، وكان عددهم ربما عشرة في إحدى الجولات وعشرين في غيرها، واعتبر هذا نجاحاً كبيراً للمؤتمر وآلياته، ولكن، في ظل غيوم كثيفة وقاتمة لمسألة المعتقلين الأكثر إلحاحاً، وهم الذين يُعدّون بعشرات الألوف على الأقل. وكان كثيرون قد قالوا بإخلاص إنهم مستعدون للتعامل إيجاباً مع مسار آستانة لو استطاع تقديم شيء في قضية المعتقلين والمفقودين٫ ولا يبدو أن هنالك شيئاً ذا معنى من ذلك في أفق آستانة وعلى طاولاتها.

أما في جوهر الأمر، فقد كان الروس والأتراك قد بنوا سمعة مؤتمر آستانة استناداً إلى مفاهيم مادية ومباشرة: أولها وقف إطلاق النار وسفك الدماء في سوريا، وثانيها مفهوم "الضامن" والضامنين، وثالثها جلب أهل القضية وأطرافها إلى طاولة أكثر التصاقاً.

في المفهوم الأول، استطاع الضامنون التوصل إلى حالة جديدة هي "مناطق خفض التصعيد"، التقت مع مفهوم قريب من ذلك كان مطروحاً في الدوائر الأميركية صانعة القرار، ويتعلق بتثبيت خطوط السيطرة على الأرض وتظهيرها وتكريسها، ليمكن التفاوض بعدها. ولكن جرى قضم تلك المناطق واحدة بعد أخرى، لحساب منطقة واحدة بقيت بين شمال حماة وإدلب وبعض شمال وشرق اللاذقية، تم فيها الضغط الكاسح عسكريا على قوى المعارضة في تلك المناطق حتى تسليمها وطلب التفاوض والقبول بنسق واحد من تصفية قوتها لصالح النظام وأيضاً مع تجميع بعض القوى المعارضة الأكثر راديكالية- بما فيها جبهة النصرة وتجلياتها وأقربائها-، وكل ذلك لحساب "مصالحات" على النسق المطبوخ في حميميم، قاعدة الوجود العسكري- السياسي الروسي في سوريا.

تحاول روسيا مع النظام كسر مقاومة القوى المعارضة في المنطقة الأخيرة، لتغيير معادلة البحث على الأقل، أو للدفع باتجاه انهيار تلك المقاومة وتحويلها أيضاً إلى "مصالحة" على الأمر الواقع. ويبدو أن الأتراك والأميركيين لن يقبلوا بتغيير نوعي في هذا الأمر، لأسباب سياسية مباشرة، أو للحاجة إلى ميزان قوى أفضل في العملية السياسية اللاحقة. ويطمح الجميع ربما إلى استهلاك قوى الآخرين وتوريطهم في فخ لا يخرجون منه إلا مثخنين.


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها