الأحد 2019/06/09

آخر تحديث: 12:49 (بيروت)

طيف حرب أهلية في السودان

الأحد 2019/06/09
طيف حرب أهلية في السودان
Anadolu ©
increase حجم الخط decrease

بعد وصول رئيس الوزراء الاثيوبي، آبي أحمد، الى الخرطوم، انسحبت عناصر قوات الدعم السريع من الجادات الكبرى. الاتحاد الافريقي فوَّض آبي إجراء وساطة بين جنرالات المجلس العسكري الانتقالي السوداني والمدنيين- وهؤلاء ينوب عنهم تحالف قوى الحرية والتغيير.

بدأت الوساطة الافريقية في نيسان/ابريل الماضي مع وزير الخارجية الموريتاني السابق، محمد الحسن ولد لبات، الذي استمع إلى شروط تحالف قوى الحرية والتغيير الستة لاستئناف المفاوضات وهي: إنشاء لجنة تحقيق دولية تحدد المسؤولين عن أعمال العنف، وإعادة العمل بشبكة الانترنت، وانسحاب قوات التدخل السريع  من شوارع المدينة، وتحرير ياسر عرمان الذي اختطف في الخرطوم، والاعتذار عن أعمال العنف.

ولكن الآمال بالتوصل الى حل سياسي تخبو. فإثر انتهاء اللقاء بين فريق آبي في السفارة الاثيوبية وبين المدنيين، أوقفت سيارة على متنها مسلحون محمد عصمت، وأخذته إلى جهة مجهولة. ومحمد عصمت مسؤول في المصرف المركزي السوداني. وكان موظفو البنك المركزي شاركوا في الاضراب العام. ثم اعتقل مجهولون اسماعيل جلاب من مكان إقامته.

رسالة مسمومة
توجهت مركبات مليئة بعناصر "قوات الدعم السريع" الى هيئتي البنك المركزي في الخرطوم لـ"كسر" أو فك الاضراب. ففي المركزي عقدت جلسات عمومية مؤيدة للحركة الديموقراطية. وينبّه مدير مكتب صحيفة لوموند في إفريقيا، جان - فيليب ريمي، في مقالة عنوانها يُخشى أن يشعل عرابّو السودان الاقليميين حرباً أهلية، إلى أن موظفي المصرف كانوا يؤدون دوراً بارزاً في الحراك الديموقراطي. شلُّ عجلة عمل في البنك المركزي يمنع المجلس العسكري الانتقالي من تسلم مبالغ الدعم الاقليمي لانقاذ الاقتصاد السوداني من شح السيولة. واعتقال محمد عصمت يثبط الآمال المعقودة على قدرة آبي أحمد على تحريك عجلة العملية الانتقالية التي بدأت، إثر اطاحة الرئيس عمر البشير في 11 نيسان/ابريل، والتي كان يفترض أن تنتهي إلى نقل السلطة الى المدنيين للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً. ولكن تدخل قوات الجنرال حميدتي المطلقة اليد بالسرقة والقتل والعنف في الخرطوم منذ الاثنين الماضي، بددت الأمل في خاتمة سياسية مدنية.

وعلى رغم ان أعداد قوات الدعم السريع في الخرطوم تبلغ حوالى 10 آلاف رجل، يرى جان - فيليب ريمي أن هذه القوات لم تُفلح في قمع العاصمة السودانية. ويبدو أن سفك دماء أكثر من 116 سودانياً عشية السابع من حزيران/يونيو الحالي، قد تشعل فتيل حرب أهلية عوض ترسيخها النظام والقضاء على "الفوضى"، على قول الآمرين بالعنف في قوات الدعم السريع.

ظل البشير
ويرى مراقبون أن بوادر القتال في السودان بين الفصائل المسلحة بدأت تظهر. وإذا ما اندلع نزاع من العسير السيطرة عليه. وفي مثل هذا النزاع يُرجح أن تتواجه قوات الدعم السريع مع الجيش السوداني المحبط من امتيازات اجهزة الأمن والمجموعات شبه العسكرية مثل تلك التي يقودها الجنرال حميدتي والميليشيات المدججة بالسلاح التي تمولها الاستخبارات العامة أو ميليشيات حزب عمر البشير، أي حزب المؤتمر الوطني. ويبدو أن لحزب البشير دوراً في سعي المجلس العسكري الانتقالي الى بعث النظام القديم. ولم تكن الأمور لتؤول إلى ما آلت إليه من عنف من دون دعم مصر والسعودية والامارات العربية. فهذا الثلاثي يسعى الى توسيع دائرة نفوذه ومكافحة بروز أنظمة ديموقراطية ليبرالية من جهة، أو بروز الإخوان المسلمين، من جهة أخرى. وتسعى الدول الاقليمية هذه الى السيطرة على هذا البلد الغني بالمعادن، والاستفادة من تربته الغنية الفريدة من نوعها في إفريقيا لضمان أمنها الغذائي. وترمي الترويكا هذه الى الحؤول دون توسع المد الصيني في البحر الأحمر. وكانت بكين أنشأت أولى قواعدها العسكرية في جيبوتي في 2017.

وتخشى واشنطن انفلات الامور على غاربها في السودان فينزلق إلى دوامة حروب مثل ليبيا. ولذا، دانت جرائم "قوات الدعم السريع" لحمل حلفائها العرب على العدول عن التصدي للمدنيين من السودانيين. وينبّه تيموثي كالداس المحلل في مركز (ميدان) التحرير لشؤون الشرق الأوسط، في صحيفة واشطن بوست الأميركية،  إلى أن السودان يفتقر الى "قيمة استراتيجية" في حسابات الحكومات الغربية تضاهي نظيرتها في مصر أو  السعودية. فطوال أكثر من عقد، بقي البشير في منصبه على رغم أنه مطلوب للعدالة الدولية، وكانت الدول العربية تستقبله في وقت كانت الدول الغربية تقف موقف المتفرج.

وتضع كل من السعودية والامارات نصب أعينها مواصلة بسط نفوذهما في افريقيا، بعد أن ساهمتا في تغيير التوازنات في إثيوبيا وترجيح كفة آبي أحمد، الذي شرَّع حدود بلاده على أريتريا وأنهى نزاعاً دام عقوداً بين الدولتين الشقيقتين اللدودتين. وآبي أحمد هو خير ممثل لهما في المنطقة، تحديداً في الصومال  للالتفاف على الدورين القطري والتركي. فالقوى الاقليمية هذه تخشى التغيير وتفشي عدواه، وتسعى الى إرساء أنظمة موالية لها أو إبرام تحالفات مع القوى العسكرية الأثيرة على قلوبها. وهذه الطموحات الاقليمية لا تقتصر على السودان فحسب بل تصل الى الجزائر حيث نجح الحراك المدني في إطاحة رئيس "مزمن" مثل البشير، وحيث تتواجه قوى مدنية مع المؤسسة العسكرية التي تحكم قبضتها على شطر واسع من مؤسسات الدولة. ويبدو أن كفة مصر والسعودية والامارات رجحت في السودان. ويتيح لها ذلك الاحتفاظ بنفوذها في هذا الجزء من البحر الأحمر والتأثير في موازين القوى في ليبيا من طريق بلوغ حلفاء الجنرال الليبي، خليفة حفتر، السلطة في الخرطوم. ويؤازر الدور الإقليمي هذا دعم  صيني وروسي في مجلس الأمن حال دون صدور بيان يشجب ما يجري في السودان. فالروس يرون في كل حراك ديموقراطي طيفَ ساحة الميدان الأوكراني، وترى موسكو أن الغرب يقف وراء رفض المعارضة السودانية دعوة رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، إلى التفاوض، على ما أبلغ مصدر ديبلوماسي روسي صحيفة "كوميرسنت" الروسية. وتؤيد موسكو وبكين ما تسعى إليه دول المنطقة والعسكر السوداني، أي تقاسم  السلطة مع معارضة "نظامية" وإقصاء تجمع المهنيين السودانيين، وهو يضم أكثر من 50 نقابة مهنية بينهم الأطباء والمحامون والصحافيون والمهندسون والصيادلة والمصرفيون، وتحالف الحرية والتغيير.

ولن يفضي رجحان كفة العسكر والجنجويد في السودان إلا إلى الخراب وتعميق الشقاق والانقسام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها