الأحد 2019/06/02

آخر تحديث: 22:20 (بيروت)

الانتخابات الأوروبية: ناخبون بسترات صفراء

الأحد 2019/06/02
الانتخابات الأوروبية: ناخبون بسترات صفراء
Getty ©
increase حجم الخط decrease

ليلة الانتخابات الأوروبية، لم تكن الجلبة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ جرت العادة أن تكون تلك المواقع ميزان حرارة الأحداث السياسية الكبرى. في فرنسا على الأقل، كان "الترند" على موقع "تويتر" حول مباراة كرة قدم في لندن، وبرنامج مسابقات تلفزيوني. لم يتصدر وسم الانتخابات الأوروبية قائمة الوسوم الأكثر تفاعلاً بين جمهور "تويتر".

بالنظر إلى إحصائيات الانتخابات، تبدو الأرقام في غاية الغرابة، وبحاجة إلى جهد كبير لتفكيكها، فنسبة المشاركة هي الأكبر منذ عشرين عاماً في التكتل الأوروبي، لكن تفصيلاتها في بعض الدول تحيل إلى تعقيدات كبيرة، خصوصاً مع الفارق الكبير الذي سجل بين استطلاعات الرأي والأرقام الرسمية في يوم الانتخابات.


أوروبا خارج الاهتمام
"الناس عموماً لا يهتمون بأوروبا، أو على الأقل يعارضون سياسة ماكرون برفضهم التصويت" هذه النتيجة التي خلص إليها لويك نيرين، خريج كلية الاقتصاد في جامعة لورين في مدينة ميس قرب الحدود الألمانية. يقول لـ"المدن" شارحاً نتائج هذه الموقعة "شاركت في الانتخابات من وجهة نظر حزب فرانسوا أسلينو (الاتحاد الشعبي الجمهوري وصاحب النسخة الفرنسية من بركسيت) ولكن في الحقيقة السؤال الرئيسي هو: لماذا فاز التجمع الوطني إلى حد كبير؟".


يرى لويك أن الفرنسيين سعوا إلى التصويت ضد ماكرون، وأن الناخبين بدوا وكأنهم يرتدون سترات صفراء في الواقع، لكن رغم ذلك يعتبر أن حزب "التجمع الوطني" التي تقوده مارين لوبان سيعود إلى أرقامه وحدوده الطبيعية، لأن ممارساته وخطابه طوال الوقت كانا الورقة السحرية التي تجعل خصومه يفوزون دائماً. ويطرح على ذلك مثال الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت عام 2002 "وصل والد مارين لوبان إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.. جميع وسائل الإعلام لمدة أسبوع كامل كانت تهاجمه وتحذر من العنصرية، وعودة هتلر.. وفي النهاية فاز خصمه جاك شيراك بـ80 في المئة من الأصوات.. وفي مثل تلك الانتخابات تبدو نتائج التجمع الوطني المثيرة للجدل الآن، وستكون مفيدة بشكل خاص لماكرون في انتخابات 2022".


الحرية لا تكفي..
في ليون، المدينة التي عادة ما ينظر لها على أنها "بيضة القبان" في الاستحقاقات الفرنسية الكبرى، والتي كان لها الأثر الأكبر في فوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة، تحدث بينوا لـ"المدن" عن التغيير الكبير في الحياة السياسية الفرنسية بعد عهد الرئيس فرانسوا هولاند.


يقول إنه كان سعيداً للغاية عندما تسلم بطاقته الانتخابية ليمارس هذا الحق للمرة الأولى عندما كان يرى جيلاً جديداً من اليسار يحمل شعار "التغيير الآن" الذي طرحته حملة هولاند، لكن مع الفشل الذريع الذي مني به عهد الرئيس الأضعف في تاريخ فرنسا "أصبحت غير مكترث بالسياسة بعد عهد هولاند الكارثي".


يشير بينوا إلى أنه لم يصوت في الانتخابات الأوروبية "حتى أنني لم أبذل جهداً للنظر على قوائم المرشحين.. ماذا ينفع ذلك إذا كان الفرنسيون لا يسمعون سوى ما يريدون تصديقه؟ وماذا ينفع ذلك إذا كان اليمين أو اليسار أو أقصى اليمين واليسار لا يستمعون إلى الفرنسيين؟".


ماذا عن صعود اليمين المتطرف في بلد كانت له الكلمة الأولى في مكافحة هذا الخطاب في أوروبا؟ يجيب بينوا "نحن نعلم جيداً أنه يوجد في أعماقنا شكل من أشكال العنصرية.. أعتقد أن الطبقة الوسطى والفقراء سئموا الظلم و هذا لن يعالج مع السنين، بل على العكس سوف يصبح أسوأ". ويتابع "أنا في مرحلة أعتقد أنني أميل ضد رغباتي.. أنا أفضل اليمين المتطرف على الأطراف الأخرى التي تكذب علينا لفترة طويلة". ويرى أن المشكلة في اليمين المتطرف في فرنسا "أن نواياهم الحسنة للنهوض ببلدهم يمكن أن تؤدي إلى خسارتهم".


ويرى بينوا أن ما يحصل حالياً في أوروبا عموماً وفي فرنسا خصوصاً من حركات احتجاجية يحيل إلى نتيجة أن الحرية "أمر مزيف، فما الفائدة منها إذا كنت تستطيع أن تصرخ بوجه الطبقة الحاكمة وهي لا تستمع لك؟ الحرية لا تعني أنك ستحصل على ما تريده".


المواطن الفرنسي العادي يريد الدفاع عن أرضه الآن
في مونترو فويون، إحدى ضواحي ايل دو فرانس الكبرى، يبدو عزالدين، وهو فرنسي من أصول جزائرية في غاية الأسف لما آلت إليه نتائج الانتخابات. يقول عزالدين لـ"المدن"، إنه لم يتفاجأ بالنتائج، فالفرنسي العادي عرف نفسه الآن ويريد الدفاع عن أرضه من خلال قراءته لأفكار مثل التي يطرحها اريك زيمور (المفكر اليهودي ذي الأصول الجزائرية، والمناهض للوجود الإسلامي في فرنسا وأوروبا)".


يرفض عزالدين الكشف عن صوته الانتخابي، ويقول محتداً "سرية التصويت حق مكفول.. أعتقد أنه كان هناك ظلم للأحزاب الصغيرة"، في إشارة إلى عدم فوز حزب "اتحاد الديموقراطيين الفرنسيين" الإسلامي بأي مقعد.


ويضيف "وافقت أوروبا على تحرير الشعوب، لكنها لا تريد اللاجئين. المواطن ليس على دراية كافية بالقضايا السياسية لأن 50 في المئة من الناخبين ظلوا في منازلهم. لم تعد فرنسا دولة ديموقراطية (..) وقد بدأت بالفعل ممارسات من هذا القبيل، حيث لم يعد يسمح للنساء المحجبات بمرافقة أبنائهن أثناء الرحلات المدرسية على سبيل المثال".


اليسار مسؤول عن صعود اليمين المتطرف
سابين مازي وهي طالبة فرنسية، أجابت على أسئلة "المدن" عبر تطبيق واتساب لتواجدها في ألمانيا. طلبت وقتاً لترتيب أفكارها ومن ثم مراجعتها. تقول "يرى بعض المواطنين الأوروبيين أن ظروفهم المعيشية وعملهم وإنجازاتهم الاجتماعية تتدهور عاماً بعد عام، ويعتقدون أن هذا التدهور يرجع إلى عوامل عديدة: أولاً الحالة الاجتماعية والاقتصادية (ارتفاع معدل البطالة، وفقدان القوة الشرائية، وما إلى ذلك). ثانياً، تدفقات الهجرة والتي تعززت إلى حد كبير فكرتها الخاطئة من خلال التغطية الإعلامية لأزمة اللاجئين لعام 2015. ثالثاً، مساواة مستويات المعيشة بما يتناسب مع وضعها غير الملائم بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".


وتضيف "إلى جانب الجوانب الاقتصادية، هناك جانب آخر، فلسفي ربما، إذ فقد الناس كل ثقتهم بممثليهم السياسيين خلال العقود الماضية بسبب فضائح الفساد المختلفة، والفجوة التي اتسعت بين الواقع الاجتماعي ومستوى معيشة الممثلين المنتخبين، فضلاً عن قلة اهتمام أولئك السياسيين بوطنهم لصالح العولمة المتطرفة. لذلك وجد الناس أنفسهم في خطب يمينية متطرفة تدعو إلى إغلاق الحدود، والخروج من الاتحاد الأوروبي، والعودة إلى ماض مجيد على الصعيدين الوطني والدولي".


تلقي سابين باللوم على أحزاب اليسار، وطريقة خوضها لهذه الانتخابات، رغم أنها لم تكن متفاجئة بالنتائج. لكنها تعتبر أن صعود اليمين المتطرف مؤشر يجب أن ينتبه له الأوروبيون، وتوضح "إذا كان اليمين المتطرف يشكل تهديداً لفرنسا، فهذا تهديد لي شخصياً أيضاً، لأنه إذا وصل في يوم ما إلى السلطة، فإن قراراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستكون خطراً على التماسك الاجتماعي. وإذا نشأت المزيد من التوترات بين الناس بسببهم، فعندئذ سأشعر بالخطر أيضاً". تختم سابين حديثها بالإجابة على سؤال حول ما إذا كانت ترى أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا بات قريباً بالقول "في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2022 ربما".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها