الأربعاء 2019/06/12

آخر تحديث: 12:13 (بيروت)

هل أشعل مستوردو القمح الروسي النار بالقمح السوري؟

الأربعاء 2019/06/12
هل أشعل مستوردو القمح الروسي النار بالقمح السوري؟
Getty ©
increase حجم الخط decrease
خلال الأسابيع القليلة الماضية، امتدت النيران التي التهمت محاصيل القمح السوري من مدينة سلمية وسط البلاد، مروراً بحقول محافظتي الرقة وديرالزور، وصولاً إلى اشتعال النيران في عشرات القرى المحيطة بمدينة القامشلي شمال البلاد؛ ولم تنجُ حتى حقول محافظة السويداء جنوبي البلاد من هذه النيران، والتي تزامنت في وقت الحصاد.

وبالاستناد إلى شهادات من مزارعين سوريين في المناطق التي طالتها الحرائق، فإن أحد أهم الأسباب التي تكمن خلف اشتعال النيران كانت بهدف تأمين مصالح "بعض" التجار، الذين عقدوا صفقات بملايين الدولارات من أجل استيراد القمح من الخارج. وعلى الرغم من غياب أي تحقيق فعلي في أسباب هذه الحرائق، يبدو أن هناك اجماعاً على أنها بفعل فاعل، ساهم فيه ارتفاع درجات الحرارة و"رمي أعقاب السجائر" على ما ذهب إليه الاعلام الرسمي.

الفلاح قاسم محمد، من مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة، يقول لـ"المدن": "تقع أرضي في منطقة بعيدة عن المدينة، وعملياً لا يوجد ثمة طرقات عامة قريبة من المنطقة سوى تلك التي أستعملها انا للذهاب إلى حقلي، وهذه الحجة حول تحميل أعقاب السجائر أو عوادم السيارات مسؤولية هذه الحرائق مردودة على أصحابها".

في مدينة القامشلي، طالت النيران عشرات القرى المحيطة بالمدينة، ملتهمة محصول القمح في الريف الممتد بين مدينتي المالكية وتربسبيه وأتلفت حوالي 100 ألف دونم. وطالت الحرائق قرى بأبسي وخشنية وتوكل وآلة قوس وأليان بريف القامشلي. بينما التهمت النيران نحو 600 دونم من الأراضي الزراعية بالقرب من قرية العزيزية التابعة لرأس العين.

بعض الفلاحين في ريف القامشلي، حملوا المسؤولية الى حرس الحدود التركي، وآخرون اتهموا تنظيم "داعش" بالمسؤولية عن نشوب الحرائق شرقي الفرات، وذلك تارة بسبب العمليات العسكرية التي يقوم بها التنظيم وتؤدي إلى نشوب الحرائق، وتارة بسب تعمده إشعال الحقول التي يعتقد التنظيم بأن أصحابها يوالون "قوات سوريا الديموقراطية".

محمد نور الهندي، من مدينة الرقة، يقول: "أصبح تنظيم داعش شماعة لكل الإرهاب في المنطقة، وعلى الرغم من أن التنظيم لا يتردد في ارتكاب أبشع الجرائم وبكل الأشكال، إلا أنه من المدهش أن الحرائق لا تطال سوى منتوج زراعي محدد ألا وهو القمح، فهل العمليات العسكرية في المنطقة لا تصيب بآثارها سوى هذا المنتج؟".

في السويداء اتهم الفلاحون حواجز ومواقع قوات النظام بافتعال الحرائق، وفي ريف حماة وسهل الغاب تسبب قصف مليشيات النظام باندلاعها. وفي مناطق سيطرة النظام بريف حماة، اتهم النظام قوات المعارضة باستهداف السهول المزروعة بالقمح بالقذائف.

وكانت سوريا تنتج كمعدل وسطي نحو 4 ملايين طن من القمح سنوياً، تستهلك منها حوالي 2.5 مليون طن، وتصدر نحو 1.5 مليون طن. وكانت سوريا بذلك ولعقود مضت، مكتفية ذاتياً من إنتاج القمح. وفي السنوات الثلاث التي سبقت عام 2011، تحولت إلى مستورد لمادة القمح؛ بسبب سوء المناخ والجفاف، بحسب إعلام النظام. في العام 2009، هجر مئات الآلاف من فلاحي محافظة الحسكة أراضيهم الزراعية، ليستقروا في ضواحي المدن الكبرى، وينضموا إلى سكان العشوائيات من الفقراء والمهمشين.

وفي الوقت الذي حملت فيه الحكومة السورية الجفاف وسوء الأحوال الطبيعية مسؤولية هذه "الهجرة"، فإن المؤكد أن الحكومة السورية كانت قد رفعت أسعار المحروقات والأسمدة والبذار في السنوات التي سبقت انهيار المواسم الزراعية بشكل دراماتيكي، حتى أصبحت كلفة الانتاج لا تتناسب مع سعر السوق، والذي تحدده "المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب"، المشتري الحصري للقمح السوري.

بعد العام 2011، تدهور إنتاج القمح في سوريا بشكل كبير، وفي عام 2017 وصل إنتاج سوريا من القمح إلى فقط مليون و850 ألف طن، بحسب المكتب المركزي للإحصاء (نشرة 2018)، في الوقت الذي كان إجمالي إنتاج القمح في عام 2013 على سبيل المثال نحو 3 مليون طن. بينما لم يتجاوز إنتاج القمح لعام 2018 المليون و200 ألف طن، بحسب منظمة الفاو للأغذية.

الحكومة السورية توقعت أن يتجاوز موسم القمح للعام 2019، حدود الـ2.5 مليون طن، ما يؤمن الطلب المحلي، ويحقق الاكتفاء الذاتي. ومع ذلك، عقدت الحكومة مجموعة صفقات تجارية مع روسيا، استوردت عبرها نحو 600 ألف طن، إذ تشير الإحصائيات إلى حاجة الحكومة السورية إلى استيراد نحو 1.5 مليون طن لتلبية الطلب الداخلي. فهل لهذه العلاقة التجارية بين الشريكين؛ السوري والروسي، مصلحة فعلية في وقف استيراد سوريا للقمح من الخارج؟

مع انتشار النيران وضياع نسبة هائلة من القمح السوري، أعلن مدير "المؤسسة السورية للحبوب"، الثلاثاء، عن تفريغ 4 بواخر محملة بـ110 آلاف طن قمح مستورد كانت وصلت إلى مرفأ طرطوس خلال أيام عيد الفطر. وأوضح أن استيراد هذه الكمية من القمح يأتي في إطار الجهود الحكومية لـ"تعزيز المخزون الاستراتيجي من المادة". في حين لم تتجاوز كميات القمح التي اشترتها المؤسسة من الفلاحين، لغاية الثلاثاء، أكثر من 92 ألف طن.

حكومة النظام كانت قد عادت وأعلنت استمرار استيراد القمح للموسم الحالي، "على الرغم من توقعات بمحصول قمح جيد، مقارنة بالمواسم السابقة". إذ أبرمت "السورية للحبوب" ثلاثة عقود لاستيراد 600 ألف طن، بقرض من مصرف سوريا المركزي، عن طريق المصرف التجاري، وتبلغ قيمة العقد الواحد 24 مليار ليرة، بإجمالي 72 مليار ليرة للعقود الثلاثة. العقد الأول عبر شركة "سوليد 1" الروسية، لاستيراد 200 ألف طن بسعر الطن الواحد 310 دولارات، والعقد الثاني لاستيراد 200 ألف طن من شركة "سيستوس" بسعر 259.95 دولاراً للطن الواحد، والعقد الثالث استيراد الكمية نفسها عبر شركة "الشرق الأوسط" بسعر 252 دولاراً للطن.

الظروف المناخية المساعدة على انتشار الحرائق هي ذاتها في تركيا والأردن والعراق وفلسطين، ومع ذلك لم تندلع الحرائق على هذا النطاق الواسع، ولم تتحول إلى مادة للتجاذب وقذف الاتهامات بين المكونات الإثنية والطائفية للمجتمع السوري. وهنا، يبدو أن المسؤول الفعلي عن حرائق العار التي تطال لقمة عيش السوريين هو ذاته من له المصلحة في عقد صفقات تجارية لاستيراد القمح، والتي تضخ المليارات في جيوب تجار وجهات لا تكترث سوى بالربح.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها