الخميس 2019/05/30

آخر تحديث: 11:22 (بيروت)

إيران-أميركا: ديبلوماسية العضلات

الخميس 2019/05/30
إيران-أميركا: ديبلوماسية العضلات
Getty ©
increase حجم الخط decrease
قبيل زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، طهران للقاء المرشد علي خامنئي، والرئيس الإيراني حسن روحاني، انتقد الناطق باسم الخارجية الايرانية "تخلي واشنطن عن الاتفاق النووي وإعادة العقوبات و"ممارسة الإرهاب الاقتصادي". ولا يزال شاغل الصحافة الاميركية، تحديداً نيويورك تايمز، هو الخلاف بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب، ومستشاره لشؤون الامن القومي جون بولتون، في وقت برز خلاف بين الرئيس الايراني حسن روحاني والمرشد علي خامنئي.

ولطالما سعت الرئاسة الايرانية، سواء في عهد الرئيس على أكبر هاشمي رفنسجاني، او محمد خاتمي، وصولاً إلى روحاني، إلى تغليب كفة السياسة الواقعية، أي ضمان بقاء الجمهورية الاسلامية، على قول كلمان تارم، في "لوموند" الفرنسية، على كفة الايديولوجيا؛ إرث آية الله الخميني.

سيف التغريدة

وبدا أن تغريدة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 19 أيار/مايو، أثارت قلق عامة الايرانيين، بعدما قال: "إذا ما أرادت إيران الحرب لقيت نهايتها. لا تهددن الولايات المتحدة من جديد أبداً". وجاءت التغريدة بعد سقوط صاروخ في جوار السفارة الاميركية في بغداد الواقعة في المنطقة الخضراء. وعلى الرغم من أن الرئيس الاميركي أعلن أنه لا يسعى الى شن حرب على إيران، كانت التغريدة قد فعلت فعلها في أوساط عامة الايرانيين، على نحو ما نقل موقع "إيران واير" في مقالة عنوانها "قلق الايرانيين من الحرب"، والتي رصدت إقبال الايرانيين الكبير لقراءة مقالات نشرت على مواقع فارسية تتناول الاستعدادات العسكرية أو التحذيرات الايرانية والأميركية.

والنقاش محتدم بين الايرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي عن احتمالات مواجهة عسكرية. وهذه النقاشات تشير إلى أن الايرانيين لم يكونوا على هذا القدر من القلق من مواجهة عسكرية منذ 2003 قبيل الحرب على العراق، وأثناء الهجوم الاميركي وبعده. وبرزت دعوات في الداخل الايراني، وخصوصاً في دوائر الاصلاحيين المقربين من الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الى المصالحة وتخفيف الاحتقان من طريق الافراج عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي. ولكن هذه الدعوات لم تبلغ مبلغ تأييد مفاوضات مباشرة مع أميركا.

حشد أميركي غير شعبي

تتزامن تهديدات ترامب ثم مهادنته مع بدء حشد قوات أميركية على الحدود السورية–العراقية والسورية–الأردنية، على ما لاحظته صحيفة "نيزافيسيما غازيتا" الروسية في مقالة عنوانها "الولايات المتحدة ترد بقوة على تقارب بغداد مع طهران". فواشنطن "حركت قافلة عسكرية أميركية من الأردن إلى محافظة الأنبار غرب العراق. وقامت بتسليم الأسلحة والذخيرة إلى القاعدة الجوية في قرية "عين الأسد". وأفاد موقع "المعلومة" العراقي أن أكثر من 10 آلاف جندي أميركي يرابطون غربي العراق، في قاعدتي عين الأسد والحبانية. و90% من الجنود الاميركيين في العراق مقاتلون وليسوا مستشارين عسكريين، على ما أكدته مصادر لموقع معلومة. وندد المحلل العراقي صباح العكيلي، بـ"توسيع الأميركيين قاعدة عين الاسد وزيادة مساحة مطارها ونصب منظومة باتريوت في تلك القاعدة. ودليل العكيلي على أن القوات الاميركية في العراق عسكرية هو "الهجمات الاميركية ضد القوات الامنية في كركوك". ولكن الصحيفة الروسية تختم مقالها بإدراج هذا الحشد الاميركي في سياق استعراض العضلات في كل طهران وواشطن، فالاولى تعلن عن استعدادها للدفاع عن مصالحها الاقليمية، والثانية تعلن استعدادها إذا لزم الأمر إلى تدابير حازمة أكثر في صد إيران، على رغم أنها تفتقر إلى قدرات كافية لبدء عمليات عسكرية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية.

ديبلوماسية عرض العضلات

تُقابل الخطوات الديبلوماسية الإيرانية خطوات "عسكرية" ينفذها حلفاؤها في المنطقة، وهي هجمات غير متكافئة قليلة المخاطر. وبرزت أخيراً مشادة كلامية بين المرشد الأعلى والرئيس الايراني. ويرى موقع "إيران واير" ان هذه المشادة لم تخرج عن المألوف في تبادل اللوم، ويذكِّر بأن مثل هذا التراشق الكلامي هو ديدن النظام. فلطالما اتُهم السياسيون والناشطون الذين ينبهون الى خطورة الموقف بالتمهيد لاستسلام الجمهورية الاسلامية، ويُسلط المقربون من المرشد الضوء على أوجه الشبه بين المرحلة الحالية وبين المرحلة التي سبقت الاتفاق النووي. ويأخذون على "المعتدلين" الايرانيين اعتبارهم أن الحل لتجنب عقوبات كارثية أميركية هو التفاوض غير المجدي مع  أميركا وتقديم تنازلات استراتيجية للعدو من دون مقابل.

سلم إيراني بارد مع أميركا

ويرى كليمان تارم، الباحث في برنامج الشرق الاوسط في معهد الدراسات الاستراتيجي في لندن، في "لوموند" الفرنسية أن طهران تدرك أن انزلاقها الى حرب مع الولايات المتحدة يهدد بقاء الجمهورية الاسلامية الايرانية. فالاستياء الشعبي عارم. وهو ينبه إلى مصلحة طهران وواشطن في الحفاظ على السلام البارد بينهما. ويقول أن أبرز العوامل الايرانية التي ترجح كفة الحفاظ على الاستقرارهو معارضة الرأي العام الايراني والأميركي للحرب.

في الولايات المتحدة، الاميركيون يشعرون بإنهاك من الحروب إثر تدخلهم في أفغانستان 2001 والعراق 2003، بالاضافة لإخفاقهم في إعمار هذين البلدين. أما في إيران فالحرب الايرانية–العراقية لا تزال ماثلة في الذاكرة الجماعية. ويتمسك الايرانيون بالسلام وبنظامهم لأنه الى اليوم قادر على إرساء استقرار تعجز عن تقديم نظيره السلطات في افغانستان والعراق. فإشعال فتيل الحرب يُهدد النظام، على قول تارم، وينفخ في الاستياء الشعبي الناجم عن الازمة الاقتصادية وعدم إحراز تقدم ملموس في مجالات حقوق المرأة وحرية التعبير.

ويشير تارم إلى ان "اعتدال" السياسة الخارجية الايرانية ملتبس. فهي توازن بين غايتين؛ الحفاظ على النظام الايراني، والحفاظ على الايديولوجية الموروثة من آية الله الخميني. وعلى الرغم من اعتقالها رهائن مزدوجي الجنسية، تتمسك السلطات الايرانية باحترام وتيرة المؤسسات الايرانية، لذا تحجم عن التصعيد المباشر. فمن جهة، يُبقي المرشد الأعلى، وهو الفيصل، الرئيس حسن روحاني، ووزير الخارجية، في منصبهما الى نهاية ولايتهما الثانية. ومن جهة أخرى، تؤجج الجمهورية الاسلامية الايرانية خطاب معاداة أميركا رداً على إدارة ترامب و"ضلالها".

طمأنة ترامب لإيران بأنه لا يسعى إلى قلب نظامها أو "تغييره"، قد تحول دون تسريع وتيرة برنامجها النووي وزيادة تدخلها في المنطقة. والعوامل الحاسمة في موقف طهران هي الانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقبة في 2020 و2021 وقدرتها على الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأحادية الأميركية. والانتخابات الاميركية في نهاية العام 2020 هي من العوامل الوازنة كذلك في الحسابات الايرانية.

ولا شك في أن ثمة إجماعاً في إيران على مقاومة الضغوط الأميركية، ولكن التباين مداره على وسيلة المقاومة والصمود: اعتدال أم تصعيد محدود وموَّجه على غرار أخذ رهائن وعمليات استخباراتية على الاراضي الاوروبية أو استهداف القوات الاميركية في المنطقة.

توازنات... وحصار

يشير تارم إلى أن الخطر الرئيسي اليوم قد يترتب على ضغوط أميركية لا تلين. فالمراقبون يتخوفون من أن تؤدي مثل هذه الضغوط إلى ترجيح كفة العسكر، الحرس الثوري، أكثر فأكثر في النظام السياسي الايراني. ولكن تصعيد الباسدران الكلامي يصطدم بحدود القدرات العسكرية التقليدية الايرانية في مواجهة القوة الاميركية البحرية، أي الاسطول الأميركي الخامس، واضطرارها الى الموازنة بين عواقب ما تبادر إليه في الخارج والداخل الايراني. وعلى سبيل المثال، ليس يسيراً الرد على الحصار النفطي الاميركي من طريق استهداف القوات الاميركية في المنطقة، في وقت تدعو طهران إلى تعاون مع دول المنطقة لحماية استقرار المنطقة "ذاتياً" ومن دون الاستعانة بالقوى الخارجية.

وليس في الإمكان إغلاق مضيق هرمز، في وقت يستخدمه أبرز حلفاء إيران، أي الصين. فالأسواق الأسيوية هي وجهة شطر راجح من النفط الذي تحمله ناقلات النفط في هذا المضيق. ورسالة طهران واضحة: إما يمر نفط الدول كلها وإما لا يكون بوسع أحد تصدير النفط في المنطقة. ولم يسبق أن أفلحت إيران في غلق المضيق كلياً سواء في معركة ناقلات النفط في الحرب الايرانية–العراقية أو إثر العقوبات النفطية الاميركية في 2011-2012.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها