الخميس 2019/05/23

آخر تحديث: 21:37 (بيروت)

رجال أعمال فلسطينيين يفندون مؤتمر البحرين

الخميس 2019/05/23
رجال أعمال فلسطينيين يفندون مؤتمر البحرين
Getty ©
increase حجم الخط decrease

لم تفلح ضغوط الساعة الأخيرة التي مارستها جهات عربية ودولية على القيادة الفلسطينية، في إقناع الأخيرة بضرورة المشاركة في مؤتمر البحرين الإقتصادي نهاية الشهر القادم، رغم تعهدها بأن تتخذ رعايته طابعاً دولياً وليس أميركا فقط، وأن تُؤخذ بالإعتبار تحفظات السلطة في رام الله بشأن وحدة الأراضي الفلسطينية وتمثيلها السياسي.

فقد أعلن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات رسميا مقاطعة القيادة الفلسطينية للمؤتمر الاقتصادي، المنوي عقده بدعوة أميركية في العاصمة المنامة يومي 25 و26 من الشهر المقبل، تحت مبدأ أن المؤتمر بمثابة "المركبة الثانية" لصفقة القرن التي عكفت واشنطن على بلورتها على مدار أكثر من سنتين.

وأضاف عريقات في تصريحات صحافية، بأن منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لم تفوض أحداً للحديث بإسمها والمشاركة في المؤتمر، بسبب قرارات الإدارة الأميركية.

في غضون ذلك، تلقى العديد من رجال الأعمال الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة دعوات أميركية للمشاركة في ورشة البحرين الإقتصادية التي تحمل اسم "السلام من أجل الازدهار"، تحت مبرر "بحث آليات تمكين الشعب الفلسطيني إقتصادياً وبناء مستقبله المزهر".

وكان من بين الذين تلقوا هذه الدعوات، تلك التي وصلت رجل الأعمال البارز ابراهيم برهم وفق ما أكده لـ"المدن"، مشيراً إلى أن الدعوة وصلته عبر بريده الإلكتروني من وزارة المالية الأميركية مباشرة.

وأوضح برهم أنه شعر باستغراب واستهجان شديدين لوصول الدعوة الأميركية المذكورة إليه، مبيناً لـ"المدن" أنه لم يسبق أن تم توجيه أي دعوة له من قبل الإدارة الأميركية سابقاً للمشاركة بأي نشاط أو فعالية تنظمها هي.

ويشدد برهم على رفضه المشاركة في مؤتمر البحرين الإقتصادي، مشيراً إلى وصول العديد من الدعوات الأميركية لرجال إقتصاد فلسطينيين آخرين، وأنه قرأ أسماء عدد منهم في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

غير أن برهم قال إنه ليس لديه معلومات بأن هناك رجال أعمال فلسطينيين سيشاركون في المؤتمر، خارج الإجماع الوطني وبما هو تجاوز لأي موقف سيادي فلسطيني. وتابع "لا أريد أن أوجه اتهاماً لأحد. لكن رجال الأعمال الفلسطينيين معروفين بإنتمائهم الوطني. وكل شيء سيتبين في الأيام القادمة".

وحول صيغة الدعوة التي وصلته من وزارة المالية الأميركية، قال برهم إنها لم تشر لأي ارتباط بين المؤتمر والشق السياسي، واكتفت صيغة الدعوة بالحديث عن أهمية المؤتمر للنهوض والتحفيز الإقتصادي للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وجعل مستقبله مزدهراً وإعطائه أملاً بالقادم.

ولهذا فإن إبراهيم برهم، الذي يشغل مديراً تنفيذياً لشركة "صفد" للهندسة والإلكترونيات، وهي من أكبر الشركات في هذا المجال العاملة في الضفة الغربية، أكد أنه لا يعتزم المشاركة في المؤتمر رغم تلقيه الدعوة، لأن "هناك قراراً وطنياً بمقاطعته.. وليس من المنطق الحديث عن تحفيز اقتصادي بمنأى عن الحل السياسي".

ويتابع برهم "لو أن المؤتمر إقتصادي بحت ولا يتقاطع مع أمور سياسية، لكنا قد درسنا المشاركة، لكننا نرفض إغماض العين عن السبب الرئيس لكل أزمة الفلسطينيين المتمثلة بالإحتلال، والهروب من الحقائق على الأرض. بالنسبة لنا فإن تصغير شأن القضية الفلسطينية وكأن الأمر عبارة عن مجاعة فهذا مرفوض وهو إهمال للإشكال الأساسي".

ويضيف برهم "أي نظرة لحل اقتصادي للقضية الفلسطينية، يبقى بمثابة أمر تجميلي ولن يكون للمؤتمر أي تأثير".

معلومات "المدن" تشير إلى أن المحاولات الأميركية لإشراك رجال أعمال فلسطينيين وعرب للمساعدة في تكريس الحل السياسي بدأ منذ عهد الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما، فعقدت قبل سنوات العديد من اللقاءات السرية في القدس ومناطق أخرى، حيث جمعت إقتصاديين إسرائليين وفلسطينيين وعرب وغربيين.

بيدَ أن ابراهيم برهم يُفرّق بين معنى وسياق تلك اللقاءات المُنظمة أميركياً أيام باراك أوباما، وشارك فيها رجال إقتصاد فلسطينيين وبين تلك التي يريدها الرئيس دونالد ترامب. ويرى برهم أن الحراك الإقتصادي الذي كان قبل سنوات مرتبط بشق سياسي واضح، وتم الحديث عن حل "الدولتين"، بموازاة التعامل معه بشكل دبلوماسي وكان لتلك الأنشطة غطاء سياسي من القيادة الفلسطينية. لكن إدارة ترامب تتبنى موقفاً إسرائيلياً متطرفاً، وهذه هي المفارقة التي يلمسها برهم.

والواقع، أن رجل الأعمال الفلسطيني الوحيد الذي نُسبت إليه تصريحات لصحف إسرائيلية بأنه قد يحضر القمة الإقتصادية المقررة في البحرين الشهر المقبل، في إطار اقتراح خطة إدارة ترامب للسلام، هو أشرف الجعبري (45) عاماً. ويعتبر أشرف المنتمي لعشيرة "الجعبري" صِناعياً من سكان الخليل تربطه علاقات وثيقة بإدارة ترامب وبمستوطنين إسرائيليين ويعتبره البعض خارج التيار السائد الفلسطيني.

ورجل الأعمال هذا يعتبر جدلياً، حيث لا توجد أي علاقة كيمياء بينه وبين السلطة، حتى أن الأخيرة انتقدته مراراً بسبب علاقته مع المستوطنين وقيادة الجيش الإسرائيلي في الجزء المحتل من مدينة الخليل.

وتنظر السلطة الفلسطينية إلى هذا النموذج من الشخصيات الإقتصادية والعشائرية بحساسية شديدة، بإعتبارها "بمثابة خطر على شرعيتها وتمثيلها للشعب الفلسطيني وأنه يحاول الاحتلال أن يخلق شخصيات إقتصادية وعشائرية بديلة لها".

ومن بين هذه الشخصيات التي تُدرجها السلطة في هذا السياق رجل العشائر الثمانيني فريد الجعبري (أبو خضر) من مدينة الخليل. ويقول لـ"المدن"، إنه لم يتلق شخصياً أي دعوة بالمشاركة في مؤتمر البحرين، وبدا متوافقاً مع الموقف الرسمي في عدم المشاركة حينما قال "ما دامت أكبر حركتين فلسطينيتين هما فتح وحماس قد رفضتا المشاركة، فالجميع سيلتزم بالموقف".

وحول إمكانية مشاركة قريبه أشرف في هذا المؤتمر، قال ابو خضر الجعبري "أنا لم أسمع منه بعد.. لكن بوجهة نظري لن يذهب إلى المؤتمر إذا كان عاقلاً".

من جانبه، أوضح الخبير بالشؤون الإقتصادية والسياسية المقيم في ألمانيا الدكتوبر ابراهيم محمد لـ"المدن"، أن العديد من الدعوات وجهت إلى خبراء ومسؤولين من مختلف الدول بما فيها ألمانيا، لكن المثير واللافت ان عدداً قليلاً حتى الآن قد أعلن بشكل رسمي مشاركته.

ومع ذلك، يعتقد محمد أن العديد من المؤسسات الأوروبية في إطار الغرف الصناعية والمؤسسات التنموية ستشارك في المؤتمر المذكور من باب الإهتمام بحجم الأموال التي ستُضَخ من أجل المشاريع المنوي تنفيذها في الأراضي الفلسطينية والتي تقدر بثلاثين مليار دولار، حسبما كشف محمد لـ"المدن" بناء على ما توفر من معلومات أولية.

ووفق ابراهيم محمد، فإن مؤسسات عالمية لا سيما أوروبية وأميركية بالإضافة إلى البنوك الممولة التي ستقدم جزءاً من الأموال لهذه المشاريع على شكل قروض وستكون غالبية الأموال من مجلس التعاون الخليجي.

ويوضح محمد، أن ورشة البحرين الإقتصادية سيتم خلالها التشاور حول المشاريع المنوي تنفيذها من أجل الفلسطينيين وتساعدهم في تحقيق الإزدهار لديهم على أمل التهيئة للوصول الى حل سياسي لاحقاً.

وبالرغم من أنه حتى الآن لم يتم اعلان قوائم بأسماء المشاركين، إلا أنه على الصعيد الرسمي يُفترض أن يشارك وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون، ونظراؤه من دول مجلس التعاون الخليجي، علماً بأن ثمة صمتاً من عدد من الدول العربية لا سيما مصر حيال الموضوع.

واستبعد ابراهيم محمد أن تنجح جهود مؤتمر البحرين في ظل المقاطعة الفلسطينية؛ لأن أي نجاح إقتصادي مرتبط بحل سياسي، مؤكداً أنه دون دولة فلسطينية قابلة للحياة لا يمكن نجاح مشاريع اقتصادية محاصَرة حتى في حال تنفيذها.

وتساءل محمد: "مَن يضمن نجاح هذه المشاريع لو افترضنا انه تم الشروع بها؟!". واستذكر محمد في هذا السياق تدمير إسرائيل لمطار غزة الدولي والعديد من المشاريع التنموية- التي أقيمت في إطار اتفاق "أوسلو"- بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.

ويختم حديثه "من يضمن المساس بأي مشاريع جديدة وأن تستمر؟! إن الحل الأول والأخير يكمن بالحل السياسي القائم على دولة فلسطينية قابلة للحياة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها