السبت 2019/05/11

آخر تحديث: 11:42 (بيروت)

فردان 1973: عندما تجولت ياعيل في بيروت... على هواها

السبت 2019/05/11
فردان 1973: عندما تجولت ياعيل في بيروت... على هواها
(انترنت)
increase حجم الخط decrease
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، عن تفاصيل جديدة لعملية فردان "ربيع الشباب"، التي جرت أحداثها في 10 نيسان/أبريل 1973، في بيروت. وتسببت العملية باغتيال المُتحدث باسم "فتح" كمال ناصر، وقائد العمليّات في "فتح" محمد النجار "أبو يوسف"، والمسؤول عن تفعيل خلايا في فلسطين كمال عدوان. ونفذتها وحدة "كوماندوز النخبة الإسرائيلي-سريّة هيئة الأركان العامّة"، والتي قادها ايهود باراك.

وكشفت الصحيفة بالصورة والاسم الأول عن عميلة الموساد الإسرائيلية التي عاشت لفترة في بيروت، وصوّرت حي فردان وطرقه ومداخله، بكاميرا سرية مخفية في حقيبة يدها، وزوّدت الموساد بخرائط وصور للبناء الذي قطن فيه القادة الثلاثة.

وكان رئيس أركان الجيش الاسرائيلي دافيد إلعزار، هو من أقر الخطة التي اقترحها ايهود باراك، لاغتيال قادة "منظمة التحرير" في بيروت. وبدأ أفراد الوحدة تدريباتهم في بنايات قيد الإنشاء وشاطئ البحر شمالي تل أبيب، المشابهة لحي فردان.

التقرير الذي أعدّه الصحفي المُتخصص في قضايا الاستخبارات رونين برغمان، أكد أنه في البداية جرى تكليف وحدة "قيساريّة"؛ شُعبة العمليّات في "الموساد"، بالاستعداد لتنفيذ عمليّات اغتيال فلسطينيين في عواصم أوروبيّة في العام 1969. رئيسة الوزراء حينها غولدا مئير، رفضت ذلك من دون علم الدول الصديقة. وعادت مائير وغيرت رأيها بعد عملية ميونخ. ويشير التقرير إلى أن استهداف قادة المنظمة وجمع المعلومات عنهم وعن مكان سكناهم لم يتوقف.

وبعد إعطاء مائير الضوء الأخضر لعمليّة اغتيال واسعة، تبيّن أنّ وحدة "كيدون" غير قادرة على تنفيذ عمليّة كهذه في بيروت، وقسماً من أفرادها لم يتدرّب أبداً على إطلاق النار، أو لم يخدم في الجيش، وعلى إثر ذلك جرى تكليف "سريّة هيئة الأركان العامّة"، بقيادة ايهود باراك لتنفيذ عمليّة "ربيع الشباب".

في تشرين الأول 1972 وصلت برقية إلى "شعبة الاستخبارات العسكرية/أمان" من عميل للموساد، وفيها عناوين سكن أربعة من قادة "منظمة التحرير"؛ خليل الوزير "أبو جهاد"، ويوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر.

وبدأت التحضيرات الفعلية للعملية بعد تدريب عميلة الموساد المشار لها باسمها الأول ياعيل، وهي يهودية من أصول كندية. وأرسلت ياعيل، إلى بيروت في 14 كانون الثاني 1973، كصحافية جاءت لإنتاج مسلسل تلفزيوني عن البريطانية هيستر ستناب، الأرستوقراطية التي تحدت تقاليد المجتمع البريطاني وعاشت كناشطة سياسية واجتماعية، وقضت فترات طويلة من عمرها في الشرق الأوسط.

نزلت ياعيل في فندق البريستول، ثم انتقلت لاستئجار شقة في بناية مطلة على العمارتين اللتين سكن فيهما قادة المنظمة المستهدفين بالعملية. ومكنها ذلك من مراقبة الشقق الثلاث بدقة وبسهولة، ورصد روتين الحياة فيها. كما مكنها موقعها من تصوير الحي وطرقه ومخارج الطرق فيه، ومحيط العمارات المستهدفة، وتصوير مسارات الوصول من شاطئ البحر وحتى مدخلي العمارتين، مع الإشارة إلى وجود نقطة شرطة لا تبعد سوى 200 متر عن العمارتين.

ويقول برغمان إن ياعيل، تعرّفت على أشخاص كثيرين وتجوّلت بحريّة في منطقة سكنها، حاملةً محفظتها وبداخلها كاميرا التقطت بواسطتها صوراً كثيرة أرسلتها لـ "الموساد"، ونشرتها "يديعوت أحرونوت" في تقريرها لأوّل مرة، من بينها صور للشارع الذي تقع فيه البنايتين وشُقق المسؤولين الفلسطينيين الثلاثة وصورة لحارس عدوان.

ياعيل جمعت المعلومات وصوّرت كل النقاط المهمة، بما فيها أعمدة خطوط الهواتف. ورشّحت المرفأ الخاص لفندق ساندس، كنقطة لإنزال القوة الإسرائيلية.

حسب التقرير، حتى هذه المرحلة من التخطيط لم يكن هناك تعاون بين "الموساد" والجيش في عمليّات الاغتيال، ويعود ذلك إلى سياسة مفادها أنّ "إسرائيل بإمكانها نفي اغتيالات يُنفّذها الموساد"، لكن يصعب نفي عمليّات يُنفّذها الجيش وتُرافقها ضجة كبيرة وتُشارك فيها قوّات. ورغم هذه السياسة تقرّر أن تُنفّذ قوّة من الجيش العمليّة في قلب بيروت، وليس "الموساد".

يقول برغمان في تقريره إنّ الفكرة الأوليّة التي طرحها رئيس أركان الجيش كانت تقضي بغزو البنايتين وإخراج السكان منهما، ومن ثمّ التعرّف على القادة الفلسطينيين الثلاثة وقتلهم، لكن مُخططاً كهذا بدا خطيراً واعترض باراك على الفكرة. ثم طرح باراك خطة تقضي بأنه "بعد أن نكون مُتأكدين من أنّ الأهداف الثلاثة يتواجدون في بيوتهم، يجب أن ندخل إلى المدينة مع قوّة صغيرة ليس أكثر من 15 مقاتلاً، والوصول إلى الشقق واقتحامها، وقتلهم ثم الانسحاب، وكل هذا خلال بضع دقائق، وسيكون بمقدورنا أن ندخل ونخرج قبل وصول قوّات أخرى، وحين يُدركون ما حدث سنكون خارج البلاد، والأمر الأهم هو الحفاظ على عامل المُفاجأة".

وشارك 35 عنصراً من وحدات الكوماندوز الإسرائيلية في العملية إلى جانب عملاء الموساد الذين كانوا قد وصلوا إلى بيروت قبل العملية بأسبوع، واستأجروا سيارات أميركية لنقل الجنود.

تعليمات قائد المظليين الرئيسي مانو شاكيد، لأفراد القوة قبل مغادرة ميناء حيفا لتنفيذ العملية كانت واضحة ومقتضبة: اقتلوا، صوروا، واجمعوا الوثائق. ثم أضاف شفهياً: "لا تطلقوا النار وتذهبوا، غادروا الغرفة فقط بعدما تتأكدوا أنه ميت".

القوات الإسرائيلية عندما وصلت إلى موقع سكن القادة الثلاثة وجدت أن حرس البناء نائمين، فتمكن كل مجموعة من الوصول بسلاسة إلى هدفها. وبعد التأكيد على وضع عبوات صغيرة على بوابات شقق القادة الثلاثة، أصدر إيهود باراك، أمرا بتفجيرها ثم اقتحام الشقق وقتل القادة الثلاثة. وكان يفترض أن يكون القائد الفلسطيني صلاح خلف (أبو أياد) ضمن أهداف العملية، لكنه لم يكن في شقته في تلك الليلة، وتم اغتياله بعد أكثر من 18 عاماً في العام 1991. كما تم اغتيال خليل الوزير، في تونس في العام 1988، في أوج الانتفاضة الأولى من قبل وحدة "سرية هيئة الأركان"، وتولى موشيه يعالون إطلاق الرصاص عليه والتأكد من استشهاده.

وتكشف رواية "يديعوت أحرونوت"، نقلا عن الجنود الذين نفذوا العملية، أن يوسف النجار، خرج من غرفة نومه مع سماع دوي انفجار باب شقته، ثم حاول الانسحاب للداخل، لكن جندياً أطلق النار عليه وعلى زوجته وأرداهما قتيلين. كمال ناصر، أطلق النار باتجاه الجنود من تحت السرير، وأصاب أحد الجنود في قدمه، لكن عناصر القوة أطلقوا الرصاص عليه وأردوه قتيلاً.
كمال عدوان، خرج لملاقاة الوحدة شاهراً بندقية كلاشينكوف، لكنه تردد للحظة عندما شاهد أمامه امرأة، ما كان كافياً للجندي نحماني المتخفي بزي امرأة، ليطلق النار عليه من بندقيته العوزي المخبأة تحت ملابسه.

لكن عملية فردان لم تقف عند اغتيال قادة "منظمة التحرير"، بل شملت أيضا استهداف مواقع أخرى في بيروت للتغطية على عملية فردان. وقام الفريق الثاني بقيادة أمنون ليفكمين شاحاك، رئيس الأركان لاحقاً، بزرع متفجرات في بناية لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وتفجيرها عن بعد، ما تسبب بمقتل 25 عنصراً.

ياعيل، بقيت في بيروت بعد العملية لأيام، قبل أن تسافر إلى لندن. في 15 إبريل 1973 أبرق فرع الموساد في لندن إلى تل أبيب، يؤكد وصول ياعيل إلى لندن بسلام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها