الأحد 2019/04/28

آخر تحديث: 13:21 (بيروت)

صلاحيات فرعونية للرئيس المصري..والغرب يكتفي بالتوصيف

الأحد 2019/04/28
صلاحيات فرعونية للرئيس المصري..والغرب يكتفي بالتوصيف
Getty ©
increase حجم الخط decrease
كانت تغطية وسائل الإعلام الفرنسية والأميركية للاستفتاء المصري على تعديل الدستور من 20 إلى 23 نسيان/أبريل، أمينة، إلى حد كبير، في وصفها واقع الأمور، ولكنها لم تحمل جديداً. وهي نقلت صورة عن أجواء مصر عشية الاستفتاء، ومن هذه الصور إحباط المصريين وتعبهم من جولات انتخابية صورية لم تغير في واقعهم شيئاً، واضطرار بعضهم الى التصويت جراء تهديد ووعيد. 

وفي مطلع نسيان، قبل الاستفتاء بنحو أسبوعين، عاب موقع "سلايت.أف. أر" على الغرب سكوته عما يجري في مصر من "اعتقالات بالجملة، وقمع للحريات، وإعدام المعارضين، وغضه النظر عن انزلاق مصر أكثر فأكثر الى الديكتاتورية في وقت لا ترى الدول الغربية مانعاً يحول دون مواصلة التفاوض مع القاهرة على اتفاقات تجارية وصفقات سلاح، وإبرام عقود مربحة مع الريس المصري الجديد". وذكّر الموقع الفرنسي بإعدام 9 أشخاص في 20 شباط/فبراير اتهموا بقتل النائب العام المصري، هشام بركات، في 2015، وأخضعوا لمحاكمة غير عادلة، بحسب منظمة العفو الدولية.

زعيم خالد
وفي مساء 23 نيسان أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر موافقة 88.83 في المائة من الناخبين المصريين على تعديلات دستورية من بينها ما يتيح بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في السلطة حتى عام 2030. ولكن هذه النسبة، وهي تعيد إلى الأذهان نسبة التأييد البالغة 99.7 في المائة للزعماء الخالدين في المنطقة، يُبرزها أنصار النظام على حساب مجمل نسبة المصوتين البالغة 44.33 في المائة، منهم 11.17 في المائة اقترعوا بـ"لا". ولكن الديموقراطية ليست  حكم الأغلبية المطلق اليد من دون احتساب وزن الأقلية، على خلاف ما لا تنفك أنظمة المنطقة تعلن.

وتلاحظ فيفيان يي في نيويورك تايمز أن الاستفتاء أحكم قبضة رجل مصر القوي على البلاد حين صادق المصريون على مجموعة تعديلات تمنحه صلاحيات ترجح كفته على كفة القضاء والبرلمان.

قبل وأثناء الاستفتاء، غُيّبت المعارضة عن وسائل الاعلام المصرية غياباً كاملاً. وحُظرت مواقع المعارضة، وألغت السلطات احتجاجاً ضد التعديلات الدستورية. وقال تيموثي كالداس، وهو محلل في مركز "تحرير إنستيتيوت لسياسات الشرق الاوسط"، في تغريدة على تويتر قبل بدء التصويت: "لا يحتاجون الى التلاعب بصناديق الاقتراع. فهم زوروا المشهد الإعلامي كله".

وبحسب الصحيفة، يرى بعض المحللين أن السيسي أراد إجراء التعديلات الدستورية قبل أن يتعاظم انحسار شعبيته مع المصاعب الاقتصادية التي يتكبدها كثير من المصريين، أو أنه يحاول الاستفادة من موقف البيت الابيض الإيجابي منه. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب استقبل أخيراً، نظيره المصري  في زيارة ودية. وحين سئل ترامب عن التعديل الدستوري الوشيك قال: "لست ملماً به... ولكن جل ما أستطيع التأكيد عليه هو أنه السيسي يبلي بلاءاً رائعاً". 

نظام استبدادي
نتائج الاستفتاء الذي دام ثلاثة أيام أظهر ما يرى المحللون أنه لم يعد خافياً في السنوات الماضية: عبدالفتاح السيسي يرسخ أسس نظام استبدادي جديد لم يكتف بإطاحة مكاسب ثورة 2011 الديموقراطية بل يتفوق على حكم الرجل الواحد، حسني مبارك، الرئيس المصري الذي أطاحته الثورة.

أما صحيفة "إل موندو" الاسبانية فنشرت تقريراً في 16 نسيان/أبريل أغضب السلطات المصرية. فّندت صحيفة اليوم السابع ما ورد فيه، وقالت :" ذكرت الهيئة العامة للاستعلامات أن التقرير الذي نشره الموقع الإلكتروني لصحيفة "إل موندو" الإسبانية اليوم السبت بشأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر احتوى على معلومات خاطئة وآراء منحازة واتهامات باطلة وتناقضات فادحة...". والعودة الى المقالة الاسبانية تظهر أن أبرز ما ورد في التقرير هو تسليطه الضوء على دور أجهزة المخابرات وظلها المخيّم على الاستفتاء الذي يطوّب المشير السيسي فرعوناً. 

وقالت الصحيفة: "في تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، أشار تقرير نشره موقع مدى مصر أنباء عن لقاءات سرية بين المخابرات ومكتب الرئيس، على رأسه محمود السيسي، ابن الرئيس، وتناول الاصلاحات التي يرى منتقدوها أنها تقوض البرلمان. والاخير "صار ألعوبة في يدهم الرئيس وأجهزة الأمن"، بحسب أنور السادات، حفيد الرئيس الذي اغتيل في 1981 وكان مرشحاً الى الرئاسة العام الماضي قبل أن ينسحب إثر قمع أجهزة الامن. 

نزاع المعارضة
وتروي مراسلة "لو موند" الفرنسية هيلين سالون في تحقيق من حلقتين تنازع موقف المعارضة المصرية من الاستفتاء، فبعضها أراد المقاطعة وبعض آخر دعا الى التصويت بـ"لا" لإبراز وزن المعارضة وسلميتها.

وقالت في الحلقة الأولى إن شطر راجح من المعارضة اختار التصويت بـ"لا". "نريد إظهار أن معارضة هذه التعديلات موجودة وعرض ذرائعنا. فنحن شاركنا في الحوار الاجتماعي حين نظمه البرلمان". ولكن ثمة من رفض التصويت بـ"لا"، ومنهم المحامي خالد علي، وهو يرى "ان مشروع الاصلاح يطيح الدستور في غياب أي نقاش". 

وشُيطنت وسائل الإعلام المعارضة، وخسرت هذه تأييد أغلبية المصريين الذين يلقون عليها لائمة الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تلت ثورة 2011 وتجربة حكم "الإخوان المسلمين" المكروهين. 

وقال المحامي أحمد فوزي من "الحركة المدنية الديموقراطية": "ترى السلطات أن الاستفتاء هذا هو في مثابة اقتراع على الثقة بالسيسي.. فحين انتخابه في 2014، كانت شعبيته كبيرة. وهذه تراجعت ولكنها لم تتبدد". والنساء والمسيحيون والمتقدمون في السن هم ناخبوه والأكثر تأييداً له.

ولكن كثيراً من الذين تقاطروا في 2014 لانتخاب رجل الجيش القوي رئيساً بعد أن أنقذهم من "الاخوان المسلمين" ووعدهم بالاستقرار والأمن، فقدوا الأمل وتبددت أوهامهم وعزموا على عدم التصويت. "فالناس، سواء كانوا مع النظام أم ضده، سئموا. فمنذ 2011، دُعوا الى صناديق الاقتراع حوالي عشرين مرة، وأربع منها للاستفتاء على الدستور. وهؤلاء لن يصوتوا إلا إذا شعروا أن صوتهم ترتجى منه فائدة في حياتهم اليومية. ولكن كثيرين يرون أن الاستفتاء غير مجد"، بحسب المسؤول السابق في "الحزب المصري الديموقراطي" أحمد فوزي.

ويبدو أن شاغل ملايين المصريين الوحيد أو اليتيم هو اجراءات التقشف الاقتصادي التي يتكبدون آثارها منذ 2016. وفي مقتطفات تقرير "لو موند" الثاني تسلط هيلين سالون الضوء على ملابسات الاستفتاء، وانشغال المصريين بالمباراة بين الزمالك ونادي الأهرام وعدم متابعتهم نتائج الاستفتاء الذي يرى كثيرون ان نتيجته كانت محسومة مسبقاً. 

"المفاجأة الوحيدة في الاستفتاء هي نسبة التصويت بـ"لا". "أنا متأثر بشجاعة نحو 4 ملايين مصري اقترعوا بـ"لا". وهذا أمر غير مسبوق"، هذا كان تعليق الاستاذ الجامعي مصطفى كامل السيد.

أما مؤيدو السيسي فبذلوا مساعي كثيرة لدعمه في الاستفتاء: وزعوا سلعاً غذائية وعرضوا نقل الناخبين بالمجان. وأسرّ موظف من محافظة البحيرة، إلى "لو موند" أن مديره اتصل به هاتفياً وهدده وزملاءه باقتطاع رواتبهم إذا لم يصوتوا. وأكد مقيمون في القاهرة أن الشرطة تجبر التجار وحرس المباني على التصويت.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها