الخميس 2019/04/25

آخر تحديث: 14:22 (بيروت)

لماذا يقصف النظام إدلب؟

الخميس 2019/04/25
لماذا يقصف النظام إدلب؟
(المدن)
increase حجم الخط decrease
لا تملك المعارضة المسلحة في إدلب ومحيطها تفسيراً واضحاً حول استمرار قصف مليشيات النظام، والغارات الجوية، على الرغم من تسيير أكثر من 40 دورية مراقبة للجيش التركي في المنطقة العازلة منزوعة السلاح منذ 8 أذار/مارس.

ويكتفي قادة في "الجبهة الوطنية للتحرير" بالقول إن الوضع في إدلب معقد للغاية، لذا من الصعب الإشارة بوضوح إلى المسببات التي تقف وراء التصعيد المستمر. وفي الوقت ذاته، يؤكد أولئك القادة أن الخريطة الحالية لن تتغيّر، على الأقل في الأمد المنظور، ولن يجرؤ النظام وحلفاؤه على تغييرها بالقوة.

القائد العسكري في "جيش العزة" العقيد مصطفى بكور، أكد لـ"المدن"، أن استمرار القصف مرتبط بشكل رئيسي بأمرين؛ الرغبة الروسية بتطبيق الاتفاق الروسي-التركي الذي ينص على فتح الطرقات الدولية، وأن تصبح الدوريات مشتركة في المنطقة منزوعة السلاح الثقيل. والأمر الثاني أنه ليس بيد المليشيات الإيرانية أوراق سوى القصف بهدف تحقيق مكاسب، أو على الأقل تعطيل الاتفاق وإبقاء ادلب في حالة من التوتر وعدم الاستقرار. وبحسب بكور، فإن الموقف التركي حول القصف المستمر ما يزال غامضاً. فالأتراك يطمئنون من يراجعهم من الفعاليات والوجهاء بأن الوضع يسير نحو الافضل ويطلبون الصبر.

قصف المليشيات في الفترة التي شهدت تسيير دورات المراقبة التركية لم يكن مركزاً على استهداف التنظيمات الجهادية السلفية كما هو معلن في المواقع الموالية للنظام. بل إن مقار وحواجز "هيئة تحرير الشام"، تنتشر بكثافة في المنطقة المفترض أن تكون خالية من تواجدها. وإمكانية معرفة مواقعها واستهدافها جواً وبراً أمر سهل بالنسبة للمليشيات، لو كان القصف يهدف بالفعل إلى الضغط على "الهيئة" لمغادرة المنطقة تطبيقاً لتفاهمات سوتشي.

التنظيمات الجهادية السلفية في "غرفة عمليات وحرض المؤمنين" تتمتع بحرية الحركة والمناورة، ومقارها وحواجزها واضحة بالنسبة لطيران الاستطلاع الذي لا يفارق سماء سهل الغاب وجبل التركمان وشرقي إدلب، لكنها بقيت بعيدة عن نيران المليشيات المدفعية والصاروخية، أو الضربات الجوية الروسية المتقطعة في عمق ادلب. وذلك يقلل من أهمية الفرضية والتحليل السائد في ادلب بأن قصف المليشيات هو ضغط روسي على "الهيئة" لإجبارها على القبول بدوريات المراقبة المشتركة؛ الروسية–التركية.

ولم تفوّت "تحرير الشام" الفرصة للاستثمار في فرضية الضغط الروسي، إذ تحاول الظهور بمظهر المدافع الذي قبل باتفاق سوتشي في إطار الضرورة، والأخذ بالسياسة الشرعية في سبيل تحقيق مصلحة المدنيين بالدرجة الأولى، لكنه في الوقت نفسه يأبى تطبيق البنود المذلة التي تمنح الطرف المعادي أوراق قوة تُمكّنُهُ من التحكم بشكل مطلق في بنود الاتفاق. ويلمح قادة وشرعيون في "الهيئة" باستمرار إلى ذلك الأمر، ومنهم رئيس مجلس الشورى أبو عبدالله الشامي، والشرعي العسكري المصري أبو الفتح الفرغلي، والزبير الغزي، وأبو محمود الفلسطيني. ويستشهد أولئك عادة بالعمليات العسكرية "ويشف صدور قوم مؤمنين" التي بدأتها "الهيئة" قبل مدة للرد على قصف المليشيات.

مصدر عسكري في "الجبهة الوطنية"، أكد لـ"المدن"، أن الروس قد تنازلوا عن مطلبهم بخصوص الدوريات المشتركة في المنطقة العازلة، وهناك تفاهم مع تركيا بشأن دوريات الجيش التركي. وبحسب المصدر، فالقصف الحالي يستهدف بشكل خاص المناطق المأهولة بالسكان، وقد عمل على إفراغها بشكل شبه كامل من المدنيين في الفترة التي تلت تسيير الدوريات التركية. ويراد من القصف إيصال رسائل إلى الولايات المتحدة والأوروبيين بأن ادلب غير مستقرة، وفي أي لحظة يمكن أن يتدفق الآلاف من اللاجئين إلى الحدود. وهذا يعني ضغط روسيا على الأميركيين لتحصيل مكاسب سياسية.

وترى مصادر عسكرية معارضة، أن القصف الروسي المستمر برغم التفاهمات الروسية–التركية هو رسالة روسية غير مباشرة للأميركيين، تقول إن محاربة الإرهاب مستمرة في ادلب، وليس هناك داع لأي دور أميركي أو أوروبي فيها. وترى جهات معارضة أخرى أن استمرار القصف والتصعيد في ادلب يتعلق بباقي المناطق التي تشهد صراع نفوذ بين الدول الفاعلة، روسيا وايران والولايات المتحدة وتركيا، باتت ادلب ساحة تضغط الأطراف من خلالها على بعضها البعض.

من جهة أخرى، شهدت جبهات مليشيات النظام في الفترة الماضية التي تلت تسيير الدوريات التركية في ادلب ضعف التنسيق المشترك بين المليشيات الروسية والإيرانية. وبدا ذلك واضحاً في العملية العسكرية التي نفذتها "الهيئة" في سوق الجبس في ضواحي حلب الغربية، قبل 10 أيام. واتهمت المليشيات الإيرانية حينها روسيا بتسهيل دخول عناصر "الهيئة" إلى مواقعهم، رغم رصد تحركاتهم عبر طيران الاستطلاع الروسي. لذا بدأت "الفرقة الرابعة" و"لواء الباقر"، تسيير طائرات استطلاع خاصة بها في ريفي حلب الجنوبي والغربي ومنطقة الضواحي، لمنع الهجمات ضد مواقعهم.

تبدو فصائل المعارضة المسلحة مسلوبة الإرادة والتأثير في التطورات الميدانية، وليس لديها تفسيرات حول استمرار القصف، وحول مستقبل ادلب إلا بالقدر الذي تعرفه من حلفائها الأتراك، في حين ما يزال لدى "هيئة تحرير الشام" الكثير من الأوراق لتناور بها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها