الثلاثاء 2019/03/19

آخر تحديث: 18:06 (بيروت)

قبل مجزرة المسجدين.. نيوزيلندا لم تكن بتلك البراءة

الثلاثاء 2019/03/19
قبل مجزرة المسجدين.. نيوزيلندا لم تكن بتلك البراءة
عقيدة تفوق العرق الأبيض موجودة في نيوزلندا (Getty)
increase حجم الخط decrease
افتتحت رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا آرديرن جلسة طارئة للبرلمان بتحية "السلام عليكم" نطقتها بالعربية، متوعدة منفذ مجزرة استهدفت الجمعة مسجدين في مدينة كرايستشيرش وأوقعت 50 قتيلاً، بـ"كل قوة القانون".

وأضافت أن "سفاح نيوزلندا" المتطرف الأسترالي برينتون تارنت "سعى من عمله الإرهابي إلى الحصول على أشياء كثيرة، أحدها الشهرة، ولهذا السبب لن تسمعوني أبدا أذكر اسمه. وأدعوكم إلى ذكر أسماء الذين ماتوا وليس من قتلهم". وقالت: "إنه إرهابي. إنه مجرم. إنه متطرف ... عندما أتكلم، سيكون بلا اسم".

وقالت أرديرن إن المسلمين وقفوا إلى جانبنا وسنقف إلى جانبهم، ويجب أن نقدم لهم كل الدعم والمساعدة في هذه الفترة المظلمة. وأضافت "نحن نقدم لهم يد العون، ولكن نريد أن نفعل أكثر من ذلك، حتى يشعر الجميع بالأمن في هذا البلد المسالم". وذكّرت البرلمانيين بأن يوم الجمعة القادم سيكون فرصة لإظهار مزيد من التضامن مع المسلمين حين يجتمعون مرة أخرى لأداء صلاة الجمعة بعد أسبوع من المجزرة.

وكان نائب رئيس الوزراء النيوزيلندي وينستون بيترز قال في وقت سابق، إنّ الهجوم الإرهابي على المسجدين يمثل نهاية ل"عصر البراءة" في البلاد. وأضاف أنّ الهجوم سيجعل جميع القوانين "الصارمة" المعنية بالسيطرة على حمل السلاح في نيوزيلندا "مفتوحة للمراجعة".

لكن مقالاً في صحيفة "ستاف" النيوزيلندية، أظهر أن نيوزلندا لم تكن ربما بتلك البراءة التي قصدها بيترز. تفاعلت كاتبة المقال عالمة الإنسانيات والكاتبة النيوزيلندية ماري آن سالموند مع ضحايا مذبحة المسجدين، وقالت: "دعونا في أعقاب هذه المأساة المروعة أن نكون صرحاء لمرة، فإن عقيدة تفوق العرق الأبيض جزء من مجتمعنا وقوة مظلمة في أرضنا".

وبحسب مقال لها نقلته "الجزيرة نت"، فإن عقيدة تفوق العرق الأبيض في نسختها الناعمة تبدو لطيفة ومعقولة، إذ يؤكد بعض أهل نيوزيلندا لرفقائهم أن الماوريين، سكان البلد الأصليين، كانوا "محظوظين" لاستعمارهم من قبل الأوروبيين، وأن اللغة الماورية لا قيمة لها، وأن الثقافة الماورية ليس لديها ما تعلمُنا إياه. ويفترض الآخرون ببساطة أن تركة الأجداد من أوروبا تفوق تلك الموروثة من المحيط الهادي في القانون والعلوم والحياة الاجتماعية والثقافية.

وقالت الكاتبة: "في نسختها الصعبة هذه، فإن عقيدة تفوق العرق الأبيض عنيفة وبغيضة وتنشر البلايا وتسجن الشباب الماوري بأعداد كبيرة وتحرمهم من التعليم والمنازل والوظائف اللائقة وتخبرهم أنهم ليس لديهم مستقبل وأنهم من الأفضل لو كانوا أمواتاً".

وأوضحت أنه "بعد الماوريين ينتشر هذا الإحساس بالتفوق الأبيض على المجموعات الأخرى، الباسيفيكيين والآسيويين والآن المسلمين في منطقة كرايست تشيرتش. والعديد من هذه الشعوب يشتمون ويضربون ويعاملون معاملة الأجانب الذين ليس لديهم مكان بيننا، ومجرد التحدث إلى بعضهم ستسمع منهم تجارب مؤلمة".

وحذرت الكاتبة من أن "الازدراء يولد الازدراء، والكراهية يمكن أن تولد الكراهية، وأنهم في بعض الأحيان يردون الضربات كما هو متوقع، رغم أن الرد يكون في أكثر الأحيان على أولئك القريبين منهم".

وأوضحت أن "عقيدة العنصريين البيض تقوم على الغطرسة والجهل، وبما أن الثقافات واللغات والأديان الأخرى لا قيمة لها عندهم، فلا داعي للتعرف عليها. ولذلك يجرد "الآخرون" من إنسانيتهم، وتنغص حياتهم وتكون المعاناة فوق الوصف. وهذا يساعد في تفسير تهاوننا مع الإحصاءات الرهيبة لانتحار الشباب والسجن والعنف المنزلي في نيوزيلندا".

وقالت الكاتبة: "هذا النوع من الكراهية يتردد في أرجاء مجتمعنا المخفية والعميقة مما يهدد ويخيف. وبين الحين والآخر يظهر ببساطة في أعمال مرعبة مثل الهجمات القاتلة على المسجدين في كرايست تشيرتش".

وأردفت الكاتبة قائلة "دعونا نكون واضحين في هذا الأمر. فالعنصرية البيضاء هي حبل أسود نسج عبر تاريخنا كأمة، وكانت له جذور عميقة في أوروبا حتى قبل وصولها إلى نيوزيلندا".

وأشارت إلى أن هذه العنصرية البيضاء لا تزال في الوقت الحاضر تنبض بالحياة في نيوزيلندا في كل مكان عبر الإنترنت وفي برامج النقاشات وفي وسائل النقل العام وعلى موائد الطعام، وأحيانا تكون صاخبة وقبيحة وفي أحيان أخرى تعتبر ببساطة أمراً مفروغا منه، وهو ما يزيد الأمر خطورة وغواية.

و"سفاح نيوزلندا"، مدرب اللياقة البدنية السابق البالغ من العمر 28 عاماً، جاهر بكونه فاشيا من دعاة تفوق العرق الأبيض. واستخدم في تبرير هجومه الذي قام بتصويره بكاميرا مثبتة على كتفه، مصطلحات عنصرية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ونقلت صحيفة "تايمز" البريطانية عن مصدر في الحكومة أن أجهزة الأمن تحقق في احتمال إجراء تارانت اتصالات مع أقصى اليمين في بريطانيا.

ويراجع المسؤولون الرحلات الكثيرة التي قام بها السفاح الأسترالي الجنسية، ويحققون في ما إذا كانت الفترة التي قضاها في بريطانيا ضمن جولة له بأوروبا عام 2017 قد غذت لديه أفكاراً متطرفة تتمثل في سمو العرق الأبيض وكراهية الإسلام.

وتفيد تايمز بأن تارانت قام في الفترة التي قادت لمذبحة المسجدين بإرسال سلسلة من الإشارات إلى اليمين المتطرف البريطاني، وروج عبر صفحة على فيسبوك خطابات الزعيم الفاشي البريطاني أوزوالد موزلي.

وكان "سفاح نيوزلندا" زار دول في الشرق الأوسط في فترة سابقة بينها تركيا وإسرائيل. وكتب على الأسلحة التي استخدمها في المجزرة عبارات موجهة ضد الدولة العثمانية.

وطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضرورة أن يدفع منفذ مجزرة نيوزيلندا ثمن جريمته الشنعاء، مؤكداً أن بلاده ستحاسبه بأي شكل من الأشكال إن لم تحاسبه نيوزيلندا على ذلك.

وقال الثلاثاء مخاطبا منفذ "سفاح نيوزيلندا": "عليك أن تدفع ثمن ما اقترفت يداك، وإن لم تحاسبك نيوزيلندا، فنحن نعرف كيف نحاسبك بشكل من الأشكال".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها