الإثنين 2019/02/04

آخر تحديث: 13:55 (بيروت)

المنطقة الآمنة.. فوضى واشنطن في شمال شرق سوريا

الإثنين 2019/02/04
المنطقة الآمنة.. فوضى واشنطن في شمال شرق سوريا
AFP - أرشيف ©
increase حجم الخط decrease
أثار قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا، سباقاً للسيطرة على شمال شرق البلاد. قدمت الجهات الفاعلة المختلفة رؤيتها. لكن الخيار الأكثر إثارة للجدل اليوم، هو اتفاق تركي-أميركي على المنطقة.


يتمثل الهدف الاستراتيجي لأنقرة في الحد من المكاسب، وإضعاف "قوات سوريا الديموقراطية"، إلا أن هذه الاستراتيجية تتناقض مع الأهداف التي وضعتها واشنطن لانسحابها، وهي مواصلة القتال ضد "داعش"، وحماية الجماعات الحليفة الكردية، ووقف النفوذ الإيراني في سوريا.


في الواقع، كان التناقض الاستراتيجي وعدم التوافق الجيوسياسي السمات السائدة للعلاقات بين واشنطن وأنقرة في سوريا. الرؤى، الأهداف، وطريقة تعاطي البلدين مع التهديدات كانت أموراً متباينة بينهما، وهذا الحال جعلهما حذرين في تحالفاتهما الإقليمية.


أصرت تركيا على الربط بين "وحدات حماية الشعب" و"حزب العمال الكردستاني"، واتهمت الولايات المتحدة- بسبب علاقتها مع "الوحدات"- بالتحالف مع فرع لمنظمة إرهابية. أما بالنسبة إلى بريت مكغورك، المبعوث الأميركي السابق للتحالف المناهض لـ"الدولة الإسلامية"، فقد أوضح مؤخراً أن جماعات المعارضة السورية المتحالفة مع تركيا "مليئة بالمتطرفين". في واقع الأمر، هذا الرأي ليس مجرد رأي شخصي لمكغورك، وإنما يمكن فهمه على أنه موقف مشترك في الدوائر الأمنية والدبلوماسية الأميركية.


إذا كان المشهد المعقد في سوريا قد ساهم بمزيد من الفتور في العلاقات الأميركية-التركية، فهو ليس المصدر الوحيد لتدهور علاقاتهما. الأزمة السورية هي السبب نعم، ولكن أيضا الأزمة أعمق من ذلك، فالانفصال الإستراتيجي وعدم التوافق الجيوسياسي بين البلدين حقيقي وهو في تطور دائم، فانعدام الثقة بين تركيا والولايات المتحدة مستمر، وقد تم الكشف عن هذا بشكل كبير خلال المناقشات حول إنشاء منطقة آمنة في سوريا، في حين أن العلاقات الشخصية بين الرئيسين أردوغان وترامب تبدو ودية وتتطور باستمرار، مقابل فجوة عميقة بين الإدارتين.


التحالفات المرنة لتركيا
في مواجهة هذا الوضع ، ظلت تركيا لسنوات عديدة تشكل تحالفات مرنة. علاقاتها مع روسيا وإيران هي مثال واضح على ذلك. منذ التعاون في إطار اتفاقيات أستانة وسوتشي في سوريا، حتى شراء صواريخ روسية من طراز S-400 من قبل أنقرة، كان هناك دائما، في التقارب الروسي-التركي، شريك ثالث غير مرئي هو الولايات المتحدة التي تحدد طبيعة ونوعية وحدود هذا التناغم. وبالطريقة نفسها، من المرجح من الآن فصاعداً، في أي تفاعل أميركي تركي في سوريا، أن تكون روسيا الشريك الثالث غير المرئي الذي يحدّ من هذه التفاعلات.


ومع ذلك، فإن الحوار الذي بدأه ترامب مع تركيا حول إنشاء منطقة آمنة هو طرح عملي أكثر من كونه عرضاً في سوق، لكن من المحتمل أن تتأثر هذه العملية بالإدارة الأميركية، التي لا تريد انسحاباً سريعاً ومرتجلاً، وبالحسابات الجيوسياسية لشركاء تركيا في اتفاقات أستانة (خصوصاً الروس)، وبالمحادثات الجارية بين الأكراد السوريين مع نظام دمشق.


يجب أن توضح هذه العملية أولاً طبيعة المنطقة الآمنة، وتحديد أهدافها وآليتها التشغيلية، واقتراح رؤية سياسية لشمال شرق سوريا. في ما يتعلق بأهداف المنطقة، تبدو توقعات مختلف الفاعلين فيها متباعدة؛ فبالنسبة لـ"قوات سوريا الديموقراطية" يجب أن تكون المنطقة الآمنة وسيلة لحماية مقاتليها من تركيا، وبالتالي السماح لها بتمديد هياكلها الإدارية والأمنية في شمال شرق سوريا. وبالنسبة لأنقرة، فإن المنطقة الآمنة هي طريقة لمحاربة "وحدات حماية الشعب"، وإضعاف الهياكل الإدارية للمناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديموقراطية". وأخيراً،. بالنسبة لواشنطن، سيكون ذلك وسيلة لإيجاد طريقة للتوفيق بين الأتراك والمقاتلين الأكراد، والتأكد من أن روسيا، وإيران، والنظام لن يحتلوا المساحة التي بقيت شاغرة بسبب انسحاب القوات الأميركية.


ما هو دور روسيا؟
يمكن أن تولّد العملية ثلاثة تطورات. أولاً، عندما يسعى الأكراد إلى الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى، فسوف تتضاعف جهودهم للتوصل إلى اتفاق مع النظام السوري، ولهم أسبابهم الخاصة للتفاوض مع النظام السوري، مع العلم أنه في البداية، عندما أعلن ترامب عن خطة الانسحاب الأميركي، لم يكن النظام في عجلة من أمره لإبرام صفقة مع الأكراد السوريين، لاعتقاده أنهم مع مرور الوقت سوف يضعفون، وبالتالي يكونون أقل إصراراً. ومع ذلك، مع احتمال إنشاء المنطقة الآمنة، فإن النظام يخاطر بفقد السيطرة على حدوده وجزء كبير من موارده الهيدروكربونية لفترة طويلة. هذا الأمر قلب المعادلة، ولتجنب هذا الاحتمال أصبح النظام الآن في دمشق أكثر ميلاً للتفاوض مع الأكراد - وهي عملية دعمتها موسكو بالفعل.


علاوة على ذلك، على الرغم من أن المحادثات بين الولايات المتحدة وتركيا تدور حالياً حول الأكراد السوريين، إلا أن السؤال ليس سهلاً: أولاً، أي طرف من الأكراد، بل وأي طرف من العرب سيسمح لهم بالمشاركة في الهياكل السياسية و الهياكل الإدارية لشمال شرق سوريا؟ طبيعة الحلفاء العرب للولايات المتحدة وتركيا ليست هي نفسها. شركاء الولايات المتحدة العرب متحالفين مع "وحدات حماية الشعب" ويعملون تحت مظلة "قوات سوريا الديموقراطية".


ثانياً، من غير المرجح أن تعارض روسيا فكرة وجود منطقة آمنة، حتى لو كان ذلك سيعرض علاقاتها مع أنقرة للخطر. بدلاً من ذلك، سوف تسعى للحصول على تنازلات من أنقرة حول قضايا أخرى (خاصة إدلب وربما بعض القضايا الثنائية). وفي الوقت نفسه، ستسعى موسكو من دون شك إلى تزييف محتوى وعمق المفاوضات حول المنطقة الآمنة.


ثالثاً، مع تطورها إلى خطوة عملية، من المرجح أن تستمر المناقشات حول المنطقة الآمنة وتصبح عالمية، وهذا بدوره قد يؤثر على العلاقات التركية-الأميركية. وإذا لم يتم تخطيطها وتنفيذها بشكل صحيح، فإن فكرة إنشاء منطقة آمنة- تريد منها الولايات المتحدة تهدئة العداوة بين حلفائها الأتراك وقوات سوريا الديموقراطية- يمكن أن تزيد التوتر بين جميع الأطراف وتخلق الفوضى في شمال شرق سوريا.. العيب الرئيسي في هذه المنطقة الآمنة- المقترحة حتى الآن- هو عدم وجود رؤية سياسية واضحة المعالم لشمال شرق سوريا، إن لم يكن لسوريا بشكل عام.

نشر هذا التحليل للمرة الاولى باللغة الفرنسية في صحيفة "لوموند" وترجمته "المدن" إلى العربية

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها