الإثنين 2019/01/07

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

ديرالزور: صكوك الغفران بتوقيع روسي

الإثنين 2019/01/07
ديرالزور: صكوك الغفران بتوقيع روسي
(Getty)
increase حجم الخط decrease
أمام تجمّع لعشرات المدنيين بالقرب من معبر الحوايج النهري، الواصل بين مناطق سيطرة "قوات سوريا الديموقراطية" ومناطق سيطرة النظام، تجلس أم علي متكورة على نفسها وعلامات الخوف تحيط بوجهها الأسمر الشاحب.

بعد قليل سيُقل مركب صغير يستخدم لنقل المدنيين بين ضفتي النهر، أم علي مع الكثيرين من أقرانها إلى الضفة الآخرى، بغرض إجراء "مصالحة" مع النظام، بهدف العودة إلى منزلها الذي تركته مع دخول قوات النظام قريتها قبل عام.

ومشكلة أم علي هي تقرير كيدي كتبه ضدها أحد جيرانها، وقدمه لأحد فروع المخابرات، ويتهمها فيه بانتسابها لتنظيم "الدولة الإسلامية" إبان سيطرته على قريتهم بين العامين 2014 و2017.

حال أم علي يشبه حال الكثيرين من المدنيين، الذين يتوجهون بشكل يومي من مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق النظام، لإجراء "مصالحات" و"تسوية أوضاعهم" الأمنية، خاصة القضايا القائمة على خلفية الثورة السورية منذ مطلع العام 2011.

"المصالحات" أو "تسوية الوضع الأمني" هي مبادرة أطلقت مؤخراً في ديرالزور برعاية وضمانة الجانب الروسي. ويشرف ضباط روس على "لجان المصالحة" المنتشرة في عموم مناطق سيطرة النظام جنوبي نهر الفرات، بمساعدة شخصيات عشائرية وإجتماعية لها حضور في أوساط ديرالزور المحلية.

"لجان المصالحة" حددت شروطاً للأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة من المبادرة؛ وأولها ألا يكون الشخص "قد تلطخت يداه بدماء السوريين"، وثانيها ألا "يكون من حملة السلاح والمنتسبين إلى الجماعات الإسلامية المتشددة مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة"، ثالثها أن "المصالحة لا تُسقط الأحكام الجنائية غير المرتبطة بالحدث السوري الحالي، أو المتعلقة بحقوق مدنيين سوريين آخرين".

وتوجد في ديرالزور أكثر من 9 نقاط خاصة بعملية "المصالحة"، وتقسم إلى: "لجان فرعية" بالقرب من المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق النظام، و"لجان رئيسية" في المربع الأمني في حي غازي عياش داخل مدينة ديرالزور. ويشرف ضباط روس على عمل "اللجان" وهم أصحاب القرار الفعلي. وكذلك يتواجد في اللجان ضباط أمن يمثلون فروع المخابرات المتواجدة في المحافظة، إضافة للوسطاء المحليين.

الأجواء الماطرة في يوم توجهها لإجراء "المصالحة" كانت في صالح أم علي، فقد حالت دون عرضها على "اللجان الرئيسية" داخل المدينة، وتم الاكتفاء بإجراء "المصالحة" أمام اللجنة الفرعية بالقرب من معبر الحوايج النهري في ريف ديرالزور الغربي.

إجراءات مبسطة تطلبها "لجان المصالحة" من كل شخص يمثُل أمامها؛ صورة للبطاقة الشخصية من الجانبين، وصورتان شخصيتان، مرفقة بالطلب، وفي بعض الأحيان يتم توجيه بعض الأسئلة عن التهم الموجهة للشخص.

وبعد مثول الشخص أمام اللجنة يُعطى ورقة تثبت إجراءه "المصالحة"، ويتم تنبيهه بعدم السفر خارج المحافظة حتى تسليمه ورقة "كفّ بحث" عنه، ويتطلب إصدارها ما بين أسبوع وعشرة أيام. ويترك بعدها للشخص حرية الإقامة في مناطق سيطرة النظام أو أي منطقة أخرى.

ويستخدم النظام مراجعي "لجان المصالحة" في ديرالزور، للخروج بمسيرات مؤيدة له تجوب مناطق سيطرته ريفاً ومدينة بشكل يومي. أم علي كانت أحد الذين اجبروا على الخروج بمسيرة مؤيدة جابت قرى الريف الغربي، وعادت بعدها إلى منزلها في قريتها شمالي النهر، بانتظار رسالة "وجوب حضورها لاستلام ورقة كف البحث"، والتي تمثل "صك غفران" لها.

إجراءات مصالحة المدنيين، تختلف عن مصالحة عناصر الجيش أو الأمن المنشقين عن النظام. وتتم "تسوية أوضاع" العسكريين المستوفين للشروط، بشكل فوري، ويتم إعطاؤهم مدة 30 يوماً لترتيب أوضاعهم، قبل سحبهم لإستكمال خدمتهم العسكرية في قطعهم السابقة أو أماكن جديدة.

أحمد، أحد أبناء بلدة الشميطية، وهو منشق عن الجيش منذ العام 2013، قام بإجراء "مصالحة" وتم سوقه لاستكمال خدمته الإلزامية في محافظة الحسكة، بالرغم أنه كان يخدم في "القوات الخاصة" بريف دمشق قبل انشقاقه.

وعلى الرغم من إعلان "لجان المصالحة" لشروط محددة يتوجب استيفاؤها لإنهاء مشاكل البعض الأمنية، إلا أنها تقوم بعمليات مصالحة لأشخاص لا تنطبق عليهم الشروط، مقابل مبالغ تصل إلى 20 مليون ليرة. من بين هؤلاء أمراء في تنظيم "الدولة الإسلامية" أو أعضاء في مجالس العشائر التابعة له. ويتم توزيع تلك الأموال "الرشى"، بين الضباط الروس المشرفين على العمل ورؤساء أجهزة المخابرات في المحافظة. وتتم الصفقات عبر وسطاء محليين، على اتصال مع الطرفين، ممن يتولون مهمة الضامن للطرف الأول بتسليم المال، وللطرف الثاني بإنهاء ملفه الأمني وشطبه.

كما يقوم الروس والنظام بالتغاضي عن شروط "لجان المصالحة" في حالة بعض الشخصيات الاجتماعية التي لها ثقل في الوسط المحلي أو العشائري، بهدف كسبهم وتأهيلهم ليكونوا وسطاء يعملون على إقناع أبناء مناطقهم للعودة إلى النظام وإجراء "المصالحة".

الناشط الميداني من ديرالزور عصام الغدير، قال لـ"المدن"، إن النظام قام قبل أيام بـ"تسوية وضع" أربع شخصيات عشائرية من ريف ديرالزور الغربي، كانوا يمثلون "مكتب العشائر" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية". وأضاف: "وبعد التحقيق معهم لمدة أسبوع في فروع المخابرات، تم إنهاء ملفهم الأمني، والآن يعملون كوسطاء بين الراغبين في المصالحة والروس والنظام السوري، رغم أن من بين تلك الشخصيات من هو متهم بقتل مدنيين أبرياء".

يهدف الروس ومن خلفهم النظام من عمليات "المصالحة" في ديرالزور إلى إعادة بناء شبكات اجتماعية أمنية للنظام بعدما تسببت الاحتجاجات الشعبية بتكوين ما يشبه الحدّ الفاصل بين حقبة حكم وأخرى، بالإضافة للمساهمة بتعزيز الحالة الشعبية المساندة للنظام قبل أي استحقاق سياسي أو انتخابي مستقبلي.

نجاح الروس والنظام في توسعة "المصالحات" في ديرالزور مرتبط مباشرة بقدرتها على توفير ضمانات مستقبلية تتقاطع مع شروط الحاضنة الشعبية في المنطقة والتي تتخوف من مصير مشابه للانقلاب على "المصالحات" في حلب ودرعا وريف دمشق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها