الأربعاء 2019/01/02

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

"تحرير الشام" تسيطر على دارة عزة: تحقيق أهداف النظام؟

الأربعاء 2019/01/02
"تحرير الشام" تسيطر على دارة عزة: تحقيق أهداف النظام؟
(انترنت)
increase حجم الخط decrease
سيطرت "هيئة تحرير الشام"، ليل الثلاثاء/الأربعاء، على مدينة دارة عزة، وجبل الشيخ بركات وقرى وبلدات في ريف حلب الغربي، بعدما هاجمت قوات "حركة نور الدين الزنكي" من محاور متعددة، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ما تسبب بمقتل وجرح عدد كبير من المدنيين.

وقُتِلَ في المعارك أكثر من 15 عنصراً من الطرفين، معظمهم من "الهيئة" التي تمكنت من أسر مقاتلين من "الزنكي" في محيط دارة عزة.

وأصدر قائد هجوم "الهيئة" بياناً يخاطب فيه أهالي دارة عزة وعناصر "الزنكي"، الذين بقوا في المدينة، بالقول: "إلى أهلنا المسلمين في مدينة دارة عزة أعزها الله ، أنتم أهلنا، نحن منكم وأنتم منا، ولا مشكلة لنا معكم بل مشكلتنا مع من اعتدى علينا وقتل جنودنا، فنطلب منكم التزام بيوتكم مشكورين حتى لا يصاب أحد منكم بأذى"، وخاطب مقاتلي "الزنكي"، وأعطى "الأمان لكل من ألقى منهم سلاحه أو دخل بيته أو إستسلم".

مصدر عسكري معارض، أكد لـ"المدن"، أن بيان قائد الحملة العسكرية "خدعة"، فالمهاجمون استهدفوا بعض الأحياء في المدينة بقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة، ونفذوا حملة اعتقالات واسعة في مدينة دارة عزة والقرى والبلدات التي سيطروا عليها في ريف حلب الغربي، واقتحموا البيوت المشتبه بإيوائها مقاتلين من "الزنكي". المصدر أكد أن المهاجمين أطلقوا أثناء عمليات التمشيط، النار بشكل عشوائي، مستهدفين المدنيين ما أدى إلى مقتل وجرح أكثر من 10 أشخاص بينهم أطفال ونساء. وقتل ممرض وجرح طبيب في مشفى الكنانة في دارة عزة، أثناء هجوم "الهيئة" على المشفى.

وكانت "الهيئة" قد عقدت اتفاق "تهدئة" مع "الزنكي"، قبل يومين، بعد 48 ساعة من التصعيد العسكري وقطع الطرق في أطراف مدينة دارة عزة، على خلفية مقتل خمسة من عناصر "الهيئة" في بلدة تلعادة. وبررت "الهيئة" هجومها العنيف، رغم التهدئة، بأن "الزنكي" لم تلتزم بالمدة الزمنية المحددة في الاتفاق لتسليم المطلوبين، لطرف ثالث تم التوافق عليه، ضمن الاتفاق.

وجاء في بيان "الهيئة"، الثلاثاء: "وافقنا على تشكيل محكمة مستقلة على أن يقدم الزنكي الأشخاص المتهمين لطرف ثالث للتمكن من توقيفهم على ذمة القضاء وقد وافق وتعهد بذلك، لنفاجأ بالأمس بتقديمه شخصاً واحداً فقط للمحكمة؛ وقد كنا أكدنا للقاضي أننا في حل من الاتفاق إن لم يسلم  الزنكي المتهمين قبل انتهاء المهلة المتفق عليها، وقد انتهت المهلة ولم يتم التسليم"؛ و"إننا بعد كل ما سبق نجد أنفسنا مضطرين لحل القضية وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في مدينة دارة عزة، وإلقاء القبض على المتهمين بالجريمة لتقديمهم للقضاء الشرعي حفظاً لحقوق الشهداء الأربعة وأهليهم".

ودعا بيان "الهيئة" بقية فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تنتمي لها "الزنكي"، بشكل صريح للوقوف على الحياد.

رواية تنظيم "جبهة أنصار الدين"، الطرف الثالث المفترض تحكيمه في قضية قتلى "الهيئة"، كانت موافقة للمبررات التي قدمتها "الهيئة"، وأكد بيان "الأنصار" أن المدة الزمنية التي حددها الاتفاق لتسليم المطلوبين هي 24 ساعة، ولم تلتزم "الزنكي" بتنفيذ هذا البند.

وبدا هجوم "الهيئة" مخططاً له بالفعل، ونجحت في استغلال حادثة قتل عناصرها في تلعادة لصالحها، وتمكنت من السيطرة على دارة عزة وجبل الشيخ بركات، بعد محاولات فاشلة خلال الشهور الماضية.

وساهم بسقوط دارة عزة بيد "الهيئة" انشغال "الفرقة التاسعة" التابعة لـ"الجيش الوطني"، المرابطة في دارة عزة والشيخ بركات، في التحضير للعملية العسكرية المفترضة شرقي الفرات بدعم تركي. وسهّل ذلك على "الهيئة" التقدم خلال الساعات الماضية. اتفاق التهدئة مع "الزنكي" كان لكسب المزيد من الوقت، لحشد قوات "الهيئة" على كامل خط التماس مع مناطق سيطرة "الزنكي" غربي حلب، وحرمان خصومها من الاستعداد وعودة مقاتلي "الفرقة التاسعة" إلى مواقعهم مجدداً.

أشغلت "الهيئة" كامل خط التماس مع "الزنكي"، من خان العسل في ضواحي حلب الجنوبية الغربية، وحتى دارة عزة في الشمال الغربي. وهاجمت عاجل والسعدية وخان العسل والجمعيات السكنية وبسرطون  وعويجل وتقاد، وحواجز "الزنكي" العسكرية في المنطقة. المحور الرئيسي للهجوم كان نحو جبل الشيخ بركات، وهو بوابة السيطرة على مدينة دارة عزة. واستخدم الطرفان المصفحات محلية الصنع، في المعارك الجارية، والتي أعلن كل منهما حيازته لها قبل شهر تقريباً.

القائد العسكري في "الفرقة التاسعة" النقيب أبو العز، أكد لـ"المدن"، أن "الهيئة" استغلت انشغال المعارضة في التحضير لعملية شرق الفرات لتهاجم مناطق ريف حلب الغربي، وأن "الفرقة التاسعة" وبعض فصائل "درع الفرات" قد أرسلت المئات من مقاتليها خلال الساعات الماضية لقتال "الهيئة"، ومنع تقدمها، و"الآن نحضر لهجوم معاكس نستعيد من خلاله المناطق التي تقدمت فيها الهيئة مؤخراً". وأشار أن ذلك "ليس مشاركة رسمية من فصائل المعارضة"، بل أن "المقاتلين المشتركين في قتال الهيئة الآن هم في غالبيتهم من مناطق ريف حلب الغربي التي تتعرض للهجوم".

الناطق باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود، أكد لـ"المدن"، أن فصائل "الجبهة الوطنية" لديها ما يكفي من السلاح والمقاتلين لكي ترد على اعتداء "الهيئة"، وربما هي "بحاجة الى موقف موحد لقيادتها فكراً وعملاً". وبالنسبة "لنا في الجيش الوطني، لن نقف متفرجين ومكتوفي الأيدي. نحن مشاركون فعلياً في المعارك هناك، وقد توجه المئات من مقاتلي الفصائل في درع الفرات إلى منطقة ريف حلب الغربي".

لم يكن بيان قيادة "الجبهة الوطنية"، بالمستوى المعول عليه من "الزنكي"، إذ اكتفى بوصف الخلاف وتفاصيل الاتفاق بين طرفي القتال، ولم يذكر بشكل واضح أن فصائل "الجبهة" ستقف إلى جانب "الزنكي". وجاء في البيان: "إننا إذ نبين بكل وضوح مشروعية دفاعنا عن النفس، ونحمل هيئة تحرير الشام مسؤولية كافة التبعات الخطيرة والكارثية التي سوف تترتب على تصعيدها الأخير في هذا الظرف الحساس الذي تمر به البلاد وندعو عقلاءهم إلى إيقاف القتال والحفاظ على ما تبقى من الثورة". قادة بارزون في "الجبهة"، مثل القائد السابق لـ"أحرار الشام" حسن صوفان، اكتفى بالدعاء على المعتدين في "تويتر"، في حين هدد قادة آخرون بدخول المعركة، ولم يكن لتهديداتهم أي آثر يذكر في معارك الساعات الماضية.

قادة فصائل "الجيش الوطني" في "درع الفرات"، لمحوا إلى أن قتال "الهيئة" أولى من قتال "قوات سوريا الديموقراطية" شرقي الفرات، واعتبروا هجوم "الهيئة" استكمالاً لمحاولات عرقلة معركة شرقي الفرات، والتي بدأت بفتاوى تحريمها من متشددي من "الهيئة". القادة توعدوا، في مواقع التواصل الاجتماعي، بأن تغييرات كبيرة على الأرض قد تحصل قريباً، وقد تتحقق في حال أرادت تركيا فعلياً إنهاء "الهيئة".

قد تتمكن "الزنكي" وبمساندة المجموعات غير الرسمية التي أرسلتها فصائل المعارضة إلى ريف حلب الغربي، من استعادة ما خسرته، لكنه احتمال صعب في ظل حشود "الهيئة" الهائلة والتي تمركزت في المواقع التي استولت عليها. وقد تفضل "الزنكي" التحصن في مواقعه الأصلية في ريف حلب الغربي والدفاع عنها، بدل الاستنزاف في دارة عزة.

وأمام "الهيئة" خياران؛ أن تستمر في الهجوم وتضغط على خصومها أكثر وتحاصرهم في بقعة جغرافية أصغر، وفي هذه الحالة قد تطول المعركة ويزيد ضحاياها المدنيون، وسط مشاركة فصائل أخرى في القتال إلى جانب "الزنكي"، أو أنها ستكتفي بالمواقع التي تقدمت نحوها، وستعمل على تحصينها بشكل جيد، لقطع الطرق على "الزنكي"، وفصلها عن محيطها وقضم مناطق سيطرتها على مراحل.

ويفترض أن تحقق معركة "الهيئة" أهدافاً متعددة؛ الثأر من "الزنكي" بعد معارك طويلة خسرت خلالها "الهيئة" العشرات من عناصرها وقادتها، والسيطرة على الطريق الوحيد الواصل إلى مناطق سيطرة "الزنكي" في ريف حلب الغربي عبر السيطرة على جبل الشيخ بركات ودارة عزة، وفتح طريق آمن لـ"الهيئة" إلى ضواحي حلب الشمالية التي تنتشر فيها "الهيئة" أصلاً، وتمكين "حكومة الإنقاذ" من الوصول إليها دون المرور بمناطق سيطرة "الزنكي". وتسعى "الهيئة" لتمكين "الإنقاذ" على أكبر مساحة ممكنة، وإخضاع المناطق التي ترفض إدارتها، بالحصار والقتال. كما يُحقق الهجوم السيطرة على كامل خط التماس مع عفرين، والسيطرة على كافة المعابر، ما يعني التحكم بالخطوط التجارية التي تفصل منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات" عن ادلب ومحيطها.

وتُعتبر منطقة دارة عزة وجبل الشيخ بركات مواقع استراتيجية تسمح السيطرة عليهما بتقوية مواقف "الهيئة" في أي مفاوضات مع تركيا، حول التوسع العسكري وتمكين الهيئات والمؤسسات المحسوبة عليها.

المعارضة ترى أن معركة "الهيئة" وتحركاتها تخدم مليشيات النظام وروسيا، وقد تكون عمالة صريحة للنظام لتسهيل دخوله إلى ادلب. وتتحدث المعارضة عن اجتماعات جرت بين قادة من "الهيئة " وضباط روس في معبر مورك قبل شهور. المسؤول عن التفاوض والتنسيق في مركز "المصالحة" التابع للنظام عمر رحمون، قال في "تويتر": "‏بكل تأكيد فان هجوم جبهة النصرة على الزنكي مكسب كبير للجيش السوري، فاجتثاث فصائل المعارضة وتفرد جبهة النصرة الارهابية في ادلب يعطي الجيش السوري شرعية الهجوم وتطهير ادلب من الارهاب، ما تقدمه جبهة النصرة من خدمات لنا، تعجز الكلمات عن تقديره".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها