الجمعة 2018/09/28

آخر تحديث: 08:30 (بيروت)

الشمال السوري: لماذا انخفضت رواتب مقاتلي المعارضة؟

الجمعة 2018/09/28
الشمال السوري: لماذا انخفضت رواتب مقاتلي المعارضة؟
مقاتلو "فيلق الشام" هم الأكثر نقداً لقلة الرواتب (Getty)
increase حجم الخط decrease
يعاني الآلاف من مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري، من قلة الرواتب الشهرية، والتي شهدت مؤخراً انخفاضاً غير مسبوق. وباتت فصائل مثل "فيلق الشام" تدفع لمقاتليها ما يعادل 100 ليرة تركية، أي بحدود 7 آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ يغطي مصاريف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد تقيم في مناطق المعارضة في ادلب وريف حلب، لثلاثة أيام فقط.

تراجع قيمة الرواتب دفعت المقاتلين لترك فصائلهم، منذ أذار/مارس، في موجة اتخذت منحى تصاعدياً، ووصلت إلى نسبة ثلث المقاتلين حالياً. وتوجه بعضهم إلى العمل في المهن الحرة بأجر يومي، في قطاعات الصناعة والزراعة والبناء، وقسم آخر فضل البحث عن طريقة للدخول إلى تركيا، بسبب قلة الفرص في مختلف قطاعات التشغيل في عموم مناطق المعارضة. قسم من المقاتلين نجح بالدخول إلى تركيا بطرق غير شرعية، ووجد البعض منهم طريقه إلى أوروبا.

النتيجة الأخطر لقلة الرواتب هي توجه قسم كبير من المقاتلين إلى الانضمام لـ"هيئة تحرير الشام"، التي حافظت على مستوى ثابت من الأجور الشهرية لعناصرها، وباتت تتصدر قائمة الفصائل بأعلى الرواتب الشهرية لمقاتليها. ويحصل عنصر "الهيئة" على 100 دولار شهرياً، أي ما يعادل 45 ألف ليرة سورية، في الأحوال العادية، بالإضافة إلى المعونات الشهرية من المواد الغذائية والطبية. ويحصل العنصر على ضعف المبلغ في حال المهام العسكرية والأمنية ضد مليشيات النظام أو فصائل المعارضة في المنطقة.

"الهيئة" استفادت بشكل كبير من تراجع رواتب المقاتلين، وضمت إلى صفوفها الآلاف من مقاتلي المعارضة التاركين لفصائلهم. العناصر الجدد في "الهيئة" خضعوا لدورات تدريبية مكثفة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.

وتتحكم "هيئة تحرير الشام" بمعبري باب الهوى والعيس، اللذين يعتبران مصادر دخل كبيرة، إلى جانب الضرائب التي باتت تجمعها "حكومة الإنقاذ " مؤخراً من قطاعات خدمية مختلفة، والارباح التي تحققها من احتكار الكثير من السلع الأساسية، الغاز المنزلي، والمحروقات. هذا عدا عن مسائل التمويل الذاتي غير الشرعية، كالفديات المالية للإفراج عن معتقلين. ولا تتسلم "الهيئة" أي دعم تركي، لكن مواردها الذاتية تكفي لضم المزيد من المقاتلين المنسحبين من صفوف الفصائل.

مقاتلو فصائل المعارضة المسلحة كانوا قد علقوا آمالاً كبيرة على تشكيل "الجبهة الوطنية للتحرير"، المدعومة من تركيا، وتأملوا أن يتحسن دخلهم الشهري، وأن تصبح الرواتب ثابتة يتم تسليمها في تاريخ محدد من كل شهر. وكان مفترضاً أن يحصل المقاتلون شهرياً على حصة واحدة على الأقل من الإغاثة الغذائية.الرواتب ظلت في انخفاض مستمر، ولم يحصل المقاتلون على حصة غذائية منذ 8 شهور. ومن المتوقع أن يترك المزيد من المقاتلين فصائلهم خلال الفترة القادمة، وسط تعالي الأصوات المنددة بمشكلة العوز الشديد التي يعيشونها.

ويتهم مقاتلو فصائل المعارضة قياداتهم بالفساد، وسط إشارات إلى تفاوت حاد في الأجور بين القيادات والمقاتلين. مقاتلو "فيلق الشام" هم الأكثر نقداً لقلة الرواتب. يعتبر "الفيلق" الفصيل الأكبر في الشمال من حيث عدد المقاتلين والانتشار، ويقود "الجبهة الوطنية" التي تضم 15 فصيلاً مسلحاً. وبحكم علاقته الوثيقة بالجانب التركي، يتسلم "الفيلق" المخصصات المالية الشهرية التي يتم توزيعها بين الفصائل. ويلمح المقاتلون عموماً إلى أن تخفيض الرواتب هو سياسة مقصودة، يراد منها تقليل عدد المقاتلين.

عشرة فصائل صغيرة في "الجبهة الوطنية"، تحافظ على تسليم مقاتليها رواتب شهرية تبدو جيدة مقارنة بـ"الفيلق". في حين تتفاوت رواتب المقاتلين بين الفصائل الخمسة التي انضمت مؤخراً إلى "الجبهة الوطنية"؛ "أحرار الشام" و"حركة الزنكي" و"جيش الأحرار" و"تجمع دمشق" و"صقور الشام". وتعطي "الزنكي" ما بين 75–100 دولار شهرياً، ولا يختلف حال الفصائل الأربعة الأخرى عن حال "الفيلق".

وتتميز "حركة الزنكي" بامتلاكها مصادر دعم مالي ذاتية. وتدير "الحركة" مشاريع ربحية في مناطق ريف حلب الغربي، التي تعتبر منطقة نفوذ لها وصولاً إلى ضواحي حلب الغنية بالمنشآت الصناعية. "الزنكي" لا تعتمد كليا على الحصة المالية المقدمة من تركيا، بل تعوض النقص من خلال مواردها الذاتية. وجميع مقاتلي "الزنكي" من أبناء ريف حلب الغربي، ولدى معظمهم فرصة لتحسين دخولهم الشهرية من خلال العمل بالزراعة والتجارة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.

وتحاول الفصائل ذات الدخل المالي المحدود التقليل من انتشار عناصرها في نقاط التماس، وتسلم أقل عدد من نقاط الرباط للتخفيف من المصاريف التشغيلية اليومية، وإتاحة الفرصة أمام مقاتليها للعمل وتحسين أوضاعهم المالية.

فصائل المعارضة المسلحة في منطقة "درع الفرات" في ريف حلب، ليست أفضل حالاً من فصائل ادلب وريف حلب الغربي وريفي حماة واللاذقية. مقاتلو "الجبهة الشامية" يشتكون من قلة رواتبهم الشهرية. وقد صدف أن مر شهران ولم يتسلم مقاتلو "الشامية" أية مستحقات. الأمر ذاته يتكرر في فصائل مسلحة أخرى في المنطقة؛ "فرقة السلطان مراد" و"لواء محمد الفاتح"، التي لا يتجاوز راتب المقاتل فيها 400–500 ليرة تركية، تزيد وتنقص شهرياً. وبكل الأحوال، لا تكفي تلك الرواتب لتغطية مصاريف المعيشة للمقاتلين من أصحاب العائلات.

وهناك أكثر من مسبب لهذه المشكلة، فقد تكون هذه خطة لدى عدد من الفصائل، قد تكون مدعومة من تركيا، بهدف التقليل من أعداد المقاتلين، ودفعهم إلى ترك العمل المسلح. كما أن الجانب التركي لم يعترف بالقوائم الاسمية لمقاتلي الفصائل، وتبنى دعم أعداد محددة من المقاتلين من كل فصيل. قيادة الفصائل وزّعت الدعم المالي التركي المخصص لعدد محدد من مقاتليها، على كامل العدد، ما تسبب بانخفاض الرواتب إلى النصف.

الهدر بسبب الفساد هو أمر بات منتشراً أيضاً، إذ تصرف آلاف الدولارات على المصاريف التشغيلية والمكاتب السياسية والموظفين في تركيا وغيرها، ما ينعكس مباشرة على المقاتلين. ويضاف إلى ذلك خسارة الليرة التركية قرابة نصف قيمتها أمام الدولار الأميركي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها