الأحد 2018/08/12

آخر تحديث: 11:26 (بيروت)

حمص الشمالي: "الضامن" الروسي يكتفي بدوريّة واحدة

الأحد 2018/08/12
حمص الشمالي: "الضامن" الروسي يكتفي بدوريّة واحدة
(المدن)
increase حجم الخط decrease
على الرغم من مرور ثلاثة شهور على خروج مقاتلي المعارضة وعائلاتهم من ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، وفق اتفاق أيار/مايو بين "هيئة التفاوض" في المنطقة والجانب الروسي، إلا أن أيّاً من الضمانات التي قدّمها الروس شفهياً للمعارضة لم تُطبّق.

ونصت اتفاقية "المصالحة" على عدم التعرض للأهالي بالاعتقال أوالمساءلة، وكف البحث عمّن "سوّى وضعه" مع النظام، وضمان الشرطة العسكرية الروسية لأمن المنطقة ومنع التجاوزات فيها. النظام ضرب بالوعود الروسية عرض الحائط، وقطّع أوصال المنطقة، وعزز حواجزه الأمنية والعسكرية فيها، كما لجأ إلى تجنيد الشبّان والأطفال على حد سواء للقتال في صفوفه مقابل المال.

مع خروج أولى دفعات المهجرين إلى الشمال السوري، باشر النظام والروس بإزالة السواتر الترابية من الأوتستراد الواصل بين حماة وحمص؛ جزء من الطريق الدولي الذي يربط بين معبري نصيب في محافظة درعا ومعبر باب السلامة شمالي حلب. مصدر مطلع في ريف حمص الشمالي، أوضح لـ"المدن"، أن الطريق بات يعمل بشكل رسمي بإشراف قوات النظام، في حين تتركز دورية واحدة للشرطة العسكرية الروسية بالقرب من بوابة مدينة تلبيسة، من الساعة العاشرة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً بشكل يومي. المصدر أشار إلى تلك الدورة الروسية هي التواجد العسكري الروسي الوحيد المتبقي في المنطقة.

وبات طريق حماة/حمص في الأيام القليلة الماضية ممراً رئيسياً لقوافل التعزيزات العسكرية لقوات النظام باتجاه إدلب. وتستعين هذه القوات بالشاحنات التجارية بشكل ملحوظ لتحميل الذخيرة.

وأشارت مصادر "المدن" إلى أن الريف الشمالي عموماً بات مقطع الأوصال، إذ أنشئ حاجز عسكري كبير نسبياً شمالي مدينة الرستن، بالإضافة إلى حاجز ملوك ذائع الصيت قرب مدينة حمص، ويتبعان لـ"المخابرات الجوية" و"الأمن العسكري". وأقيمت الحواجز في الرستن، كبرى مدن الشمال الحمصي، والحولة شمال غربي حمص. وتمتد حواجز الحولة من الغجر شرقاً وحتى مريمين غرباً، فيما تركزت حواجز الشمال الشرقي في الزعفرانة ودير فول. في مدينة تلبيسة، أقيمت نقطة عسكرية في قلعتها الأثرية تحوي عربة "شيلكا"، بينما لا يوجد أي حاجز لقوات النظام داخل أحياء المدينة، في حين تركز وجود مخفر للشرطة ومراكز الأمن المختلفة على الطريق الدولي المحاذي لها.

الوضع في ريف حماة الجنوبي يبقى ضبابياً، في ظل نزوح معظم سكان القرى التي دخلتها قوات النظام، في عقرب وطلف وحربنفسة والزارة، تخوفاً من عمليات انتقامية من مليشيات القرى الموالية المحيطة بها.

في 16 أيار/مايو أسدل الستار على آخر القوافل المهجّرة إلى الشمال، مع خروج 30 ألف مدني وعسكري من ريف حمص الشمالي، أي بحدود 10 في المائة من السكان هناك، وغالبية المهجّرين كانوا من سهل الحولة ومدينة الرستن، إضافة إلى المهجرين من مدينة حمص سابقاً. وعقب الخروج، استأنفت دوائر الدولة عملها في المنطقة، وبدأت الخدمات العامة تشهد تحسناً ملحوظاً، لكنها ما زالت لا ترقى لمثيلتها في المناطق الموالية للنظام. فالخدمات الطبية شبه معدومة، ولا يوجد حالياً سوى نقاط تابعة للهلال الأحمر، فيما أغلقت المستشفيات الميدانية، وتحولت المراكز الصحية التابعة للدولة إلى نقاط عسكرية، ومنها مستشفى التوليد في تلبيسة.

الكهرباء عادت بشكل جزئي إلى المنطقة، لكن شركة الكهرباء اشترطت على الأهالي دفع الفواتير المترتبة لإعادتها، والتغريم فيما لو كانت الشبكات غير صالحة جراء القصف. كما أصبحت حركة البناء بحاجة إلى رخصة من الجهات الأمنية، ما اعتبره الأهالي تضييقاً جديداً.

"تنسيقية تلبيسة" سجّلت حالات اعتقال لعشرات الشبان أثناء محاولتهم التوجه نحو مدينة حمص، فيما قُتل 20 مدنياً وعسكرياً بسبب الألغام والعبوات الناسفة وغيرها من المخلفات خلال الشهرين الفائتين.

ولم يصدر حتى الآن عفو عن المنشقين أو المتخلفين عن الجيش، كما نص الاتفاق، وفق مصادر متطابقة، فبنود التسوية مع الروس بقيت وعوداً من دون تنفيذ، ما تسبب بتقييد حركة الشباب ومحاولتهم التواري عن الأنظار قدر الإمكان، واستشعار بعضهم أن ضمان الروس للاتفاق كان مسرحية لا أكثر.

وأكثر ما يثير الريبة هو بدء مصادرة أملاك معارضي الأسد، فتؤكد مصادر "المدن" أن قوات النظام استولت مؤخراً على منزل عضو "المحكمة الشرعية العليا" في ريف حمص الشمالي الشيخ فراس غالي، علاوة على منازل لقادة من "هيئة تحرير الشام" ومعظمهم جاؤوا إلى المنطقة سابقاً من مدينة حمص.

وكحال أي منطقة دخلتها قوات النظام، سعت المليشيات الموالية لتجنيد بعض أبناء ريف حمص مقابل المال، بمن فيهم من هم بأعمار 16 و17، والزج ببعضهم على الجبهات الأمامية في الجنوب السوري. وأشارت مصادر "المدن" إلى أن مجندين اثنين تم تشييعهما في مدينة تلبيسة قبل أيام، قتلا في مواجهات ضد تنظيم "الدولة" في محافظة درعا، أحدهما يدعى بشار العلي بعمر 16 عاماً، عاد إلى أهله جثة هامدة برتبة ملازم شرف. وأكدت المصادر أن عمليات التجنيد تجري بمعظمها لصالح مليشيا "قوات النمر" التي يقودها العميد سهيل الحسن.

ولم يقتصر التجنيد على المدنيين ممن دعتهم الحاجة المادية، بل إن قادة وعناصر من الجيش الحر انضووا كأفراد في "المخابرات الجوية" أو "الأمن العسكري"، بينما القوة المركزية في "جيش التوحيد" باتت تعمل مع الشرطة الروسية.

القيادي السابق في "جيش التوحيد" أيمن العموري الملقب بـ"أبو حية"، والذي قاتل سابقاً مع "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة"، وحضر المفاوضات الأخيرة مع الروس كعضو في "هيئة التفاوض عن ريفي حمص وحماة"، بات قيادياً في "قوات النمر". المنحى ذاته سلكه منقذ الدالي، القيادي السابق في الجيش الحر، رغم أن ابنه قتل في قصف سابق لقوات النظام على مدينته الرستن.

معظم أهالي ريف حمص الشمالي رفضوا التهجير القسري، وتمسكوا بخيار الأرض مهما كانت النتائج، وما زالوا يترقبون بحذرٍ المآلات المستقبلية لاتفاق وضع نهاية لسبع سنوات من مناهضة النظام سلمياً وعسكرياً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها