الجمعة 2018/07/06

آخر تحديث: 09:28 (بيروت)

مصر: رحيل العسكر وسؤال الزمن

الجمعة 2018/07/06
مصر: رحيل العسكر وسؤال الزمن
الزمن يلعب ضد النظام المصري ورئيسه (getty)
increase حجم الخط decrease
في عام 1980، وبعد 7 سنوات من الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال "أغوستو بينوشيه" في التشيلي، ومع بداية تصاعد الانتقادات الدولية تجاه حكمه العسكري الديكتاتوري تم إقرار دستور جديد للبلاد ضمن بموجبه حصانة من المحاكمة بعد الخروج من الحكم، وهو ما حدث بعد ذلك بسنوات عندما عاد قائداً للجيش وعضواً في مجلس الشيوخ متمتعاً بالحصانة التي حمته من المحاكمة حتى عام 2002 عندما تم اعتقاله في لندن.

عادت إلى الأذهان تلك الأحداث مع موافقة البرلمان المصري الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون "معاملة كبار قادة القوات المسلحة"، والذي يُمكن تسميته بقانون تحصين القيادات العسكرية خلال فترة ما بعد 30 حزيران/يونيو، حيث يتمتع المختارون من قبل رئيس الجمهورية بموجب هذا القانون بحصانة داخلية وخارجية من المحاكمة إلى جانب مميزات مادية وعينية غير مسبوقة. إلا أن ما ضاعف الجدل حول هذا القانون صدوره تزامناً مع مقال لأستاذ العلوم السياسية والدبلوماسية عز الدين شكري فشير، يتنبأ فيه ببدء التحول الديموقراطي في مصر وخروج العسكر من الحكم في المستقبل المنظور، خاصة وقد تحققت الكثير من نبوءاته السابقة.

وبالرغم من اختلاف الحالة المصرية عن التشيلية، إلا أن رحيل الحكم العسكري عن مصر ضرورة تاريخية وفق آراء الكثير من المفكرين، رغم الوضع السياسي البائس الذي تمر به مصر حالياً تحت حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي. لكن السؤال الأكثر إلحاحاً كان سؤال الزمن، متى سيرحل العسكر ويبدأ التحول الديمقراطي؟. هو يتوقف على محددات مختلفة أو لنقل قوى متضادة تُشير مُحصلتها إلى إجابة السؤال.

تأتي أولى هذه القوى من قدرة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، - والذي بلا شك يود أن يظل في الحكم حتى النفس الأخير – على إحكام قبضته على الأجهزة الأمنية وضمان المساندة الدولية، وإن كان قد نجح في الشق الأول بشكل كبير عن طريق الاعتماد على المقربين جدا منه – مثل أبنائه ومدير مكتبه المقرب – أو تغيير المناصب الحساسة دورياً حتى لا يزداد طموح أحدهم في الاستحواذ على السلطة، لكن في ما يتعلق بالشق الثاني، فمن الواضح أنه ليس متملكاً منه بالقدر الكافي، خاصةً وأنه كان عائقاً أمام محاولة تعديل الدستور لتمديد حكمه لفترات غير معدودة، وهو ما سيحاول التعامل معه على طريقة كسب الوقت بتعديل فترة الحكم الثانية لتصبح 6 سنوات يستفيد خلالها من سنتين إضافيتين يناور خلالهما بتعديل أخر، إذا ما فشل في تعديله مرة واحدة بفتح مدد الرئاسة.

يأتي ذلك في ظل الغضب الشعبي المتراكم نتيجة الوضع الاقتصادي والإجراءات القاسية التي نالت من معيشة المواطنين، إثر الفشل الذريع في إدارة موارد الدولة وانعدام الرؤية الاستراتيجية للإصلاح والفساد المتفشي في أجهزة الدولة بالإضافة الى الثمن الباهظ الذي يدفعه النظام من جيب الناس لاسترضاء الحلفاء داخلياً وخارجياً، ورغم نجاح القبضة الأمنية في احتواء هذا الغضب حتى الآن فإن عنصر الزمن يلعب ضد النظام ورئيسه، فمع مرور الوقت تتدهور الأوضاع أكثر وأكثر وتزداد مساحات الغضب بتزايد أعداد المتضررين من الإجراءات الاقتصادية التي تطال الشرائح الاجتماعية واحدة تلو الأخرى.

هذان العاملان يعتبرا المحددان الأكثر جوهرية في القوى الأخرى المؤثرة في الإجابة على سؤال الزمن، وهما المؤسسة العسكرية والقوى الدولية:

أما المؤسسة العسكرية، فإن بقاء السيسي في السلطة يعتبر كنزاً كبيراً ليس فقط للحفاظ على مميزاتها المادية والمعنوية والسلطوية، وإنما لكسب المزيد منها بشكل دوري مع بقائه في السلطة، إلا أن عامل الزمن له بُعد مضاد أخطر وهو تراكم الغضب وزيادة احتمالات الانفجار الشعبي الذي – إن حدث – سيُهدد بضياع كل شيء، وكلما استشعرت المؤسسة اقتراب هذا الخطر كلما زاد التفكير في الانسحاب من المشهد والاحتفاظ بالمكتسبات الممكنة والتي كان منها ما أورده فشير من استقلالية في إدارة شؤون المؤسسة وصوت مسموع في القرارات الاستراتيجية الكبرى للبلاد.

يأتي المجتمع الدولي والعالم الخارجي كثاني تلك القوى، والذي يقع أيضاً بين الرغبة في استمرار المكاسب من النظام العسكري الذي يشتري - مرغماً - الدعم الدولي بصفقات سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة، وبين الفزع من الانفجار الشعبي الذي قد يكون أكبر من أن يتم احتواؤه أو معالجته سريعاً نظراً لظروف مصر الديموغرافية وعدد سكانها الضخم وقربها من أوروبا وإسرائيل.

الإجابة على سؤال الزمن واتجاه خط الديموقراطية في مصر هي محصلة تلك القوى السابقة، التي تدفع في اتجاه التحول الديموقراطي في المستقبل المنظور، رغم ضعف القوى السياسية المعارضة المطالبة بالديموقراطية والتي تم قمعها من نظام السيسي بشكل كبير. لكن ثمة عنصراً إضافيا مؤثراً هو وعي ما بعد الثورة، والذي وسّع من مساحة المشاركة والاهتمام الشعبي بالشأن العام والذي يمكن ان يصبح عاملاً حاسماً في الدفع نحو التخلص من الحكم العسكري، ويساهم في هزيمته أمام تحدي الزمن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها