الأربعاء 2018/06/27

آخر تحديث: 08:24 (بيروت)

الإسلاميون العرب والانتخابات التركية: احتفاء بالنتائج.. لا بالديموقراطية

الأربعاء 2018/06/27
الإسلاميون العرب والانتخابات التركية: احتفاء بالنتائج.. لا بالديموقراطية
اعتبار الديموقراطية كفراً (Getty)
increase حجم الخط decrease
تكاد تتطابق ردود أفعال الإسلاميين العرب حيال نتائج الانتخابات التركية الأخيرة، مع ردود فعلهم إبان محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/يوليو 2016. وإذا استثنينا موقف تنظيم "الدولة الإسلامية" ومؤيديه، المعروف سلفاً، سنكون أمام اتجاهات التزم أحدها الصمت، كما هو متوقع، مثلته المدرسة السلفية التقليدية بفرعيها الجامي والمدخلي، ومركزها الرئيس في منطقة الخليج، واتجاه محتفٍ من دون تحفظ يغلب على مواقف بقية تيارات الاسلام السياسي، باستثناء التيار السلفي الجهادي التقليدي الرافض للديموقراطية والمعادي لها والذي كان وحده خارج السرب، كما هو متوقع أيضاً، يغرد ضد هذه الانتخابات والمحتفين بها.

أبرز التيارات المحتفية بنتائج الانتخابات التركية، كانت جماعة "الاخوان المسلمين". موقف لا يحمل جديداً يمكن التوقف عنده، على اعتبار أن الجماعة ترى في حزب "العدالة والتنمية" التركي، حزباً اخوانياً بشكل أو بآخر. تعليق الشيخ يوسف القرضاوي على الحدث، الذي وصفه بـ"العرس الديموقراطي" الكبير، أدى لردود فعل متناقضة بين الإسلاميين أنفسهم. فمن جهة، رأى فيه المؤيدون تأكيداً جديداً وحاسماً من قبل أهم مرجعيات "الاخوان" العلمية على تبني الديموقراطية كخيار مبدئي لا كمجرد تكتيك من أجل الوصول إلى السلطة، كما يتهمهم خصومهم باستمرار. بينما رأى المعترضون من الاسلاميين الرافضين للديموقراطية في هذا الشكل من الاحتفاء، انزلاقاً اخوانياً أخيراً في المنطقة الحرام.

ولعل هذه النقطة بالتحديد، هي ما جعلت تياراً من المحتفين بنتائج الانتخابات التركية من الاسلاميين العرب أكثر تحفظاً في التعبير عن موقفهم، وهذا ينطبق أكثر على الفريق الإصلاحي الصاعد مؤخراً داخل التيار السلفي الجهادي. السعودي عبدالله المحيسني، الناشط المعروف في هذا التيار، والذي اكتسب شهرة واسعة منذ قدومه إلى سوريا عام 2013، حيث عمل مع العديد من الجماعات الجهادية، وفي محاولة منه على ما يبدو لتجنب أي انتقادات قد تثيرها مباركته لما أسفرت عنه الانتخابات التركية، قام بنشر نص سابق لمواطنه الداعية السلفي ابراهيم السكران، المعتقل حالياً في المملكة العربية السعودية، والذي يحظى باحترام داخل الأوساط السلفية، يحتفي بنتائج الانتخابات التركية السابقة، والتي أسفرت عن وصول رجب طيب أردوغان إلى منصب رئيس الجمهورية.

في المقابل، كان الكويتي علي العرجاني، وهو من صقور الاصلاحيين داخل هذا التيار، أكثر جرأة، كعادته، في التعاطي مع الحدث التركي، إذ عبّر بقوة عن سعادته بما تحقق من نتائج، لكن من دون التطرق أيضاً إلى الموقف من فكرة الانتخابات بحد ذاتها. لكن العرجاني انتقد في أحد النصوص التي نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، قياس بعض السلفيين المحتفين بهذه النتائج موقفهم على احتفاء القرآن بانتصار الروم على الفرس في إحدى معارك الامبرطوريتين مطلع القرن السابع الميلادي، على اعتبار أن الطرف المنتصر هو من أهل الكتاب، مؤكداً على أن الحزب التركي ورئيسه مسلمون، وأنه ويجب التعاطي معهم على هذا الأساس.

وهذا القياس كان قد استخدمه معظم الاسلاميين السلفيين غداة فشل الانقلاب في تركيا قبل عامين، وأعاد استخدامه هذه المرة الداعية السلفي السوري عبدالرزاق المهدي، والذي تتشابه ظروف بروزه خلال السنوات الأخيرة مع ظروف بروز العرجاني والمحيسني المتواجدين في سوريا، إذ تمكن المهدي من الدخول إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عام 2015، وعمل أيضاً في المكاتب الدعوية والقضائية لبعض الفصائل الاسلامية وأهمها "جبهة تحرير الشام" غداة تشكيلها عام 2016.

ومن بين جميع المحتفين بفوز حزب "العدالة والتنمية" من السلفيين الجهاديين، كان الداعية الشهير أبو قتادة الفلسطيني، الوحيد الذي تطرق إلى مسألة الانتخابات وحكم المشاركين فيها، معبراً عن موقف متطور وغير مسبوق من قبل أحد أهم مرجعيات التيار السلفي الجهادي، المعروف بتحريمه القطعي لهذه المسألة، واعتبار الديموقراطية كفراً. وعلى عكس موقفه خلال محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، عندما كان أكثر تحفظاً في التعبير عن سعادته بعدم نجاحها، بارك أبو قتادة التجديد للرئيس التركي وحزبه دون تردد، وهو أمر لم يكن متوقعاً بهذا المستوى، على الرغم من التغيير الواضح الذي بدأ يظهر على نتاج الفلسطيني ومواقفه من التطورات السياسية في المنطقة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي.

أبو قتادة انطلق في موقفه من النقطة التي يجمع عليه الاسلاميون الرافضون للديموقراطية، المؤيدون لنتيجتها في تركيا، فأكد في منشور له في موقع تليغرام أن "فوز أردوغان وحزبه رحمة للخلق، لأنه يعين على نوائب الدهر، ويفتح للناس مسالك الدعوة والخير، وخصومه على الضد من ذلك".

وحول حكم الانتخابات الديموقراطية التي لا تتردد المدرسة السلفية الجهادية في تقرير ردة العاملين بها، وقد كان هو نفسه أحد المنظرين لهذا الحكم، أضاف أبو قتادة في منشوره الأخير:
"دعوتي أن يتقي الناس ربهم في هذا الباب، وأن لا يعلقوا أحكامهم فيه إلا على مثل ما تعلق به الأحكام من غلبة الظن .. وأما موقفي، فقد قلت: الرجل لا يمثلني، والخيار هو في شرع الله تعالى، والتاريخ هو فقه الحياة لمن لم يلتزم فقه النص..".

موقف فيه تعاط براغماتي واضح مع الحدث، لكنه يظهر أيضاً تغيراً لا يمكن التغاضي عنه، وهو ما يرفضه بشدة شريكه الرئيسي في التنظير للتيار السلفي الجهادي خلال العقود الأخيرة، أبو محمد المقدسي، الذي جدد تمسكه بحرمة الديموقراطية وكل أدواتها وأشكال ممارستها وغاياتها، منتقداً بشكل خاص العلماء والمشايخ الذين عبروا عن موقف مختلف، ووصفهم بأنهم "يدعون لاسلام ممسوخ".

المقدسي، وعقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التركية، وما تبع ذلك من اهتمام واسع بها، بما في ذلك على الصعيد الشعبي، خصص منشورات متعددة في موقع تليغرام، رأى فيها أن "العالم اليوم بطواغيته وعلماء السوء والفتنة، يسعون لإيجاد إسلام عصري ممسوخ، تُشاركهم في ذلك جماعات إسلاعلمانية، ومشايخ إسلامقراطيون، يروّجون للديموقراطية والثناء على حكامها وأربابها..".

رد فعل من الواضح فيه استشعار المقدسي لخطر غير مسبوق على موقفه وعلى أدبيات تياره تجاه الديموقراطية، بعد نجاح التجربة التركية مع حزب "العدالة والتنمية" الاسلامي، خاصة أن هذه التجربة تحظى باعجاب كبير من قبل الشعوب العربية والاسلامية، التي تابعت باهتمام كل تفاصيلها وتطوراتها، بما في ذلك غير الاسلاميين، والناس العاديين بطبيعة الحال، الذين وصفهم المقدسي بـ"العوام المضللين".

ومقابل هذا الوضوح في موقف المقدسي وتياره، فإن مواقف المدارس السلفية، وأيضاً الحركية الاسلامية الأخرى، التي باركت نتائج الانتخابات التركية دون التطرق للموقف من الديموقراطية نفسها، كما فعل النائب الكويتي السابق عن التيار الاسلامي حاكم المطيري، يبقى محط تساؤل والتباس، الأمر الذي يجد فيه الخصوم تأكيداً جديداً على براغماتية الاسلاميين في التعاطي مع الديموقراطية وأدواتها، كوسائل تكون مقبولة عندهم فقط عندما تحقق لهم نتائج مرضية. بينما يرى آخرون أن قراءة هذه المواقف يجب أن تكون أكثر موضوعية، على الأقل لجهة اعتبارها تطوراً لا بد أن يستوفي شروطه، وفي مقدمة هذه الشروط، يأتي عامل الوقت، والأهم، توفر ظروف طبيعية لممارسة الديموقراطية الحقيقية في البلدان العربية والاسلامية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها