الأحد 2018/06/24

آخر تحديث: 14:47 (بيروت)

"مجموعة ملفات قيصر"..حقوقيون سوريون يطاردون النظام في ألمانيا

الأحد 2018/06/24
"مجموعة ملفات قيصر"..حقوقيون سوريون يطاردون النظام في ألمانيا
المصور السوري المنشق عن المخابرات العسكرية "قيصر" أمام لجنة الاستماع في الكونغرس الأميركي (ا ف ب - أرشيف)
increase حجم الخط decrease

رحلة البحث عن العدالة لضحايا الحرب السورية، حطت رحالها في ألمانيا، حيث أصدر المدعي العام الألماني، مطلع يونيو/حزيران، مذكرة توقيف بحق اللواء جميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية في سوريا، والمتهم بجرائم التعذيب والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وتم تعميم مذكرة الاعتقال على الانتربول لتنفيذها.

محامي الإدعاء المتواجد في برلين إبراهيم القاسم، قال لـ"المدن"، إن يد العدالة لن تتوقف عند جميل حسن، إنما هناك أسماء إضافية ستطالها الملاحقة في ألمانيا، وكشف عن أربع دعاوى مرفوعة بحق 24 مسؤولاً من أركان النظام. ويضم الإدعاء 24 شخصية من أركان النظام السوري، ومنهم اللواء علي مملوك رئيس فرع الأمن الوطني واللواء جميل حسن رئيس إدرة المخابرات الجوية، واللواء محمد محلا رئيس شعبة الأمن العسكري، واللواء شفيق مصة، وغيرهم.

ويؤكد القاسم، أن المذكرة الصادرة بحق الحسن تتمتع بقوة تنفيذية، ولا تقتصر أهميتها على الإدانة المعنوية لجرائم النظام الذي يُطبق على مؤسسات الدولة، حيث يتوجب على أي دولة تتمتع بعضوية الأنتربول توقيف المدعى عليهم حال تواجدهم على أراضيها.

4 دعاوى تلاحق النظام في ألمانيا
بعيداً عن دمشق، عثر المدافعون عن ضحايا الحرب على ضالتهم في برلين. فأقاموا 4 دعاوى لإدانة جريمة التعذيب المنتشرة في سوريا ضد المعتقلين والمعتقلات، بهدف إدانة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري "شعبة المخابرات العسكرية – إدارة المخابرات العامة – الأمن القومي – إدارة المخابرات الجوية- الشرطة العسكرية".

ويوضح القاسم سبب عدم ضمها في دعوى واحدة، وذلك لإختلاف المدعين والمدعى عليهم، حيث يتم التركيز مبدئياً على كل فرع أمني على أن تكون المحصلة في النهاية استهداف جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، بالاعتماد على الأدلة التي تقدم بها المحامون.

وبسبب أهمية هذا النوع من الدعاوى وخطورة المجرمين بحد ذاتهم، اتسمت إجراءات هذه الدعاوى بإتباع سرية الإجراءات في بعض التفاصيل، لجهة عدم ذكر كل أسماء المدعين حرصاً على حياتهم من أي انتقام من جهة المدعى عليهم، أو حتى ذكر كل أسماء المدعى عليهم في هذه الدعاوى، حتى لا يقوموا بالإفلات من العقاب أو البحث عن ملاذ آمن من العقاب.

الإختصاص العالمي للمحاكم الوطنية
يطرح الإدعاء على مسؤولين سوريين خارج بلادهم إشكالية حول صلاحية القضاء الألماني للنظر في جرائم ارتكبت على أراضي دولة أجنبية. ويرد القاسم على هذا التساؤل إنطلاقاً من مبدأ "الإختصاص العالمي" للمحاكم الوطنية. فهذا المبدأ يقوم على وجود التزام دولي للدول بموجب اتفاقيات جنيف الأربعة واتفاقيات مناهضة التعذيب والإبادة الجماعية وغيرها من الاتفاقيات الدولية، بمحاكمة مجرمي الحرب من مواطنيها، وفي حال امتناعها يحق لأي من الدول الأعضاء والدول المعنية أو للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة هؤلاء المجرمين على أراضيها بموجب القوانين المحلية لديها، حتى لو كانوا من رعايا دول اخرى ولا يحملون جنسية البلد الذي ينوي محاكمته.

ومن أجل تسويغ الإدعاء أمام القضاء الألماني، ينطلق القاسم من عدم إمكانية اللجوء للقضاء السوري لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم التي ترتقي لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لاسيما المسؤولين الحكوميين، أمام القضاء السوري الوطني، لأن "النظام السوري الحالي لن يحاكم نفسه، كما أنه حصن نفسه بقلاع من الأجهزة الأمنية والقوانين والتشريعات التي تضمن إفلاته من العقاب"، بالإضافة إلى أن التشريعات الجنائية الوطنية لم تعترف بهذه الانتهاكات، لذلك يستحيل تطبيق مبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".

وفي ما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، يقول القاسم "لا يمكننا اللجوء إليها لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم في الحالة السورية، لأن سورية ليست عضواً في نظام روما الأساسي المُنشئ لهذه المحكمة، كما أن إحالة الملف السوري إلى الجنائية الدولية عبر مجلس الأمن الدولي، كما في الحالة الليبية، غير ممكن، على الأقل حالياً، بسبب الفيتو الروسي بأقل تقدير (..) الموقف الصيني يتماهى مع الموقف الروسي أيضاً، اللذين لن يقبلا حتى بتشكيل محكمة دولية خاصة بسورية كما في حالة يوغسلافيا".

لذلك، كان الخيار الوحيد والأمثل لضحايا الحرب السورية هو اللجوء إلى الاختصاص القضائي العالمي للمحاكم الوطنية في أوروبا، ويلفت القاسم أنه بموجب هذا المبدأ بدأ محامون سوريون بإقامة الدعاوى في ألمانيا والنمسا بشكل مباشر أو بدعم الملفات القائمة.

ملفات قيصر
هذه المذكرة لم تأت من فراغ، وإنما جاءت نتيجة جهود بذلتها مجموعة من المحامين السوريين الذين أطلقوا على انفسهم تسمية "مجموعة ملفات قيصر". ويروي القاسم ظروف تأسيس هذه المجموعة التي عملت في الخفاء لسنوات لجمع الأدلة التي تدين جرائم النظام السوري بواسطة عدد من الناشطين والناشطات السوريين/ات داخل سوريا وخارجها.

يشيد القاسم بـجهود المصور العسكري المعروف باسم "قيصر"، الذي قام بتسريب صور لآلاف المعتقلين والمعتقلات من البالغين والأطفال الذين ماتوا تحت التعذيب في الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري. ويتحدث القاسم عن أدلة ووثائق وملفات أخرى تم جمعها من قبل أعضاء المجموعة التي تفضل ترك هوية أعضائها سرية لدواعٍ أمنية.

كما يلفت القاسم، وهو أحد أعضاء مجموعة "ملف قيصر"، إلى أن مذكرة توقيف جميل حسن كانت ثمرة تعاون بين المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان وعدد من المنظمات السورية المعنية بحقوق الإنسان والمحاسبة، وكان دور منظمة "مجموعة ملف قيصر" أساسياً سواء لجهة تقديم الأدلة القطعية على قيام أركان النظام بارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية، أو لجهة لعب دور الوسيط بين المركز الأوربي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان والمنظمات السورية في بداية التعاون بينهم. وكذلك بدعم الدعوى التي أقيمت في إسبانيا من قبل سيدة مزدوجة الجنسية السورية والإسبانية، بالوثائق التي تدعم هذه القضية.

وفي المحصلة، يعتقد القاسم أن هذا النوع من التقاضي الاستراتيجي لا تقتصر أهميته على الناحية المعنوية للضحايا وذويهم، بل إنه يحقق العدالة بذاتها من خلال محاسبة المجرمين، لافتاً إلى أن ذلك الطريق الأساسي في الوصول إلى السلام المستدام في سورية.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها