الأربعاء 2018/05/09

آخر تحديث: 14:23 (بيروت)

عفرين: المُهجّرون في منازل النازحين

الأربعاء 2018/05/09
عفرين: المُهجّرون في منازل النازحين
(المدن)
increase حجم الخط decrease
سلّمت فصائل من المعارضة السورية المسلحة، عشرات المنازل الفارغة في مدينة عفرين وقراها، إلى مجموعات من مُهجّري القلمون والغوطة الشرقية. وفي حين فضّل بعض المُهجّرين استئجار بيوت في عفرين، استقر البعض في منازل لنازحين عن عفرين ولعناصر "وحدات حماية الشعب" الكردية وقوات "الأساييش" الأمنية.

وتسلّمُ المنازل الفارغة إلى المُهجّرين عن طريق "لجنة مُهجّري الغوطة الشرقية"، وبموجب إيصالات تدوّن فيها أوصاف المنازل ومحتوياته، ومعلومات تفصيلية عن قاطنيه. ويتعهد القاطن الجديد بإخلاء المنزل، وتسليمه مع كامل محتوياته، في حال عودة مالكيه الأصليين. ويُمهرُ الإيصال ببصمة المستفيد، ويوثّق بختم رسمي من الفصيل العسكري الذي ساهم بتأمين المنزل.

مصدر عسكري، قال لـ"المدن"، إن إيواء العوائل المُهجّرة، جاء بعد إحصاء المنازل وترميزها، ومعرفة المقيمين فيها إن كانوا أصحابها أم مؤتمنين عليها من قبل مالكيها الأصليين. ويخشى أعضاء "وحدات الحماية" و"حزب الاتحاد الديموقراطي" من العودة إلى المنطقة بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا على عفرين. وأضاف المصدر أن المنازل التي دونت على أنها فارغة، بمساعدة سكان المنطقة، تتم زيارتها على مدار أيام، قبل أن تُسلّم للعوائل المُهجّرة، إذ توثق محتوياتها بالكامل، وتتعهد العائلة خطياً بعدم التصرف بمحتويات المنزل أو نقلها.

وأوضح المصدر أن القوى العسكرية في المنطقة، تتكفل بإعادة المنازل لأصحابها الأصليين متى عادوا، وذلك بعد التأكد من أسباب غيابهم عن المنطقة، والتأكد من صحة أوراق الملكية. وأشار المصدر إلى أن تسليم المنازل للعوائل المهجرة يتم بمعرفة الجانب التركي، وعن طريق التنسيق مع "لجنة مهجري الغوطة الشرقية". كما أشار إلى أن عشرات العوائل المُهجّرة استقرت في منازل في عفرين، بشكل فردي، من دون تنسيق مع الفصائل أو "لجنة المهجرين".

وعلمت "المدن" أن "لجنة مُهجّري الغوطة الشرقية" بدأت تسليم المنازل للمُهجرين، في عفرين وقراها، انطلاقاً من قرية راجو، التي أقيمت فيها مقرات عسكرية لـ"فيلق الرحمن".
ونزح السكان عن قرى عفرين أثناء العمليات العسكرية، بعدما استخدمت "وحدات الحماية" تقنيات حرب الشوارع، ولغّمت الممتلكات الخاصة والعامة قبيل انسحابها. وعمل الجيش الحر بعد تقدمه في المنطقة على تفتيش المنازل والتأكد من عدم وجود خلايا أو كمائن داخلها، كما عملت فرق مختصة تابعة للجيش التركي على تفكيك الألغام المزروعة في المنازل والمركبات والشوارع الرئيسية والفرعية.

عمليات المداهمة وتفتيش القرى، خلفت أبواباً غير موصدة لمعظم المنازل التي تم تأمينها. كما أن كثرة الألغام المعقدة وصعوبة تفكيكها، تسببت بمنع عودة المدنيين إلى قراهم. تخوف الأكراد من الملاحقات الأمنية نتيجة تطوع معظمهم ذكوراً وإناثاً في "وحدات الحماية" ضمن سياسة "الاتحاد الديموقراطي" في التجنيد الإجباري، ساهم بعدم العودة لتفادي الاعتقال. وباتت معظم قرى عفرين أشبه بمناطق عسكرية تضم مقاراً للفصائل، خشية أن تبقى مهجورة فتتمركز فيها خلايا نائمة.

المقرات العسكرية التي تمركزت في القرى تحولت إلى نقاط أشبه بالثابتة، ما تطلّب نصب حواجز على المداخل والشوارع الرئيسية، وتنظيم نوبات حراسة دائمة. ونتيجة المسافات الشاسعة بين مناطق سكن المقاتلين ونقاط رباطهم، ولكون بعض الفصائل التي شاركت في "غصن الزيتون" من مُهجّري حمص وحلب، بدأ بعض عناصر الحر بنقل عوائلهم إلى القرى الكردية، ليتبعهم أقرباؤهم ومعارفهم. ومع عودة بعض المدنيين الأكراد، بدأت الحياة تعود تدريجياً إلى تلك القرى. عشرات المنازل الفارغة، غير موصدة الأبواب، تعرضت للنهب أو تدمير وإفراغ محتواها، قبل أن تتخذ سكناً للمهجرين.

في مدينة عفرين، وقبيل "غصن الزيتون"، عززت "الوحدات" حواجزها على كافة المداخل والمخارج، ومنعت خروج المدنيين منها بشكل تام، وسمحت لنازحي ريف عفرين بدخولها، ما جعل المدينة مكتظة. وتقدر أعداد النازحين الذين رافقوا القوات الكردية المنسحبة بما يقارب 300 ألف مدني، ولجأ معظمهم إلى تل رفعت. وبعد دخول الجيش الحر إلى عفرين، قُسّمت عفرين الى قطاعات أمنية، توزعت عليها الفصائل. خلال عمليات التمشيط وضبط مستودعات الأسلحة انهارت بعض المباني بسبب انفجار الألغام داخلها، ما تسبب بموجة نزوح ثانية عن المدينة نحو تل رفعت ومحيطها.

ونتيجة استمرار ضبط خلايا "الوحدات" النائمة بين المدنيين في مدينة عفرين، منعت الحواجز التركية المنتشرة على كافة مداخل المنطقة، دخول الأكراد المدينة تخوفاً من وقوع عمليات انتقامية، وسمحت بدخول المدنيين العرب والمهجرين أو العسكريين بموجب مهام رسمية حصراً. وشهدت مدينة عفرين أوضاعاً مماثلة لما شهدته القرى المحيطة بها، من انتقال عوائل المقاتلين ومعارفهم، وتزامن ذلك مع موجات التهجير القسري لمقاتلي وأهالي الغوطة الشرقية والقلمون، وتدفقهم بشكل مستمر نحو عفرين وقراها، نتيجة انعدام الاستقرار في محافظة إدلب، وارتفاع أسعار إيجارات المنازل في أعزاز وجرابلس.

أبو غسان، المُهجّر من الغوطة، قال لـ"المدن": "خرجت مع عائلتي من القطاع الأوسط. المخيمات في إدلب مكتظة ويصعب العيش بها. سبق أن خسرت عدداً من أقربائي خلال حملات القصف العشوائي سابقاً، ولا أريد أن اخسر عائلتي نتيجة القصف العشوائي على ريف حماة وإدلب، لذا انتقلت إلى عفرين". وتابع: "بحثت عن منزل كي أستأجره فلم أجد، مكثت ساعات طويلة مع أطفالي بالقرب من دوار النيروز أسأل المارة عن مكان أستطيع أن أقيم به، ومع حلول المساء، أرشدني أحدهم إلى منزل فارغ بالقرب من بيته، وأبلغني أنني أستطيع الإقامة به الى حين عودة مالكه بعد أيام أو ربما أسابيع. وبدا المنزل مقلوباً راساً على عقب كأنما تعرض لمداهمة أو تفتيش. وبعد أيام أنهيت مع عائلتي ترتيب المنزل". صاحب المنزل الأصلي عاد بعد أيام، ما اضطر أبو غسان لمغادرة المنزل، يقول: "لحسن الحظ أبلغني أنه سيرشدني إلى منزل أخر يمكنني المكوث به الى حين عودة أقربائه، كان المنزل الثاني موصداً وتحدث بعض سكان الحي على أنه يحتوي ألغاماً. ترددت طويلاً، لكنه كان الخيار الوحيد. دخلت إليه بمعرفة سكان الحي، وبعد أن أقمت فيه لأيام عاد صاحبه، ورجعت إلى دوار النيروز، أبحث عن منزل آخر". أبو غسان التقى بعدها عنصراً من "أحرار الشرقية" أخبره بإنه "يتوجب علي دفع مبلغ 100 دولار كتأمين على أثاث منزل جديد تعود ملكيته لعنصر من العمال الكردستاني". أبو غسان انتقل مع عائلته إلى المنزل الجديد بعد دفع 100 دولار، ليتفاجئ بعودة صاحب المنزل وهو مدني. يتابع بالقول: "بحثت في الحي عن العنصر الذي أودعت لديه مبلغ التأمين فلم أجده".

عدم وجود مخيمات في مدينة عفرين دفع المهجرين إلى البحث عن منازل لاستئجارها، لكن الأمر معقد، فأصحاب البيوت غير موجودين. لذا انتشرت عائلات الغوطة المهجرة على قارعة الطرق، ما دفع بالفصائل لإيوائهم داخل منازل أعضاء "العمال الكردستاني". وسرعان ما تطورت الأمور، وبدأت عملية إحصاء للمنازل الفارغة، عن طريق فصائل الحر، بحسب قطاعاتهم، لإيواء المُهجّرين فيها.

انتشار المنازل الفارغة غير موصدة الأبواب، جعلتها عرضة للسرقة، ودفع بعض العائلات إلى دخولها بشكل فردي. بعض المُهجّرين تنقلوا بين المنازل الفارغة بحثاً عن منازل ذات الموقع والأثاث الأفضل. وسُجّلت حالات لنقل الأثاث. في الوقت ذاته، سكنت بعض العوائل في منازل تعرضت للتدمير الجزئي، وقامت بترميمها على نفقتها الخاصة.

نسب مرتفعة من الأكراد الذين نزحوا إلى تل رفعت، لا يفضلون العودة إلى منازلهم في عفرين، نظراً لما يتابعونه من أخبار يروجها ويبثها إعلام "الوحدات"، عن عمليات قتل وانفجارات وإنعدام الاستقرار في المنطقة. كما أن أنصار "الوحدات" يؤمنون بأنهم سيستعيدون عفرين بالعمل المُسلح، أو أن المنطقة ستشهد تفاهمات بين تركيا والنظام، وأن الاكراد حينها سيعودون بعد خروج الجيش الحر وتركيا من المنطقة.

عوامل متعددة أدت إلى استقرار العائلات المهجرة في منازل المدنيين منها؛ تخوف الأكراد من وجود ألغام في منازلهم، وخشيتهم من أن تتحول المنازل الفارغة إلى مقار عسكرية. في بعض الأحيان، تحول الأمر إلى البحث عن عائلات مهجرة لتسكينهم كي لا تبقى فارغة، وبالتالي عرضة للسرقة. الأمر برمته شكل معضلة لدى المهجرين، فكلما استقروا في منزل يعود إليه مالكه. بعض المُهجّرين ممن استقروا في بيوت في عفرين، وغادروها لساعات للتسوق، تفاجؤوا بعائلات أخرى مُهجّرة تشغل منزلهم.

التعايش بين الأكراد والعرب في الأحياء ذاتها، تبدو وكأنها مسألة معقدة، وغير مألوفة سابقاً لدى الاكراد. رفيق أبو محمد، أحد المدنيين العرب المقيمين في عفرين منذ سنوات، قال لـ"المدن": "العرب في عفرين كانوا يعاملون في ظل حكم الوحدات كمواطنين من الدرجة الثانية، وتعرضوا لضغوط كثيرة، منها منع تملكهم للمنازل أو الأراضي مع إلزامهم استصدار بطاقة إقامة تجدد بصعوبة كل ستة أشهر، علاوة عن محاولة تجنديهم بشكل إجباري. الأمر الذي كان يفضي إلى مشاحنات وأزمات دائمة في أزقة العميرات والبوبنا التي يقطنها العرب في عفرين".

وأضاف أن المكون الكردي في مدينة عفرين يعتبر تهجير سكان الغوطة الشرقية إلى المنطقة يندرج تحت بند التغيير الديموغرافي، ويهدف إلى توطين العرب بشكل قسري، ويفضي إلى جعل سلطتهم في عفرين فوق سلطة الأكراد. وأشار إلى أن سكان المنطقة يعتبرون الأمر إنتهاكاً لأملاكهم الخاصة، لكنهم وبعد تعقد الأوضاع فضلوا أن تقيم عوائل مدنية بالقرب منهم لكن بتنسيق مسبق معهم، بدلاً من أن تتحول المنازل الى مقار عسكرية. وأضاف أبو محمد أن الروابط بدأت تعود تدريجاً بين الأكراد والعرب المقيمين سابقاً في عفرين، نظراً لحاجة الاكراد إلى من يستطيع التفاهم مع المهجرين الذين لا يعرفون اللغة الكردية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها