الأربعاء 2018/05/09

آخر تحديث: 12:02 (بيروت)

تركيا والعرب: العودة إلى كليلة ودمنة

الأربعاء 2018/05/09
تركيا والعرب: العودة إلى كليلة ودمنة
يبدي الأتراك إهتماماً أساسياً بالعرب (Getty)
increase حجم الخط decrease
يبرز في تركيا جوّ واضح يخالف التوجهات والسياسات الغربية في المنطقة. النقمة على السياسة الأميركية تزداد في الشارع التركي وفي الخطاب السياسي لدى المسؤولين الأتراك. وهذا ما يجعلهم يعتبرون أن تركيا في عين العاصفة، ومهددة على الدوام، لذلك يردد الكثير منهم شعار "تركيا أولاً". لكن، لا تُسقِطُ تركيا الحسابات الإقليمية من إهتماماتها، ولذلك لا بد لها من إيجاد سبل دائمة لمواجهة كل محاولات تهميش دورها في المنطقة، ولا سيما في سوريا. لا يغفر الأتراك للسياسة الأميركية رفضها التقارب معهم والتنسيق في الملف السوري، ما دفع أنقرة إلى التقارب مع موسكو، وتعزيز دورها العسكري في سوريا، من "درع الفرات" إلى "غصن الزيتون".

يبدي الأتراك إهتماماً أساسياً بالعرب، ولذلك تتوالى الإجتماعات والمؤتمرات الخاصة بالمثقفين او الصحافيين العرب، في محاولة تركيا لتعزيز هذا التقارب. ويعتبر المُنسق العام لـ"وقف الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية/سيتا" فخر الدين التون، أنه حين بدأ الربيع العربي "كنا نتمنى ان تصل الدول العربية الى الديموقراطية، ولم نكن نتمنى ان يحدث ما حصل من دمار، كاشفاً أن الكثير من المؤتمرات ستعقد للتقريب بين الشعبين العربي والتركي.

يعتبر ألتون أن العالم يشهد مرحلة اصعب مما شهده في الماضي، وهو يعاني من حالات ضبابية في ظل الصراع على الهيمنة على المستوى الدولي. منذ التسعينيات الى اليوم تكرّست سيطرة النظام العالمي الذي فرضه الاميركيون وبدأت معها عملية التغريب والحداثة الغربية، و"نحن اليوم نواجه هذه الحملات بشكل مختلف على الرغم من اننا نعاني من الفوضى، مع استمرار السعي ومكافحة الشعوب لبناء نظام آخر. وعلى اهالي منطقة الشرق الاوسط، عدم التأثر السلبي جراء هذه الازمة، ونحن نريد التحول من مفعول به الى فاعل. وشعوب المنطقة تحتاج الى التعاون مع بعضها البعض بشكل مباشر وليس عن طريق الغرب. بهدف الخروج بسلام من حالة الفوضى التي يعانيها العالم. وتركيا عملت وما زالت تعمل من اجل مواجهة الفوضى، وضد العجرفة الغربية.

"تركيا تتعرض للإرهاب منذ سنوات"، عبارة يجمع عليها مختلف المسؤولين الأتراك، الذين يشيرون إلى حجم تأثر الوضع التركي بمجريات الاحداث في سوريا، وهذا الإرهاب إنتقل من الجبال الى المدن الكبرى. كل ذلك بسبب التطورات الاقليمية، لأن بعض القوى في المنطقة هي التي تقف خلف دعم هذه التنظيمات الارهابية، التي تمارس حرب استنزاف ضد تركيا التي تسعى لإرساء الأمن، على حدودها.

أمام كل التهديدات التي تتعرض لها تركيا، يرى ألتون أنه لا بد من الذهاب إلى تغيير النظام السياسي فيها، ليصبح رئاسياً بحيث يصبح هناك إمكانية لاصدار قرارات سريعة وفعالة تخول تركيا الدفاع عن نفسها والدخول في مفاوضات مع الدول بشكل مباشر. ولذلك ستحصل الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة، التي ستكون محاولة لتكريس النظام السياسي الجديد، والذي يعني عدم إستمرار تركيا كظل لواشنطن في الشرق الأوسط، لا بل ستعمل لتكون لها سياستها الخارجية. وهذا أحد أهم الأسباب التي تجعل تركيا تتعرض للكثير من المؤامرات، وابرز دليل كان محاولة الانقلاب الفاشل في 2016، التي كانت مدعومة من الخارج وكذلك عمليات "بي كا كا".

هذه العمليات يعتبرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنها منظّمة لسرقة مقدرات دول المنطقة، وخصوصاً في سوريا، حيث بنت واشنطن فيها حوالى 20 قاعدة عسكرية، تهدف إلى السيطرة على مواردها الطبيعية من جهة، ولتمثل تهديداً إستراتيجياً على الأمن القومي التركي. ولذلك يعتبر أردوغان أن خيارات تركيا في المنطقة لم تنفذ، وهي ستبقى مصرّة على حماية نفسها، من أي رياح قد تهبّ عليها من الخارج. هنا يعتبر ألتون أن النظام السياسي الجديد الذي ستنتقل إليه تركيا سيظهر آلية سلسة لاصدار قرارات هامة وسريعة، وهذا ما يغضب الغرب، بالإضافة إلى السعي من خلال النظام إلى الحفاظ على قوة الاقتصاد التركي الذي لا يزال يحافظ على قدرته رغم كل الفوضى والمشاكل.

تركيا الآن تخوض مواجهة مباشرة مع الارهاب داخل اوكاره، وهنا يقصد المسؤولون الأتراك العمليات العسكرية في شمال سوريا، كـ"درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وكذلك تجربة جرابلس مهمة جداً لناحية توطين اللاجئين في مواطنهم، والهدف هو تطهير المناطق في شمال سوريا من الارهابيين لإعادة اللاجئين الى هناك. ثمّة من يعتبر أن هذا الكلام قد يكون مقدّمة لدخول الأتراك في معركة منبج، او حتى لفتح باب التفكير أمام التدخّل في شرق الفرات.

تعمل تركيا على إيجاد موقف عربي وإسلامي يشاركها رؤيتها، والسبيل إلى ذلك قد يكون موقفها التصعيدي ضد الإسرائيليين وضد الأميركيين على خلفية قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، هذه أزمة ستواجهها تركيا وتعمل على جمع الموقف الاسلامي المعارض لذلك. وهذا سيكون مدخلاً بحسب المسؤولين الأتراك إلى إظهار موقف بلادهم الجيد تجاه العرب، وهم يستخدمون قصة الحمامات في كليلة ودمنة، التي علقت في شبك أحد الفخاخ، فلم يكن أمامها سوى خيار التحليق معاً للتخلّص من هذا الفخ. ولذلك يعتبرون أن التعاون العربي التركي واجب لمواجهة الأخطار المحدقة بالشعبين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها