الأحد 2018/05/06

آخر تحديث: 13:26 (بيروت)

ماذا وراء تسمية عبّاس رئيساً لفلسطين.. لا السلطة؟

الأحد 2018/05/06
ماذا وراء تسمية عبّاس رئيساً لفلسطين.. لا السلطة؟
AFP ©
increase حجم الخط decrease

كشف مصدر قيادي شارك في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني، التي عقدت في رام الله الأسبوع الماضي، عن تجديد مبايعة محمود عباس، للمرة الأولى من قبل المجلس رئيساً لدولة فلسطين، وليس للسلطة، وذلك بعد أن مهدت لذلك قيادات "فتح" المقربة من عباس.

ويرى متابعون أن تعديل التسمية أبعد من كونه أمراً مرتبطاً بجهود القيادة الفلسطينية ترسيخ المكانة السياسية والقانونية للسلطة كدولة، بعد أن حصلت على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، بل هو مرتبط أيضاً بترتيبات خاصة بمرحلة ما بعد عباس.

ولم يستبعد المصدر الذي تحدث لـ"المدن"، أن يكون التعبير الجديد محاولة من القيادة السياسية لـ"منظمة التحرير" والسلطة؛ بغية البحث عن مخرج قانوني للتهيئة على مراحل لاستحداث منصب "نائب للرئيس"، بعد بحثه للمسألة في الأروقة الضيقة على هامش "الوطني" ولكن من دون الخروج بقرار محدد؛ ذلك انه وفقاً للقانون الفلسطيني الأساس فإن رئيس المجلس التشريعي هو الذي ينوب عن رئيس السلطة في حال غيابه أو تغيبه عن منصبه لأي سبب كان.

ومعنى ذلك أن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني (المعطل بسبب الانقسام) عزيز دويك، من حركة "حماس"، هو المخول- قانوناً- رئاسة السلطة في حال تغيب محمود عباس لأي سبب كان؛ الأمر الذي لن تقبله قيادة السلطة وحركة "فتح" بكل تأكيد.

ولهذا، تواظب "فتح" والسلطة في الأروقة الضيقية على مدار سنين على بحث مسألتين؛ الأولى تتمثل في ابتداع ثغرات قانونية لإستحداث منصب نائب الرئيس، متجاوزة عقبة القانون الأساس؛ فالموضوع يحتاج من الناحية الإجرائية "المنطقية" إلى تعديل المادة القانونية الخاصة بذلك.

وهذا يتطلب أن يكون من بوابة التشريعي (البرلمان)، وفي هذه الحالة ثمة تعقيدات تتمثل بتعطل المجلس التشريعي الناتج عن الإنقسام، وأخرى في رفض نواب "حماس" أصلاً أي محاولات لتمرير مثل هذا التعديل على المادة القانونية ذات الصلة، لأن هذا يعني قطع الطريق عليها في الوصول لرئاسة السلطة.

وأما المسألة والعقبة الثانية، فتكمن في تحديد الرجل الثاني من "فتح" بعد رئيسها محمود عباس، ليكون بديله في تسلم زمام السلطة، في حال غادر منصبه بشكل طارئ.

والمعضلة هنا تتجسد في عدم اتفاق حركة "فتح" واجماعها على تسمية شخص منها ليكون في موقع نائب رئيس السلطة، على فرض أنه استُحدث المنصب أساساً بأي طريقة ومسوّغ في أي وقت.

وتقر قيادات من حركة "فتح"، أن تحديد الشخص الفتحاوي النائب والبديل لعباس فيه كثير من الحساسية في هذا الوقت، كونه سيُحدث صراعات في صفوف الحركة، نظراً لوجود أقطاب في لجنتها المركزية، يرى كل منهم أنه الأجدر بهذا الموقع.

وتصر قيادات "فتح" على عدم اعتبار نائب رئيس الحركة محمود العالول، الرجل الثاني بعد عباس، لأنه وفقاً لقولها، فإن نائب رئيس "فتح" لا يعني بالضرورة نائبه في السلطة أو بديله ووريثه القادم.

بيد أن عباس أراد من خطوته بتعيين محمود العالول نائباً له في "فتح" في أعقاب المؤتمر السابع للحركة، الذي عقد في رام الله أواخر عام 2016، أن يحقق هدفين؛ أولهما إسكات أصوات داخلية وخارجية تلح عليه للتهيئة لبديله وخليفته. أما الهدف الثاني، فيضع العالول ولربما آخرين في المركزية لإختبار امكاناتهم القيادية وولاءاتهم تباعاً.

لكن أوساطاً دبلوماسية، تؤكد أن البديل يجب أن يتمتع بشرطين أساسيين؛ الأول علاقات ومكانة دولية. والثاني أن يكون خاضعاً للإتفاق والإجماع الفتحاوي، وليس لديه مشاكل وخلافات شخصية وسياسية في السياق الداخلي سواء في "فتح" أو السلطة وحتى مع المعارضة.

وبالعودة إلى السؤال المركزي، وهو أي معنى وعلاقة لما سبق بتسمية عباس رئيساً لدولة فلسطين للمرة الأولى، وما هي الدلالات القانونية لذلك وخاصة ما يتعلق بخليفته؟

الحقيقة، بعد إدراك المستوى السياسي عدم امكانية إجراء تعديلات دستورية أو حتى اصدار قانون يستحدث منصب "نائب الرئيس" عبر "قرار بقانون" صادر عن رئيس السلطة في ظل تعطل المجلس التشريعي، فإن مراقبين يرون أن الإعداد القانوني لإستحداث المنصب قد بدأ فعلياً، من بوابة المجلس الوطني (الأب الشرعي للسلطة المنبثقة عن منظمة التحرير) وباعتباره جسماً أعلى من السلطة وقوانينها. وبالتالي حدَّد أن السلطة تحولت ولو نظرياً الى دولة، محاولاً بذلك أن يقول "إنّ القانون الاساس المتعلق بخلافة رئيس التشريعي لرئيس السلطة لم يعد قائماً ولا مناسباً؛ ذلك أن الأمر يدور الآن عن دولة".

لكن، وبجميع الأحوال، لم يطرح المجلس قضية "نائب الرئيس" للنقاش ولم يتخذ قراراً واضحا بخصوصها، وذلك خشيةَ تأزيم الوضع الداخلي وتفجيره أكثر؛ فـ"حماس" وأطراف أخرى معها المجتمع المدني ستغضب، وتعتبره تجاوزاً للقانون الأساس، ما يعني أن قيادة المنظمة والسلطة تتبع التهيئة للأمر على جُرعات ونار هادئة، بحسب تعبير المراقبين.

وستُستكمل الجهود لاحقاً من بوابة المجلس المركزي لـ"منظمة التحرير"، الذي أخذ صلاحيات "الوطني" بناء على قرار الأخير، في حال انعقد بين دورتين، أو في حال تعذّر انعقاد الوطني، ما يعني أن هندسة قرارات قادمة على هذا الصعيد تحت غطاء "مركزي المنظمة" ستبدو مريحة وسهلة أكثر، خصوصاً وأن نحو 90 في المئة من أعضاء "المركزي الجديد" موالون لـ"فتح"- تيار عباس"، ما سيضمن قطع الطريق على "حماس"، أو أي جهات أخرى معارضة.

وبينما تواصل الصحف الإسرائيلية الحديث كثيراً، وخاصة في السنتين الأخيرتين، عن قضية خليفة رئيس السلطة الفلسطينية ومرحلة ما بعد محمود عباس، تعتقد المؤسسة الأمنية في إسرائيل أن تلك المرحلة ستكون مبنية على مجلس قيادي فلسطيني مشترك.

مصدر أمني فلسطيني قال، لـ"المدن"، إن الاطراف الاقليمية والدولية تعول على أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ستتدخل في الوقت المناسب لمنع ووأد أي صراعات قد تنشأ بين قيادات وأقطاب "فتح" على خلافة عباس، في حال ترك فراغاً في منصب رئاسة السلطة لأي سبب كان.

وتقول مصادر "المدن"، إن فشل أميركا واسرائيل، ومعهما جهات اقليمية، في البحث عن بديل لعباس حتى اللحظة رغم توتر علاقاته معهما، ليس فقط ما يعتبره مقربون منه انه "قوة الموقف السياسي"، بل انطلاقاً من أن مرحلة ما بعد عباس مقلقة جداً. فواشنطن وتل أبيب تدركان أن عباس هو الزعيم الفلسطيني الأكثر اعتدالاً وجرأة في رفض "المقاومة المسلحة"، كما أنه الاقدر على ضبط الامور والحفاظ على الوضع القائم ومنع صراعات "فتح".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها