السبت 2018/05/26

آخر تحديث: 10:33 (بيروت)

هل توفر"درع الفرات" بديلاً لمدينة حلب الصناعية؟

السبت 2018/05/26
هل توفر"درع الفرات" بديلاً لمدينة حلب الصناعية؟
(المدن)
increase حجم الخط decrease
باتت منطقة "درع الفرات" في ريف حلب جاذبة للصناعيين والتجار السوريين المقيمين في تركيا بعدما أصبحت آمنة نسبياً مقارنة بباقي المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة في الشمال السوري. وتتوفر في المنطقة مجموعة من المقومات التي تكفل قيام مشاريع تجارية أو منشآت صناعة ناجحة، ورابحة، بعضها يتعلق بوفرة اليد العاملة الرخيصة في المنطقة، والماهرة في الوقت ذاته، بالإضافة لوجود سوق تصريف محلية كبيرة، وإمكانية لإيصال السلع المصنعة أو المستوردة إلى مختلف المناطق السورية، مروراً بالمعابر التي تفصل مناطق المعارضة عن مناطق النظام أو "وحدات حماية الشعب" الكردية.

عوامل الجذب في المنطقة لم تغرِ فقط التجار والصناعيين السوريين، بل جذبت المستثمرين الاتراك، من صناعيين وتجار، خاصة من غرفتي التجارة والصناعة في ولايتي كيليس وغازي عينتاب جنوبي تركيا، واللتين تتصلان جغرافياً مع المنطقة بشريط حدودي طويل تتواجد فيه ثلاثة معابر تجارية.

ودخل عدد من المستثمرين السوريين والأتراك إلى المنطقة خلال الأشهر الماضية، وعملوا في قطاعات متعددة أبرزها الانشاءات، وصناعة وتوريد مستلزمات الانشاءات. وتسلمت شركات محلية سورية يملكها مستثمرون سوريون، مشاريع ترميم المدارس في عدد من المدن في المنطقة، منها الباب وإعزاز. وعملت شركات إنشاء تركية على ترميم المساجد، والمدارس والمستوصفات، ومقار البلديات وملحقاتها من المباني الخدمية في المنطقة، بالإضافة إلى إعادة ترميم مباني قوات الشرطة، وبناء مقار جديدة في المدن والبلدات التي لا توجد فيها مقرات كافية. الشركات التركية اعتمدت بشكل كبير على عاملين أتراك، أما السورية فقد اعتمدت على العمال السوريين من أبناء المنطقة.

ووقع المجلس المحلي في مدينة إعزاز، مطلع نيسان/أبريل، عقداً مع شركة الطاقة التركية AK energy بهدف إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية وتغذية مدينة إعزاز كخطوة أولى، ومن ثم تغطية بقية المنطقة بالطاقة الكهربائية. وتسلمت شركات إنشاءات تركية مشاريع بناء ثلاثة مشافٍ في المنطقة؛ مارع والراعي والباب، وهي مشافٍ كبيرة يتسع كل واحد منها لأكثر من 300 سرير، وتحوي عيادات خارجية وأقسام استشفاء. وقد بدأ العمل على إنشائها منذ مطلع العام 2018 ومن المقرر أن ينتهي العمل بها نهاية أيار الجاري.

وتأسست مشاريع صناعية رديفة لقطاع الإنشاءات في المنطقة خلال الفترة الماضية بهدف تغطية مستلزمات القطاع الأكثر نشاطاً في المنطقة؛ من مجابل ومناشر للحجر وورش لصناعة ديكور المنشآت، لسوريين وأتراك. المجلس المحلي في مدينة الباب وقّع عقداً مع شركة "يورو بيتون" التركية، التي تعهدت ببناء مجبل لمادة الإسمنت في المدينة على أرض يقدمها المجلس المحلي للمشروع. وتأسست كذلك شركات استيراد للمستلزمات التي يطلبها القطاع، من الاسمنت والحديد، ومستلزمات البنى التحتية اللازمة في عمليات البناء والترميم.

وفي بلدة قباسين وقع مجلسها المحلي مع شركة "جوك تورك" التركية عقداً لبناء مجمع سكني على أطراف البلدة، باسم "ضاحية قباسين السكنية". ومن المفترض أن تبني الشركة 225 شقة سكنية، وحوالي 30 محلاً تجارياً. وقد بدأ العمل بالمشروع في كانون الثاني، ومن المقرر أن ينتهي في آب المقبل. ويعمل في المشروع عمال سوريون وأتراك.

وتأسست مشاريع صناعية في المنطقة، شملت قطاع الألبسة الجاهزة، والتطريز، وصناعة الصابون، ومواد التنظيف، والأواني البلاستيكية، وأكياس النايلون، وصناعة الأكياس المخصصة للاستخدام الزراعي. ومعظمها مشاريع كانت موجودة في المنطقة الصناعية في الشيخ نجار، ومناطق الضواحي الغربية لحلب، ومنطقة الشقيف والجندول.

فرص الاستثمار في المنطقة بقيت محصورة بفئة معينة من الصناعيين والتجار، السوريين والأتراك، الذين كان لديهم شبكة علاقات ساعدتهم على الفوز بالمناقصات، وسهلت عملية دخولهم إلى المنطقة التي ما تزال محظورة على غيرهم من الصناعيين والتجار الراغبين في الاستثمار في المنطقة.

وقد زار وفد من رجال الأعمال السوريين والأتراك، منطقة ريف حلب الشمالي، بداية أيار/ مايو، وضم صناعيين وتجاراً جاؤوا للاستطلاع، والبحث عن فرص استثمار داخل المنطقة. وتكوّن الوفد من 35 رجل أعمال، انضم إليهم قرابة 15 صناعياً وتاجراً من الشمال السوري. وتجول الوفد في إعزاز، وزار مجلسها المحلي، وشملت الجولة بلدة صوران وغيرها من البلدات القريبة. وترأس الوفد، رئيس غرفة تجارة ولاية كلس محمد أوزجوك أوغلو، ورجال أعمال وصناعيين أتراك في منظمة Müsiad "منظمة رجال الأعمال المسلمين".

وأدار الجولة من الجانب السوري، رجل الأعمال فايز حمشو، والذي أكد لـ"المدن"، أن الوفد كوّن انطباعاً جيداً عن المنطقة، وتم رصد مجموعة من العوامل التي تتيح قيام مشاريع استثمارية ناجحة في ريف حلب. وقررت "منظمة موسياد" افتتاح مكتب لها في الشمال السوري خلال الفترة المقبلة لبناء شراكات مع رؤوس الأموال المحلية في مجالي الصناعة والتجارة وقطاع الإنشاءات.

حمشو أكد أن "موسياد" منظمة عريقة، مركزها في مدينة اسطنبول، وتضم مجموعة كبيرة من رجال الأعمال والصناعيين الأتراك، وتضم أكثر من 40 شركة ولديها عشرات المكاتب والاسثمارات في الأراضي التركية، ولها فروع في بلدان إسلامية.

وأوضح حمشو، أن النجاح في النهوض بالمنطقة صناعياً وتجارياً، وإدخال أكبر قدر ممكن من الاستثمارات يتعلق بالدرجة الأولى بحجم التسهيلات المقدمة، هناك صعوبة إلى الآن في عمليات الدخول والخروج من المعابر، إلى الآن ليس هناك جدية من الجانب التركي بخصوص إنعاش المنطقة وإفساح المجال أمام المستثمرين الأتراك والسوريين ليقيموا مشاريعهم الاقتصادية في المنطقة.

حمشو كان عضواً مؤسساً لغرف صناعية وتجارية في المنطقة؛ في صوران، وإعزاز، وشمال ادلب. في سرمدا على سبيل المثال، جرت العادة أن تتم المشاريع بالشراكة مع المجالس المحلية، أو بإشرافها. فدخول الاستثمارات لا يتم عن طريق "الحكومة السورية المؤقتة"، لأن المنطقة تفتقد لغرفة صناعة وتجارة مركزية تنظم عملية دخول الاستثمارات وتشرف على توزيعها بما يتناسب مع جغرافيتها بشرياً وطبيعياً، بما يؤمن الفرص للجميع من خلال الإشراف المباشر على المعابر التي ما تزال حتى اللحظة تدار بشكل منفرد وينعدم التنسيق في ما بينها.

مدير مكتب الصناعة والتجارة في مجلس إعزاز المحلي، إبراهيم دربالة، أكد لـ"المدن"، أن توجهاً عاماً لدى المجالس المحلية في "درع الفرات" نحو جذب الاستثمارات، وإنعاش المنطقة اقتصادياً، وقد اتخذت خطوات متعددة في هذا الاتجاه. وأنهى المجلس المحلي في إعزاز دراسة مشروع المنطقة الصناعية التي ستقام على أطراف المدينة. ومساحة المشروع تزيد عن 30 هكتاراً، سيقوم المجلس المحلي بإنشاء البنى التحتية للمنطقة وسيفتح باب الاكتتاب أمام الصناعيين للحصول على عقارات صناعية تحوي خدمات لازمة لقيام أي مشروع صناعية بما فيها الكهرباء.

ومن المفترض أن تقسم المنطقة الصناعية في إعزاز إلى أقسام؛ قسم مخصص للصناعات النسيجية والألبسة، وقسم للصناعات التحويلية، وقسم لصناعة الأغذية، وقسم لمختلف أنواع الصناعات التقليدية في المنطقة، وتضم المنطقة حياً تجارياً يشرف على بنائه بشكل كامل المجلس المحلي، ويضم عدداً كبيراً من المحال التجارية.

مجلس الباب المحلي كان قد سبق مجلس إعزاز في مشروع بناء المنطقة الصناعية، وأعلن عن إطلاق مشروع المنطقة الصناعية في الباب بداية العام 2018، وباشر العمل فعلياً في بناء البنية التحتية للمنطقة منذ ثلاثة أشهر على الأقل، ومن المقرر أن ينتهي العمل بها منتصف العام الحالي، وطريقة الاكتتاب تشبه إلى حد ما الطريقة التي اعتمدها مجلس إعزاز المحلي.

ما يزال ريف حلب بحاجة إلى المزيد من الخدمات ليصبح مركز جذب للاستثمارات، أهمها طرق المواصلات. وفي حال توفر دعم الجانب التركي لإعادة إعمار المنطقة ستكون بديلاً لعشرات الصناعات التي هجرت حلب خلال السنوات الماضية باتجاه تركيا. الصناعيون والتجار الحلبيين لم تغرهم دعوة النظام للعودة إلى حلب بعد سيطرته الكاملة على المدينة أواخر العام 2016. ومن عاد منهم، أحس بالورطة، فالمليشيات قاسمتهم أرباحهم، ومشاريعهم الصناعية والتجارية، وليس هناك يد عاملة تكفي بسبب التجنيد الذي تفرضه مليشيات النظام. في المقابل، تتمتع منطقة "درع الفرات" في ريف حلب، بالاستقرار، ووجود عشرات الآلاف من الشباب الذين ينتظرون فرص العمل.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها