الثلاثاء 2018/05/22

آخر تحديث: 13:53 (بيروت)

هل تكون درعا وجهة النظام الجديدة؟

الثلاثاء 2018/05/22
هل تكون درعا وجهة النظام الجديدة؟
ساحة للمواجهة بين إيران وإسرائيل (Getty)
increase حجم الخط decrease
كثّفت قوات النظام خلال الأسابيع القليلة الماضية من وتيرة إلقائها مناشير من الطائرات المروحية، فوق مدن وبلدات محافظة درعا، ودعت في معظمها إلى الانضمام لـ"المصالحة الوطنية"، وحذرت من اقتراب موعد العمليات العسكرية في المنطقة.

وتزامن ذلك مع إعلان قوات النظام سيطرتها الكاملة على دمشق وريفها، بعد إنهاء آخر جيوب تنظيم "الدولة الإسلامية" في مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود. وبدأ إعلاميو النظام ومؤيدوه الترويج بأن المعركة المقبلة ستكون في درعا، التي تعيش اتفاق "خفض التصعيد" برعاية روسية-أميركية-أردنية منذ تموز/يوليو 2017.

"الحملة الإعلامية" التي تمارسها قوات النظام قبل أي مواجهة عسكرية لها، تعزز من التوقعات بأن تكون درعا هي مسرح المواجهة العسكرية المقبلة. توقعات يخالفها المتحدث الرسمي باسم "جيش الثورة" أبو بكر الحسن، الذي أشار في حديثه لـ"المدن"، إلى أن هدف هذه الحملة "النيل من معنويات الحاضنة الشعبية للثوار في المناطق المحررة لدفعها للقبول بالمصالحات"، لكنه أكد جاهزية فصائل المعارضة لكافة السيناريوهات، بما فيها العسكرية، مضيفاً: "مناطق التماس مع مليشيات الأسد وحلفائها مقسمة لغرف عمليات وهناك تنسيق عالٍ بين كامل فصائل الجيش الحر".

ولا يُعتبر الجنوب السوري ساحة فقط للصراع بين قوات النظام وفصائل المعارضة، بل ساحة للمواجهة المباشرة وغير المباشرة بين مليشيات إيران المتمددة نحو الحدود مع الجولان المحتل، وبين إسرائيل الساعية للتصدي للنفوذ الإيراني في سوريا عموماً والجنوب خصوصاً. وهو ما يجعل من اندلاع أي مواجهات عسكرية في المنطقة، معركة متعددة الأطراف، قد يتخذ فيها الجانب الروسي دور الوسيط.

العقبة الأولى التي تقف في وجه قوات النظام ومعركتها في الجنوب السوري هي التشكيلات العسكرية المشاركة في المعركة: أي تواجد للمليشيات الإيرانية و"حزب الله" اللبناني سيجعلها عرضة للغارات الإسرائيلية. لذلك تُشيرُ التوقعات إلى استخدام النظام للتشكيلات العسكرية الرسمية التابعة له، وأهمها "الفرقة الخامسة" و"الفرقة التاسعة" المتمركزتين في درعا، و"الفرقة الخامسة عشرة" المتمركزة في السويداء، و"قوات الدفاع الوطني" المتمركزة في درعا والسويداء معاً، وتعزيزها بـ"الفرقة الرابعة" التي أصبحت متفرغة بعد إتمام سيطرة النظام على مدينة دمشق ومحيطها بالكامل.

"الفرقة الرابعة" ممثلة بـ"قوات الغيث" سبق وشنت هجوماً على مواقع فصائل المعارضة في درعا البلد، في العام 2017، ما أجبر المعارضة على وقف معركة "الموت ولا المذلة" والتوصل إلى اتفاق "خفض التصعيد"، الساري منذ ذلك الحين. ومن المتوقع مشاركة "لواء القدس الفلسطيني"، إذ يعتبر مخيم اللاجئين الفلسطينيين في مدينة درعا آخر المخيمات الفلسطينية في سوريا الخارجة عن سيطرة قوات النظام.

ويبقى احتمال مشاركة "قوات النمر" التابعة للعميد سهيل الحسن، موضع شك، فهذه القوات يغلب عليها أسلوب المليشيات الطائفية، وتهدد مشاركتها بنقل المواجهة في الجنوب السوري من مواجهات بين النظام والمعارضة، إلى حرب طائفية بين السنة والشيعة، وهذا ما يخشاه الأردن بالدرجة الأولى. الدعم الروسي الكبير لـ"قوات النمر"، والعلاقات الروسية-الأردنية التي تُوصف بـ"الممتازة"، واحتمال حصول الأردن على ضمانات أو وعود تزيل هذه المخاوف، قد يفتح الباب أمام مشاركة "قوات النمر" إلى جانب التشكيلات السابقة، وربما تتولى قيادتها، كما حصل سابقاً في الغوطة الشرقية.

العقبة الثانية تكمن في الكثافة السكانية في الجنوب السوري، فالمناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة يقطنها أكثر من 700 ألف نسمة، ستدفعهم أي مواجهات عسكرية تُستخدم فيها سياسة الأرض المحروقة إلى موجات من اللجوء نحو الأردن، الذي سيُوضع بين خياري إغلاق الحدود أمامهم وتحمل تبعات ذلك إنسانياً ودولياً، وبين السماح للاجئين بالدخول وتحمل التكلفة الاقتصادية والأمنية لذلك. وهذا ما يجعل الأردن منحازاً إلى أي خيار يمنع اندلاع المواجهات العسكرية في الجنوب، الأمر الذي قد يدفعه لممارسة الضغوط على النظام والمعارضة.

العقبة الثالثة هي الطريق الدولي دمشق-عمان، الذي تسيطر قوات النظام على الجزء الأكبر منه، لكن فصائل المعارضة تسيطر على معظم المساحات المحيطة به، ما سيجعل من أي مؤازرات عسكرية تستقدمها قوات النظام على هذا الطريق عرضة للاستهداف والقصف. وقد يدفع ذلك قوات النظام للجوء إلى خيارات بديلة، كاتخاذ محافظة السويداء نقطة انطلاق نحو ريف درعا الشرقي. ويعني ذلك، أن السويداء التي عمد رموزها لتحييدها عن المواجهات العسكرية طوال سنوات الثورة، وحافظت قدر الإمكان على الحياد في علاقتها مع درعا، قد تصبح في وضع حرج بين مطرقة النظام وسندان المعارضة.

أمام هذه الحالة من الترقب، قد تكون بلدة محجة في ريف درعا والخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، والمُحاصَرَةُ من قبل قوات النظام، والتي يحكمها اتفاق "مصالحة" هش، الشرارة الأولى التي تحدد ساعة الصفر للجنوب السوري. فالبلدة كانت قد تعرضت لحصار كامل استمر شهراً قبل أن تصل إلى اتفاق "مصالحة" مع قوات النظام في أيار/مايو 2017، تم خلاله تسليم كميات من الأسلحة والذخائر مقابل فك الحصار. ومنذ ذلك الاتفاق، استخدمت قوات النظام سياسة الترهيب مراراً مع فصائل المعارضة في البلدة، وعرضت عليها الخروج نحو إدلب وتسليم البلدة بالكامل. لكن أياً من هذه التهديدات لم يتطور إلى المواجهة المباشرة.

عودة ملف محجة إلى الواجهة، جاء بعد تواصل قاعدة حميميم مع أهالي البلدة قبل أيام، وطلبها تشكيل وفد يمثلهم عسكرياً ومدنياً للتفاوض حول وضع البلدة بشكل كامل، وهو ما تم فعلاً، بانتظار عقد جلسات للتفاوض التي قد ترسم الخيارات المتاحة لفصائل المعارضة. كما أن ملف محجّة سيعكس جدّية قوات النظام في المعركة المُقبلة، وحجم الدور الذي ستلعبه روسيا، سواء في المفاوضات أو في المعارك.

أبو بكر الحسن، طلب من أهالي الجنوب السوري، الحذر من التأثير الإعلامي عليهم، وقال: "حوران مهد الثورة وحاضرتها والحاضنة واعية ورشيدة لأبعد الحدود"، محذراً قوات النظام من ارتكاب أي "حماقة في الجنوب، حينها ستكون لصالحنا على الصعيد العسكري، لذلك نطلب من الحاضنة الشعبية المزيد من الدعم المعنوي الذي لم تبخل به طوال السنين الماضية".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها